الاثنين ٢٠ شباط (فبراير) ٢٠٠٦
استعادة ذكريات مع حكمت العتيلي وعيسى بطارسة وصاحب ذهب
بقلم سعود الأسدي

ألا ليتها ياحكمت ليالي التأتآت تعود

ماذا بقي للشعراء غير استعادة الذكريات؟

قمت بزيارة كاليفورنيا أواخر عام 1997 بدعوة من أصدقاء أحبّة أذكر منهم هاني الحاج والدكتور الموسيقي نبيل عزام قائد فرقة موسيقبة والصحفي ساهر الحاج والأستاذ رضوان عمري لأجل لقاءات في أمسيات أدبية شعرية ، وقد التقيت في تلك الزيارة بالعديد من البارزين في لوس انجيلوس بكاليفورنيا من متقّفين وأدباء وصحفيين منهم السادة نخلة بدر رئيس مؤسسة الشرق الثقافية والنائب فرحان سهاونة وأصحاب صحف منهم السادة : نظام المهداوي صاحب الوطن ومحمد كعكاتي صاحب أنباء العرب وسامر سابا صاحب الأخبار المهجرية وشعراء منهم الشاعرة سلوى السعيد والشاعرة سهاد رشاد و الشاعر الفلسطيني حكمت العتيلي والشاعر الأردني عيسي بطارسة والشاعر العراقي صاحب ذ هب.

ومن تلك الأمسيات أمسية أقامتهامؤسسة الشرق الثقافية افتتحها الأستاذ نخلة بدر وتولّى عرافتها وأدار حوارها الشاعر حكمت العتّيلي ، وكان قد أنشد مستقبلا الشاعر الضيف :

بلبلٌ من بلـــــدي
يا لهُ مــــن غَرِد ِ
قـد أتانا مُــــوْفَدا
مرحبــــًا بالموفد ِ
عبقــريٌّ شعـــرُهُ
ورقيــــقٌ ونَدي
وعتيـدُ راســــخٌ
خالـــــدٌ للأبد ِ
صوتـُه ُإمّـا شـَــدا
بهديل ِالموعــــد ِ
أطرقتْ أسْــدُ الشَّرَى
لجلالِ المشهــــد ِ
يومُكــمْ ذا رائــع ٌ
ليتَ مثلـَــه غدي
يا سعودُ سعدُنــــا
فاقَ نجـــمَ الفرقد ِ
بأبـــي أنت أقِــم ْ
عندَنـــا لا تبعـد ِ
إبـقَ عندنـــا تعشْ
مُنْعَمـــاً بالرغـد ِ
نقتديكـــتم مثـلاً
تـبَّ مـن لا يقتدي
يا حضـورًا شَرّفــوا
للقـــــاءٍ مُسْعد ِ
ردِّدوا أهــلاً معـي
بسعود الأســــدي

لوس انجيلوس 3كانون الأول 1997

وكان السادة المضيفون بعد كل أمسية يكملون السهرة عند أحدهم فتفيض فيها أحاديث ذات شجون وتعمر بالطرائف والحكايات والأشعار والغناء والحنين إلى الوطن وأحاديث الاغتراب ، ومما قلته : إن الغربة عن الوطن غربة واحدة واما الغربة في الوطن فهي غربتان واسمحوا لي بان أقول :

أنا بَشْعُر بهالدنيا اللعينِهْ

شعور كْبير بالغربِه الحزينِهْ

مِثِلْ غربِةْ زتونِه بقلعوها

من بين الزتون تايزرعوها

على دوّارْ في ساحِةْ مَدينِهْ

وفي سهرة دعانا إليها الشاعر حكمت العتيلي تناوبنا قراءة الأشعار وكنت قد أنشدت قصيدة غزلية بعنوان " تأتأة " ، فتفضّل الأستاذ نظام المهداوي صاحب صحيفة الوطن الغراء من غده ونشرها،والقصيدة تقول:

يا حلوتي عينــاكِ لي أمَــلُ
إن تبسمـي تخضـرَّ لي السُّبُلُ
والحقــلُ يغدو موجَ أغنيـة ٍ
تشـدو، عليها يرقـص السَّبَلُ
والريـحُ تسكنُ بعدَ غضبتِهـا
والعتْـمُ في الآفــاقِ يرتحـلُ
والقوسُ ينشرُ في المـدى قُزَحاً
وشذى البخـور ِعليّ ينهمـلُ
إني أقــولُ وذى مرابعُنــا
كُـلٌّ ربيـعٌ مشـرقٌ خضِـلُ
لولاكِ ما أضفى السّنى أرَجَـاً
في صحـوةٍ غنّـى لها الحَجَـلُ
ولما حكـى الحسّونُ كلْمتَـهُ
فيكِ ونَــوْرُ اللـوز ِمنـذهلُ
أقسمتُ بالنـارِ التي عُبِـدَتْ
قِدْمــاً ولا ذنْـبٌ ولا زلـلُ
ما الأقحوان يَـِرفُّ مبتهجـاً
والبَيْلسـانُ يضمُّــه الخجـلُ
والنرجسُ المفتــونُ تنعشُهُ
نجـــوى الندى والفلّ مشتعلُ
إلا بقايا همـسِ رمشِـك إذ
باحَ الحنيـنُ إليـه والغَـــزَلُ
يا حُلوتي قالَ السُّهـى شغفًا
بالليـــل ذا والسِّتْرُ منسَـدِلُ
ما الكُحْـلُ إذ يسوَدُّ في مُقلٍ
أحلى ولكـن زانــها الكحَلُ
والزَّهـر لا تَبـدو مواهبُه
جَمْـــعًا إذا لم يُجْتَـنَ العسلُ
والخمـر لا يزكـو ترشُّفُهُ
إلا إذا أسقـــاهُ محتَفِـــلُ
والشّعر لا يَرْقَـى بمنشـدِهِ
إلا إذا مــن دونِـه زُحَــلُ
جمعَ الهـزارُ حروفَـهُ فغدتْ
شعـرًا بوصفِــكِ راح يكتملُ
وأنا حروفي كيـف أجمعُهـا
ويفـرّ منّي اللفــظ والجُمَـلُ
تأتأتُ خيرُ اللفــظِ تأتـأةٌ
مِمّــا شَهِــدْتُ وإنّني ثَمِـلُ
وتجنَّدتْ روحـي لتشطحَ في
أفْـقٍ بروحِـكِ راحَ يتصــلُ
ما الكـونُ إلا ذرةٌ صغرتْ
والروح بالروحيــن مُشْتَمَـلُ
فإذا إرتجلتُ أخـافُ مرتجَلاً
ما كلُّ حُسْـنٍ فيـه يُرتَجَــلُ
وإذا عَجِـلْتُ وكنت متئدًا
متريثًا لا يَحْسُــنُ العجــلُ
راجعتُ طبعَ الطفلِ حين دنتْ
شمسـي وعمري إصطاده الطّفَلُ
فلتعذري طِفْـلَ الكلام إذا
قلتُ استرحــتُ وليس لي قِبَلُ
فالصمتُ أجملُ حينَ تجمعُني
بكِ مقلتـاكِ وتنطِــقُ القُبـَلُ

ولمّا قرأ الشاعر الدكتور صاحب ذهب " تأتأتي " كتب في " الوطن " يقول : " إلى صديقي الشاعرالفلسطيني الحبيب سعود الأسديّ رجعاً لقصيدتك الرقيقة المنشورة في عدد سابق من الوطن الغرّاء قصيدة تأتأة أقول :

تأتأة بتأتأة

أسْمَعْتَ مـا يحلـو به الغزلُ
شعـرًا يــروقُ وكلُّهُ أمــلُ
شعرًا يــرقُّ عواطفاً ورؤًى
فيضٌ مـن الإحســاسِ ينهملُ
ينســابُ في رفقٍ وفي دعةٍ
ويـــذوبُ في قلبـي ويتصلُ
رقصـتْ على إيقاعِــه شفتي
فكأنَّــه في جَرْسِـــه القبلُ
أسعودُ قد هيَّجــتَ لاعجتي
وتزاحمــتْ في مقـولي الجملُ
فلقد أتتني منّـك تأتـــأةٌ
لا العِــيُّ يعـرفُها ولا الخطلُ
ذكّرتني بمهـى الرّصــافةِ
والجســـــرِ الـذي رقَّــت لهُ المقلُ
والرافديـنِ يــرفُّ حولهمـا
الحـــبُّ عـــذريٌ ومفتعلُ
وليــاليَ الصبـواتِ تغمـرُنا
دفئــاً ولا لـــومٌ ولا عَذَلُ
ما كان يرقبُنُــا سـوى أدبٍ
جَـــــمٍّ فلا إثمٍ ولا زلـلُ
أسعودُ قد هيَّجْــتَ لاعجتي
من بعـدِ ما ضاقــت بها الحيلُ
أزِفَتْ على السبعيـن راحلتي
وإنداحَ عنّي الحــبّ والغـزلُ
ذهبَ الشبـابُ وليس لي قدرٌ
في أن أعــودَ له ولا قِبَـــلُ
ومشى إليَّ الشيبُ في وَخَـدٍ
فكأنَّـهُ في سعيـــه عجِــلُ
لم تُغْرِني ســودُ العيونِ ومـا
لي ناقــةٌ فيهــــا ولا جمَـلُ

ولما قرأ الشاعر حكمت العتيلي الذي يقبع الان في غرفة الإنعاش في كاليفورنيا تأتأة الدكتور صاحب ذهب التي كانت صدى لتأتأة سعود الأسديّ كتب في العدد اللاحق من الوطن تحت العنوان

" تأتأة بتأتأة بتأتأة "

ربــعُ الأحبــةِ ذاكَ أم طللُ
أمْ روضـةٌ بالحـــبِّ تعتملُ
طابتْ نسيمًا عاطــرًا ونـدًى
مِسْكًا يضـوعُ مذاقُـهُ عسلُ
غزلانُـــها عِيْــنُ مكحَّلَةٌ
تسبي فؤادي الأعينُ الكُحُــلُ
لفتاتُهــن نِبـالُ مقتنـصٍ
تدمي القلـوبَ برميها النُبُلُ
همسـاتهـنَّ غِـوىً وتأتأةٌ
بوّأحـةٌ وببوحِهــا دلَـلُ
حركاتُهنَّ جريئــةٌ أبـدًا
لم يُعْيِها خَفَــرٌ ولا وجـلُ
الوصــلُ غايتُــها ومأربُها
والفصـلُ ما تُبـــدي وتفتعلُ
حركاتُ حــواءٍ ونعرفُهــا
يتنــاوبُ الإقـدامُ والخجـلُ
فيها فتخطــو هــذه قُدمًا
ويعيقهـا عــن أختهـا الكللُ
يا (صاحبيْ ) إنّي سمعتُكُــمُ
تلقونَ شعـــرًا إنّه الغــزلُ
حلواً يفـرفحُ قلبَ سامعـِه ِ
ثرًّا كنـُــورِ البــدرِ ينهملُ
يُهدي قلــوبَ العاشقين إلى
نُــزْلُ الأحبَّة بلّهـــا البللُ
فبكى فؤادي لوعةً وجـوىً
هجرَ الحبيبِ وخــاب بي الأملُ
وطفقتُ أسألُ مَنْ أمرُّ بهـم
متثاقلاً قد هَـــدَهُ السُّــؤُلُ
ربعُ الأحبَّـةِ ذاك أم طـللُ
أم واحــةٌ بالحـــبِّ تُشْتملُ
أم بقعـةٌ صحراءُ بلقـع ما
لــي ناقةٌ فيها ولا جمــــلُ

وكان ختام تلك التأتآت ما كتبه الشاعر عيسى بطارسة إذ قال :

التأتأة الرابعة

هذا يتأتِــىءُ حين ذا أمِــلُ
وصلاً وذا يصطــادُه الطَّفَـلُ
مــن لي بحسنــاءٍ مكحَّلـةٍ
يزهو بهـا صَـــبٌ وينفعـلُ
في لحظهــا كأسٌ مخضلــةٌ
ينشي بــها لو ذاقَهــا الثَمِلُ
تُُبدي إذا أبدت لكــم طللاً
وتزوغُ كي يبــدو لِيَ الكَمَِـلُ
هــذا القليـلُ الموجِ أغنيـةٌ
منه وهـــذا العتــمُ يرتحِلُ
وا لهفَ قلبي أن يلـوح لكـم
عشقٌ بجــود الحــبِّ يعتملُ
وتعـود من شطٍّ رواحلُكُـم
خمسينَ يحـدو ظلَّهـــا الأملُ
لصبيّةٍ قالـوا إذا إبتسمـت
تعشوشـبُ الطرقـاتُ والسُّبُلُ
وإذا خَطَتْ أُصغـي إلى نغمٍ
الثابتـــان السهــلُ والجبلُ
من مثلها نـورُ الصباحِ لـها
تاجٌ ونـارُ العشْـقِ تشتعــلُ
ويروحُ يدعـوكم بهـا ألـَقٌ
ويروحُ يدعـوكـم لـها عسَلُ
من حيثُ لا يُجـــدي لنا
فيصيرُ مقـدوراٌ لنـا الزَّلَــلُ
ربعُ الأحبّـَةِ إن يكنْ أمـلٌ
في خافِــقٍ يبقــى به الأملُ
لا تهجروا حلـوَ المرابـع ِ أو
تتراجعُوا عن طعمهـا القُبَــلُ
ربـــعَ الأحبَّةِ إنَّني وَلِـهٌ
لي ناقــةٌ فيهــــا ولي جملُ

هذا وآخر دعائي للحبيب حكمت خفّف الله بلاءه وعجّل في شفائه وأقول له : ألا ليتها ياحكمت ليالي التأتآت تعود !!

ماذا بقي للشعراء غير استعادة الذكريات؟

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى