الثلاثاء ١١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٢
بقلم أحمد الخميسي

مرسي والإخوان كلهم تكلموا باسم الدين!

مثلي مثل الكثيرين استمعت إلي كلمة د. مرسي التي ألقاها الخميس 6 ديسمبر وجاءت بعد يوم من اشتباكات دامية أسفرت عن سقوط سبعة قتلى وإصابة نحو ثمانمئة بسبب اعتداء الإخوان على المتظاهرين. ولأن الأمل هو آخر مايموت فقد ظل لدي أمل أن يقول مرسي شيئا ما، وربما لا يكون الأمل بل التشبث بانتصار المنطق الذي يلزم الرئيس بأن يقول شيئا للخروج من الأزمة الناجمة عن إعلانه الدستوري. لكن مرسي – مع تمسكه بالإعلان والاستفتاء – شن هجوما على المعارضين لنظامه وألقى باللوم على المتظاهرين الذين سحلوا أمام قصر الرئاسة واتهمهم بالعمالة وتوعدهم بأن أحدا لن يفلت من العقاب، وهي ذات النبرة المتوعدة التي سمعناها من خطاب نائبه المستشار مكي حين قال "وإلا فالبقاء للأقوى". ثم عاد مرسي وألغى الإعلان الدستوري مع استبقاء آثاره، أي مع استبقاء الإعلان، وذلك في استخفاف شديد بعقول المصريين. والواضح أن الإخوان قد استقروا على المضى في العنف حتى النهاية وأيا كان الثمن لفرض تصورهم عن الدولة والثقافة والمجتمع باعتبار أنهم يتحدثون باسم الدين والإسلام. وبدلا من أن يطالب مرسي بالتحقيق فيما جرى أمام قصره الرئاسي، أوالتحقيق مع الإخوان الذين يحاصرون مقر المحكمة الدستورية، فإنه يبرئ المجرمين ويطالب بعقاب الضحايا. وقد امتلأت صفحات الانترنت والجرائد بمشاهد فظيعة توثق ما فعله الإخوان يوم الأربعاء بالمتظاهرين وضربهم بوحشية وتعذيبهم، وبلغ الأمر إقامة ساحة استجواب عند البوابة المواجهة لمسجد عمر بن عبد العزيز تحولت لمكان لتعذيب للنساء قبل الرجال، وممارسة كل أنواع البربرية في حق البشر.

والحق أن هذا المشهد الوحشي الأخير قد أسقط ليس فقط شرعية الرئيس مرسي، بل أسقط –وهو الأهم –شرعية التيار الإخواني كتيار فكري وسياسي داخل المجتمع ومشروعه الذي خلط الدين بالسياسة. لقد قدم الإخوان أنفسهم إلي المجتمع على أساس أنهم هم " الدين والإسلام " وكل معارضة لسلوكهم الفاشي معارضة للإسلام. لكن كم من الجرائم ارتكبت باسم الدين؟ وكم من المتحدثين المفوهين لجأوا في خطابهم إلي الدين - وهو منهم برئ - وارتكبوا باسمه كل الفظائع؟. ليس الإخوان أول من تحدث باسم الدين ولا آخر من ارتكب الجرائم باسم الدين.

فحينما شن التتار حملتهم على منطقتنا عام 1260 أرسل هولاكو من الشام رسالة إلي المملوك سيف الدين قطز حاكم مصر بدأها بقوله "باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء.. إنا نحن جند الله في أرضه"! ثم انتقل هولاكو من خطابه الديني إلي التهديد قائلا "فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق". وفي الشام تكشف ذلك الخطاب الديني عن بربرية التتار، إذ قبضوا على الكامل محمد الأيوبي وقطعوا جلده وأعطوه له ليأكله إلي أن مات فقطوا رأسه وحملوه على أسنة رماحهم انتقاما منه لصموده وبطولته في التصدي للغزو.

وعندما هبط نابليون بونابرت إلي مصر بدأ منشوره الأول الموجه إلي المصريين بالكلمات التالية" بسم الله الرحمن الرحيم. لا إله إلا الله. لاولد له ولا شريك له في ملكه"! ومضى يقول "وإنني أكثر من المماليك أعبد الله سبحانه وتعالى وأحترم نبيه والقرآن الكريم " وصولا إلي " إن الفرنساوية أيضا هم مسلمون مخلصون"! ولم يشهد التاريخ احتيالا دنيئا مثل ذلك يغطي باسم الدين عملية احتلال يستهدف تحويل مصر إلي مستعمرة. وقد تضمن خطاب الرئيس الأمريكي أوباما في جامعة القاهرة في 4 يونيو 2009 استشهادا بأكثر من آية قرآنية كريمة مثل "اتقوا الله وقولوا قولا سديدا"، و "من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا" وغير ذلك، بينما واصل الرئيس أوباما عملياته العسكرية في أفغانستان والعراق وغيرها.

لقد نكل الإخوان بالناس عند قصر الاتحادية وكانوا يصيحون عند الإمساك بمتظاهر "أخذنا أسيرا"! متخيلين بذلك أنهم جند الله في الأرض ! وأنهم يطهرون الأرض من الفساد! لكن الشعب المصري يعرف الإسلام أكثر بكثير مما يعرفه كل أولئك، وهو يعلم تمام العلم أن الإسلام دين محبة وتسامح ولايجوز أن ترتكب كل الجرائم الوحشية تحت شعاره. ولا أظن أن الضمير المصري سينسى تلك المشاهد البربرية التي تبدو وكأنما انتزعت من العصور الوسطى ولا تلك الوجوه التي ضربت حتى تاهت ملامحها.

لقد أخفق الرئيس مرسي بخطابه مرة أخرى حين تكلم طويلا ولم يقل شيئا غير اتهامه للضحايا بأنهم المجرمون. لا يبقى من خطاب الرئيس مرسي في السادس من ديسمبر سوى المزيد من تعميق الأزمة، ولايبقى من سحبه إعلانه الدستوري مع استبقاء آثاره سوى مزيد الزيت يصب على النار، ويترك شعورا غريبا في النفس بأن ثمة انفصالا تاما عن حقائق الواقع السياسي. لقد انتظر الكثيرون خطاب الرئيس لكنه تمخض عن لاشيء. كما حدث في مسرحية "الخطيب" للكاتب المسرحي الفرنسي يوجين يونسكو، وفيها ينيب الزوج خطيبا لتوصيل رسالته إلي الزوجة، لكن حين يصل الخطيب بعد طول انتظار يتضح أنه أطرش وأخرس. المؤسف أن مثل ذلك الخطيب حين ينتقل من المسرح إلي الواقع يصبح الثمن باهظا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى