الاثنين ٣١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٢
بقلم رشا السرميطي

ورقة في السَّفر 2012

كلُّ شيء مسرع بهذه الحياة، كنت هنا قبل غفلة، واليوم هناك، وغداً لا أراني أتقن التنبؤ أينما ستحملني قدماي، ولا علم لي بأيّ أرض سأكون. هكذا هيَ الحياة، رحلة تتوقف بنا في محطات العمر. كل الأشياء تركض، بل، تسبقنا، تتحرش في ذاكرتنا المشاهد، وتحاول المساس بذكرياتنا العزيزة، تغازلنا وتغوي رغائبنا بالاعتراف، فهل نرفع رايات التعب ونعلنها: منهكون، أم نعدو بدورنا، ونتعدَّى هذه المرحلة الخطيرة من التَّراجع؟

لا شيء معي سوى شرائط الذكريات الملوِّنة، خصلات الكلام الذي يوشوش تأملاتي، تراني أمشط أسطري وأجدلها، والانتظار عنوان فضفاض بلا أزرار، للحظات التُخمة الفكريَّة التي لا نجد فستاناً على مقاسها، حينما نعيش الحياة بحضرة غائب.

غيم ومطر ورياح شديدة الأمل، في شتاء يجلي حزن الأيام واللَّيالي عن أحراش الأماني الكبيرة، وآبار الأمل التي احتفظت بنقاء الظَّن منذ زمن، وسهول الأحلام لربيع سبق الصُّبح باصرار النَّهار المشرِّع للحريَّة أعلاماً، لقد غرَّد البلبل في أرجاء الدَّار، وفاحت رائحة الزَّعتر، ولا أشهى من زيتون بلادي.

أينكِ يا نفس، وإلى أين نذهب في المشوار؟

ساعة متكرّرة، نعيشها في اليوم أربعة وعشرين مرَّة، أعشاب صغيرة، وأزهار بريَّة رقيقة، والحمام منتشر على أسلاك الأعمدة الكهربائية. أفكار نضرة وأخرى ذابلة، وأعلام فلسطينية، هكذا المشهد في بلدي. حافلة تتوقف؛ وركاب يتناقصون ويتزايدون، ومقاعد خالية. أخيراً، وصلت حيث لا أعرف أين أنا، ومساحة الضيَّاع تتسكَّع فيها نفسي التَّائهة، تبحث عن أحلام الأمس، والحاضر يملؤني إيماناً بالغد.

وداعاً أيَّتها النَّافذة، وإلى لقاء آخر سأكون باشتياق إلى فسحة جديدة، يتجمع فيها قلمي والورق، على مقعدين متجاورين، بلا حافلة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى