السبت ٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٢
درس في الدين الإسلامي

لمحمد مرسي وجماعته

زهير كمال

الفترة الوحيدة في تاريخ الدول الإسلامية المتعاقبة والتي تم تطبيق شرع الله بطريقة يرضى عنها الرسول هي فترة خلافة عمر بن الخطاب، وهي اول فترة تكونت فيها دولة اسلامية (وجود الدواوين او الوزارات).

بعد ذلك كانت الدولة ملكية وراثية تقوى ثم تضعف، كحال معظم أمبراطوريات ذلك الزمن، تحل اسرة ثانية متعطشة لاستلام السلطة بدل الاسرة الضعيفة وهكذا دواليك.

يمكننا القول ان خلافة عمر كانت المقياس المثالي في تطبيق النهج الاسلامي في الحكم وقد تم تجريب هذا المقياس لفترة بسيطة في عهد الخليفة الاموي عمر بن عبد العزيز وثبت نجاحه. ولكن لا يجب ان يغيب عن بالنا قرب المسافة الزمنية بين العهدين، فعمر بن عبد العزيز لم يكن ليحتاج ان يجتهد ويدرس المتغيرات التي طرأت على المجتمع خلال هذه الفترة ثم يضع لها الحلول المناسبة، بعكس واقعنا الحالي، بعد مرور الفاً واربعمائة عام والتي ينبغي على من ينادي بتطبيق الاسلام ان يفهم تطور الحضارة الانسانية وكمثال بسيط الفرق الشاسع بين اقتصاد البداوة البسيط واقتصاد عصر العولمة، الطائرة والجمل، المدفع والسيف.
ما يعنينا هنا هو اظهار المباديء الاساسية التي لا تتغير مع الزمن والتي ينبغي على الحاكم الصالح اتباعها.

الدرس الاول:

احد المباديء الاساسية في الحكم هو تجميع اكبر قدر ممكن من الآراء حول قرار معين يريد الحاكم اتخاذه من اجل المصلحة العامة. وكمثل على ذلك:

رآى عمر بن الخطاب توزيع ارض السواد في العراق على اهلها وليس على جنود الجيش الاسلامي كما جرت العادة المتبعة في توزيع الغنائم ايام الرسول وابي بكر.
وهذا وضع جديد يتعلق بالارض وسكان جدد في الدولة، وكما نلاحظ فان هذا الوضع الجديد يتم بعد سنوات بسيطة من وفاة الرسول، ولكنها تظهر ديناميكية عمر في نظرته الى المتغيرات الجارية.

عندما جمع عمر حكماء الأنصار للنظر في هذا الموضوع افتتح الأجتماع قائلاً:

إني لم ازعجكم إلاّ لتشتركوا في أمانتي فيما حملت من اموركم، فإني واحد كأحدكم، وأنتم اليوم تقرون بالحق، خالفني من خالفني ووافقني من وافقني.

ولست اريد ان تتبعوا هذا الرأي الذي هو هواي، فلكم من الله كتاب ينطق بالحق، فوالله لئن كنت نطقت بأمر أريده، ما أريد به إلاّ الحق.

إستطاع عمر جمع رأي مساند له عن طريق سلسلة من الإجتماعات مع كل أصحاب الرأي من المهاجرين والأنصار، وكلما عارضه أحد كان أكثر ما يفعله مع المعارض أن يقول : هذا رأي، ولم يضع احداً في السجن أو يغلظ له القول لأنه عارض رأي الخليفة. وهكذا عند إتخاذ القرار النهائي شعر ما بقي من المعارضين أن رأي كل منهم رأي فردي وأن ما أتخذ يعبر عن المصلحة العامة. وقد ثبت صحة رأي عمر وبعد نظره في هذه المسألة بدخول السكان في العراق والشام ومصر الى الاسلام.

لماذا يتحمل عمر مشقة اقناع الناس برأيه؟ اليس هو رأس الهرم؟ يجمع السلطة الدينية والسلطة التنفيذية معاً.

اليس سهلاً ان يأمر فيطاع؟

الا يرى ابعد من غيره؟ ويفكر بمنظور استراتيجي قد لا يراه غيره.

ما فعله عمر هو قمة الفن في القيادة والسلطة. فلكي يسير النظام بانسجام وفي خط واحد
ينبغي تكوين رأي عام موحد قدر الامكان.

وهذا سيمنع تشكل فرق لا يعجبها قرار الحاكم ولها حسابات داخلية خاصة. كما ان هذا المثل يعطينا قانوناً عاماً في السياسة:

كلما زادت ثقة الحاكم بنفسه وبقدراته يكون أكثر ديمقراطية عندما قرر السيد محمد مرسي اعطاء نفسه صلاحيات واسعة يحصّن بها نفسه من المحاسبة معتقداً انه ظل الله الجديد على الارض، فهو انما يخالف الشرع الاسلامي ولا يمت قراره بصلة لهذا الشرع، ويدل على فهم قاصر لأصول الحكم ، ثم ان الرجل لم يفعل شيئاً عظيماً يقدّره له الناس يتباهى به ويعتبره الناس انتصاراً فيثقون بقدراته واحكامه الصائبة. كانت نتيجة فعلته الخرقاء تأليب الناس عليه وتسبب ذلك في مقتل اثنين او اكثر من المتظاهرين والمعتصمين وجرح الكثيرين ويتحمل هو شخصياً الدم المراق ومعاناة الناس وعذاباتها وتعطيل الحياة الطبيعية للمجتمع.
الدرس الثاني:

قال الرجل لعمر بن الخطاب امام جموع المصلين رداً على سؤاله : والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا ، فحمد عمر الله ان في الامة رجل يقول هذا الكلام للخليفة.
تطرح هذه الحادثة بعض الاسئلة والمفاهيم الهامة:

ان الناس العاديين هم الذين يرون الاعوجاج في الحاكم وان عليهم مسؤولية تقويمه ولن ندخل في متاهة ايهما اكثر ايمانا وقرباً من الله الرجل العادي ام الحاكم.

ولا شك ان رد عمر هو الفهم الاسلامي في تشجيع الثورة على الحاكم الظالم.

واذا اردنا تطبيق هذا المبدأ على ما يحدث في مصر الآن فان بضع آلاف يعتصمون في التحرير هم اهم من السيد محمد مرسي وأقوى منه.

الدرس الثالث:

قال عمر بن الخطاب عندما أفحمته المرأة بردها المنطقي:

اصابت امرأة وأخطأ عمر.

هذه الكلمات التي يتم ترديدها عبر التاريخ انما تزيد اعجاب الناس بعمر لانه يعترف بالخطأ وتزيد من قدره ورفعته.

اذاً فالرجال العظام يكبرون في نظر الناس عندما يعترفون بأخطاءهم ويتراجعون عن قرارات خاطئة اتخذوها.

لم يكن متوقعاً ان تظهر جماعة الاخوان المسلمين مدى تعطشها للسلطة المطلقة خلال فترة قصيرة من الزمن كما يحدث الآن. وهذا يدل على مستوى متدن من الذكاء وقصور عن فهم الواقع. بداية لا يستطيعون ادعاء شرف تفجير ثورة 25 يناير، وعندما شاركوا فيها حاولوا إجهاضها بالتفاوض مع النظام القديم وعندما اجريت انتخابات مجلس الشعب فازوا بالاغلبية فهم قوة منظمة مقابل تفتت القوى الثورية الاخرى وضعفها وهذا امر طبيعي بعد ثلاثين عاماً من الديكتاتورية جرى فيها تسطيح المجتمع وتجهيله.

وانطبق الامر على انتخابات الرئاسة، كان الشعب المصري مجبراً في النهاية على الإختيار بين مرشح النظام القديم ومرشح الاخوان.

حقائق بسيطة لن ينكرها احد ويمكننا ان نضيف عليها تصريحاتهم انهم لن يرشحوا أحداً للرئاسة وانتهى المطاف بهم الى ترشيح اثنين، والمسلم الحقيقي صادق وان قال فعل.
وعودة الى الى موضوع المقال فان اول من اطلق شعار ( الإسلام هو الحل) هم الاخوان المسلمين ولكنه شعار فضفاض لا معنى له ان لم يتم الحاقه بما يعنيه فمن الممكن ان يعني تطبيق الشعب للعبادات سواء باقتناع الفرد او اجباره عليها او في الاغلبية التي تطبق ( ما وجدنا عليه آباءنا)، كما يحدث الآن في الجزيرة العربية التي يحكمها النظام السعودي.
وطريقة حكم مثل هذه لا تمثل نظام الحكم الاسلامي الحقيقي وانما هو اسوأ استعمال للدين واستغلال له عندما لا تتوفر العدالة الاجتماعية وعندما تحتكر فئة بسيطة الثروة ولن ندخل في مواضيع اخرى مثل استقلال القرار السياسي والاقتصادي ونصرة المظلومين.
وكمثل بسيط على فداحة الفقر وسوء توزيع الثروة وعدم قدرة النظام على طرح حلول واضحة لهذه المسألة هو تقديم النظام لرشوة كبيرة لشعب الجزيرة قدرها 27 مليار ريالسعودي او ما يعادل اكثر من 7 مليار دولار عندما بدأت الثورة العربية تنتشر في المنطقة. واتمنى ان يستمر النظام في تنفيذ هذه الرشوة فدخول هذه الاموال في جيوب المحرومين والفقراء خير من شراء النظام لأسلحة تصدأ في المخازن وكل هدفها العمولات الكبيرة التي يحصل عليها الامراء والمتسلقين.

هناك اسلام آخر يحقق مقصد الشريعة النهائي وهو تحقيق سعادة الناس على الارض كما فهمها عمر بن الخطاب الذي هدف الى دولة توصل راتب راع في جبال صنعاء اليه بدون ان يتجشم مشقة الانتقال والبحث عنه.

وقد فهم الرئيس الخالد جمال عبد الناصر هذا المعنى عندما تساءل هل نصيب الفقراء في الآخرة فقط ، اليس لهم نصيب في الدنيا؟

لم يدع الرجل انه امير المؤمنين ولكنه حول مصر الى ورشة عمل كبيرة وابتدع نسبة ال50 في المائة للعمال والفلاحين في كل الهيئات وغير ذلك كمجانية التعليم ، وكان الرجل يصلي ويصوم مثل اي مسلم ومات فقيراً مثل اي خليفة صالح.

ومن الجدير بالذكر ان الاخوان المسلمين بدلاً من دعمه تآمروا عليه وتحالفوا مع النظام السعودي لتعطيل مسيرة النهضة المصرية، الامر الذي ادى الى اعدامات لبعض الرموز الاسلامية مثل المفكر سيد قطب وهو خطأ فادح ارتكبه عبد الناصر.

وأخيراً هناك سؤال يطرح نفسه وهو ما الذي سيفعله الاخوان المسلمون بعد وصولهم الى السلطة، بعد صبر يدعو الى الاعجاب، وما الذي سيتميزون به عن غيرهم؟

دولياً: هناك علامات استفهام على علاقاتهم الدولية وتحالفاتهم ولا اعتقد انهم يطمحون ان تتبوء مصر مركزها الحقيقي في العالم.
سياسياً: لا وجود لنية التداول السلمي للسلطة وفي اعتقادهم ان الرئيس الممثل لهم معصوم من الخطأ.

اقتصادياً: لا وجود لخطة واضحة ومحددة لرفع مصر من وضعها البائس، بدأ عهدهم بالإقتراض من صندوق النقد الدولي، وقد بدا التخبط واضحاً ومثيراً للشفقة في تحليل(جعله حلالاً) قرض الصندوق، فالربا هو الربا وليس هناك ربا محلّل اذا كانت شروطه سهلة وربا غير ذلك. وهذا هو انفصام الشخصية الموجود في المجتمعات الاسلامية التي توقف الاجتهاد فيها منذ زمن طويل. ربما كان عليهم اخذ قروض من أصدقاءهم في الخليج بدون فائدة وسدادها حين ميسرة، سيظهر ذلك صحة توجهاتهم ووجود خطط مستقبلية عندهم بدل الارتهان لصندوق النقد وشروطه.

وللتذكير فقط، ما زال 10 في المائة من عدد السكان يعيشون في عشوائيات او في المقابر ونسبة مماثلة تعاني من الامراض السرطانية ونسبة كبيرة من الأميين الذين حرموا فرصة التعليم و50 في المائة من عدد السكان يعيشون على دولار واحد في اليوم، فاذا اعتقدت الجماعة ان هذا قدر مصر او ان هذا ابتلاء من الله للشعب فانما يخالفون شرع الله والاسلام، وقد ظهر ذلك واضحاً في تحليل مرسي لأسباب فشله في تنفيذ الوعود التي قطعها على نفسه لانجازها خلال مائة يوم. كما ظهر أيضاً في ترديده لقول ابي بكر (وليت عليكم ولست بخيركم)، فما أسهل ترديد الكلام بدون اقتناع كامل بالقول. ما يعني ان الهدف من ذلك خداع البسطاء من الناس، ولكن الى متى؟ وقد غيرت ثورة 25 يناير مصر الى الأبد.

الكرة في ملعب الاخوان وعليهم مراجعة شاملة لكل نهجهم اذا ارادوا مصلحة مصر وليس مصلحة فئة صغيرة لا تتحلى بالذكاء او الخيال المناسب لقيادة بلد عظيم.

زهير كمال

مشاركة منتدى

  • السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اشكرك على المقاله السابقه الاسلام دين حياة ومنهج وسلوك نظم العلاقات جميعها لم يترك شاردة ولا واردة نحن اليوم نفهم متطلبات العصر الحديث واكثر ما يؤرقنا هو عدوا جاثم على صدورنا لم يبرح مكانه وقد جرعنا الهزيمه تلو الهزيمه والحياة وان طالت فهي ايام معدودة فلنعش بعزة خير من ذلة الى يوم يبعثون لان الاولون ساروا على النهج القويم ونحن اليوم تركنا خير ما ورثنا من الله ورسوله
    هل الانظمة السابقة ارادت بنا خيرا ام لا ؟ هل الانظمة البائدة فهمت متطلبات العصر وابدت الاستعداد ؟ هل الثروات التي جمعتها استثمرتها لابناء الوطن ؟ الجواب متروك لكل من يفهمه بلغته ووفق مصالحة الشخصية لان اليوم هناك شعب فهم ووعي من الذي جثم وكمم الافواه وتصرف دون ان يسمع آهات وويلات الفقراء والمحتاجين اقولها بكل أمانه اليوم نحن بحاجة جدا الى من يؤسس لدولة تحكم وفق القرآن والسنه لا وفق قوانين وضعية واقول ليس الاخوان معصومين من الخطأ ولكن الذي يعترف بخطئة هو شخص شجاع وعلينا تقديرة لا ان نجرح به كما فعل بعض من وصف د. مرسي بالدكتاتور ووالله الذي يحدث هو مؤامرة دنيئة لا تنم الا عن حقد وكراهية للاسلام واهلة والله النصر لأخواننا في العقيدة قريب ان شاء الله وارجوا اعادة النظر بالموضوع لاننا عرب اولا والنهضه تستجوب الوقوف جنبا الى جنب لوقف المؤامرة ...........

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى