الأحد ١٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٢
بقلم فاتن رمضان

خالى العزيز شكرا

لم يكن بحقيقة الأمر خالها ، فهو ينتمى لأحد جذورها الممتدة لأمها ... ولم يكن أيضا بحقيقة الأمر اكتشافا مذهلا كم ظنت ، لقد كان صورة كربونية لأشياء بلهاء مكررة بحياتها .

سحقا للملل فهو يحركنا كعرائس مايونت ، وهوالوحيد القادر على هزيمتها فأمامه تفقد إرادتها ... الصيف هذا العام قد تفوق بجدارة ، ومعادلة أولها الملل وآخرها الصيف قد تدفعنا للجنون .

قبل هذا الصيف لم يكن خالها العزيز سوى مجرد علامة استفهام مهملة برأسها شأن كثير من العلامات التى تحتفظ بها فى صندوق الذكريات وتتذكرها من وقت للآخر حين تجد ما يهبها النفخة الأولى فتنهض بداخلها ... وكانت زياراته البعيدة لأمها تلك النفخة التى أخرجت علامة الاستفهام من الصندوق ، وكالعادة كان الأمر ليتحول لذكرى تتوه بدهاليز النسيان لولا أن القدر محجوب ... ففى هذا الصيف تخطت الذكرى حدود الصندوق الأسود وتسربت للنور.

كان ابنها الصغير قد أتم السادسة من عمره وهو بعيد عن أبيه الذى أدمن الترحال فى بلاد الله ... ظل الصغير يسأل عنه سنوات طويلة ولما مل من تكرار الجواب صمت حتى ايقنت أنه تأكد من عدم وجوده أصلا…
أما الحياة فقد كانت تمضى بها شأن كل شئ ؛ سنوات تتفلت من بين أصابعها كالماء فلا هى راضية عنها ولا هى تستطيع الفكاك منها …. نسيت ملامحه تماما وحين بحثت بداخلها لم تجد أى أثر له … مجرد وجع حين تتذكر ورقة وفاته … وكأنه تلاشى أو لم يكن موجودا كما ظن صغيرها .

أتى الخال هذه المرة وقد حمل هدية للصغير .. ذاك الذى ظن أنه خلق بدون أب .. للمرة الأولى ترى وتلمس الفرحة فى عيني طفلها الحبيب .. للمرة الأولى تفرح هى أيضا وتقرر فتح الصندوق .. تقرر أن تقول : " خالى العزيز شكرا "

دخلت على استحياء وألقت بجملتها التى حملتها كجنينها البكر ثم خرجت على عجالة ،لحظات السرور بحياتها ليست كثيرة ورغم ذلك تكتفى بالقليل

لم تكن المرة الأخيرة التى التى ترى خالها فيها قبل مرور أعوام ؛ فقد تكررت زياراته ومحادثاته فى الهاتف لها .. بدأ بالتلميح وسريعا ما وصل للتصريح ، حفظت عباراته عن ظهر قلب وهى العاجزة حتى عن كتابة اسمها ، أما ابنها فكأنه خلق من جديد .

أقل من عام ويأتى الخال يجلس مع الأب والأم ، وحين يخرج يزغرد الجميع .. تقفز دمعة هاربة من عينيها وتسرع بإزالتها وتمسك بيد صغيرها لتدخل ملحمة العرس ..

جميلة هى أختها .. وحانى هو خالها .. مبارك لهما ..
تدخل مرة أخرى على استحياء وتلقى بجملتها التى حملتها كجنينها البكر:" مبارك أختى .. مبارك خالى .... خالى العزيز شكرا


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى