الأربعاء ٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٣
ورقة عمل لتدريس المؤلفات
بقلم محمد رشد

المؤلف النقدي نموذجا

توطئة:

إن هذه الورقة المقترحة لا تمثل سوى وجهة نظر خاصة، تستفيد من تراكم تجريبي- دام طويلا- في تدريس المادة، و تتوخى المساهمة في إثارة نقاش حول مادة درس المؤلفات، باعتبارها من أهم مفردات برنامج اللغة العربية.

أربع إشارات لا بد منها:

الإشارة الأولى: أهمية مادة دراسة المؤلفات.

تزداد أهمية مادة دراسة المؤلفات مع ما يعرفه المجتمع العربي عامة و المغربي خاصة من ظلهرة العزوف عن القراءة و كساد سوق الكتاب العربي و بوار الفعل الثقافي في مجتمع أحوج ما يكون إلى القراءة ليتجاوز واقعه الراهن الذي لا يبعث على الافتخار.

من هنا تكتسب مادة دراسة المؤلفات أهميتها القصوى في المدرسة المغربية علَّها تحقن التلاميذ بجرعةِ محبة القراءة، لتتجاوز أجيال الغد واقع اليوم المحبِطِ.

الإشارة الثانية: درس المؤلفات في التوجيهات الرسمية.

1/ الأهداف:

يَعتبِر "منهاج اللغة العربية" أن إدراج درس المؤلفات، مكونا من مكونات وحدة اللغة العربية بالشعبة الأدبية، يُعَدُّ استمرارا لترسيخ أساليب التنشئة القرائية، و مرحلة من خطة تعليمية، تتوخى تحقيق كفاية القراءة بطريقة متدرجة، تراعي أهداف المرحلة التعليمية، و مستوى النمو النفسي و الوجداني للفئة المستهدفة.

و يعتبر المنهاج، درس المؤلفات ضمن هذه الخطة طفرة نوعية و كمية بالقياس إلى المواد القرائية المبرمجة بمرحلتي التعليم الأساسي، و ذلك لتخصصها في تنمية كفاية القراءة باعتبارها عملية نفسية وجدانية تستند إلى نسق مرجعي يوجه عادات اختيار المقروء، و فهمه، و تحليله، و تركيبه، و تذوقه، و تقويمه.

و يرى المنهاج أن المادة تستمد قيمتها التربوية و التعليمية من ضرورة إعداد التلاميذ للاطلاع على كتب غير مدرسية تثبيتا لمعارفهم الأدبية، و توسيعا لمداركهم الثقافية، و تدريبا لهم على الدراسة الذاتية.

2/ المبادئ:

يجملها المنهاج في ستة، هي:

تشجيع بوادر التنافس المعرفي بين التلاميذ، من خلال تعزيز أسس التنشئة القرائية المكتسبة في التعليم الأساسي.

التنسيق القائم على دراسة الأساتذة للمؤلَّف لاكتشاف نظام بنيته، و بؤر تقاطع أجزائه توحيدا لخطة التدريس بينهم.

الحصة الدراسية حلقة وسطى توظف لإتمام نتائج التعلم الذاتي، و تلخيصها ، و تقويمها، و إثارة التساؤلات التي تضمن اتصالا مستمرا للتلميذ بالمؤلف.

التلميذ محور العملية التعليمية- التعلمية،لذا يصعب تحقيق أهداف درس المؤلفات، في غياب قراءة التلاميذ للمؤلف قراءة استكشافية، و مواصلتهم الإعداد لكل حصة من حصص هذا الدرس.

يجب تأخير الإحالة على الدراسات و المراجع الموازية، أو إملاء ملخصات جاهزة، إلى ما بعد إنهاء تدريس المؤلَّف، لكي لا نعيق فاعلية التعلم الذاتي.

يجب إخضاع تدريس المؤلف لتخطيط دقيق يقوم على إحصاء الحصص الدورية، و توزيع المؤلف عليها، مع مراعاة حصة التقديم، و حصتي التركيب و التقويم النهائيين.

الإشارة الثالثة: خصوصية دراسة المؤلف النقدي:

إذا كانت مادتا درس المؤلفات و درس النصوص، تشتركان في كثير من الخصائص، نظرا للعلاقة التكاملية الجامعة بينهما، فإن مادة درس المؤلفات تتميز بجملة خصوصيات نذكر منها:

الارتقاء بالتلاميذ من مستوى التعامل مع المنتخبات الأدبية القصيرة إلى مستوى الدراسة الشمولية لمؤلَّفٍ واحدٍ.

الإطلاع على كتاب نقدي كامل لا تتسع حصة درس النصوص لتدريسه و الإحاطة بمقوماته الفكرية والفنية.

التدرب على أساليب قراءته، و اكتساب مناهج مقاربته و نقده.

تعود التعلم الذاتي، و البحث و المطالعة.

تحسين أساليب التعبير لدى التلاميذ، تأثرا بأساليب المؤلفين و النقاد الذين يدرسون مؤلفاتهم.

الاستعداد للدراسة الجامعية، و التأهل لمواكبة متطلبات البحث الأدبي و النقدي بها.

الإشارة الرابعة: منهجية مقاربة المؤَلَّف النقدي مدرسيا:

1/ خصوصية القراءة المدرسية / الصفية للمؤَلَّفِ النقدي:

تتميز القراءة المدرسية/ الصفية للمؤلفات، بضوابط ديداكتيكية تفرض على الأستاذ، الخضوع لخصوصية الصف، و من تم فهو ملزم بإخضاع تصوره لدراسة المؤلف إلى المتغيرات الصفية التي يمكن أن تواجهه، و منها:

مدى جاهزية التلاميذ للتعامل مع مؤلف نقدي، مما يفرض على الأستاذ اتباع أساليب التقريب و التحبيب، بغية دفع التلاميذ لقراءة المؤلف و التجاوب معه.

اعتماد الأستاذ التبسيط – دون السقوط في التبسيطية – لاستخلاص القضايا الجوهرية ذات الطبيعة التركيبية التي تتطلب نقاشا و بحثا مستفيضا، لإغناء النقاش، بطريقة تجعل جل التلاميذ يساهمون فيه.

مراعاة الحصة الزمنية المخصصة لمفردة درس المؤلفات ضمن برنامج اللغة العربية، و بالتالي إخضاع الدراسة لعنصر الإكراه الزمني، حتى لا يتم إغفال أي عنصر فيها.

2/ طرق تدريس المؤلف النقدي صفيا؟.

يمكن الاختيار بين مجموعة طرق عند تدريس المؤلف النقدي صفيا، و هذا الاختيار لن يكون اعتباطيا، و إنما يخضع لضوابط تمليها خصوصية الفصل، و شخصية الأستاذ، و علاقته بالتلاميذ...، و من هذه الطرق يمكن اقتراح ما يلي:

الطريقة العمودية: و تكون إما نزولا: من الأستاذ إلى التلاميذ. و إما صعودا : من التلاميذ إلى الأستاذ.

الطريقة الأفقيــة:و تتم على شكل عُروضٍ ينجزها التلاميذ بإشراف الأستاذ، و يقدمونها أمام زملائهم،

و يكتفي الأستاذ بدور الموجه و المنشط و المرشد.

الطريقة الدائرية: و تتحقق من خلال مجموعات التلاميذ التي تنجز قراءاتها لما كلفت به، و تتم المناقشة بين المجموعات، على أن تكون المناقشة موضوعية، هادفة، و بناءة، تتوج بخلاصات تصوغها المجموعات، و يقرؤها المقررون.

منهجية مقاربة المؤَلَّف النقدي:

بعد إزالة الحرج المرتبط بخصوصية المادة، و تميز المؤَلَّف النقدي داخلها، يمكن تلمس خطوات منهجية لمقاربة المؤلف النقدي، فنقول: إن مقاربة مؤلف نقدي، في مادة درس المؤلفات، يمكن أن تتم من خلال ثلاث مراحل هي:

المرحلة / القراءة التوجيهية:

و فيها يتم استقراء عتبات المؤَلَّف من مثل: التعيين الجنسي، و العنوان، و اسم المؤلِّف، و صورة الغلاف، و التصدير، و الإهداء، و المقدمة، و مميزات ظهر الغلاف... لما تقدمه هذه العتبات من مشيرات تسعف كثيرا في فهم المؤلَّف و تحليله و تشريحه بطريقة تمكننا من الإحاطة بكل مكوناته النصية و الهامشية.

و يمكن تقديم هذه المرحلة من خلال مجموعة من الأنشطة التي قد تنصب على:

علاقة الأدب بالنقد.

المؤلِّف: السيرة و الإبداع.

قراءة الغلاف: العنوان – اللوحة التشكيلية – التوثيق...

قراءة مقدمة المؤلَّف.

قد يعمد الأستاذ إلى تعيين مجموعات عمل يكلف كل واحدة منها بنشاط من الأنشطة السابقة، مع تجميع المعطيات المحصل عليها و الانطلاق منها، باعتبارها مشيرات خارجية، لصياغة فرضيات لقراءة المؤلَّف. و تقدم الأعمال و تناقش خلال حصتين اثنتين.
المرحلة/ القراءة التحليلية:

و يمكن أن تتم هذه المرحلة من خلال مستويين: وصفي و تأويلي.

المستوى الوصفي:

يرتكز هذا المستوى على : عرض مضامين الكتاب إما مجزأة أو مجملة، بمعنى إما عرض مضامينه فصلا فصلا أو تلخيصه بشكل عام و كلي. ثم فهم مضامين الكتاب دون إسقاط أي إضافة ذاتية عليه أو التسرع في نقده أو تفنيد آراء الكاتب اعتمادا على ما نختزنه من تصورات مسبقة. و انطلاقا من هذا التصور، لا بد من مراعاة الخطوات التالية:

ضبط و تحديد القضايا التي يحملها الكتاب، و مناقشتها بموضوعية و استفاضة.

تعيين الحزمة المفاهيمية في الكتاب ( المفاهيم و المصطلحات النقدية داخل الكتاب) و شرحها و تحليلها لغة و اصطلاحا.

تحديد المنهج النقدي أو المناهج المعتمدة في المؤلَّف، و التعريف به / بها مع ذكر أعلامها، و كشف أسسها النظرية و التطبيقية، و جرد مفاهيمه و مصطلحاته النقدية مع تقديم بعض النماذج النقدية التي تمثلت هذا المنهج/ المناهج.

تبين مدى تمكن الكاتب من تطبيق المنهج النقدي المعتمد، و الوقوف على حدود و قدرات هذا المنهج في الإحاطة بالنصوص : فهما و تفسيرا و تحليلا و تركيبا.

استخلاص المؤثرات و الروافد التي يمكن أن تكو ن قد أثرت في الناقد، و بالتالي تحكمت في الكتاب إن داخليا أو خارجيا.

تقييم المنهج النقدي في المؤلَّف من خلال عرض إيجابياته و تحديد نواقصه و ثغراته.
دراسة البنية العامة للكتاب قصد تبين طبيعة بنائه التأليفي، و تحديد آليات التنظيم اللغوي و الدلالي داخله،و طريقة تصنيف مادته العلمية و النقدية.

المستوى التأويلي:

يتناول هذا المستوى الجوانب المسكوت عنها في المؤلَّف و المرتبطة بالمقاصد و الوظائف المضمرة داخله، و يتم ذلك بقراءة الأبعاد المرجعية و الذاتية التي يمكن أن تكون قد تحكمت في مضامينه، و تتبع سياقاتها النفسية و الأيديولوجية التي تعتبر حوافز دفعت الناقد إلى تأليف المؤلَّفَ. لكل ذلك يتطلب هذا المستوى التركيز على الأبعاد الموضوعية و المنظور الأيديولوجي و الذاتي، و العمل على استخلاص السياق الذاتي النفسي الذي أدى إلى تداعي أفكار الناقد و تناميها، و التركيز على السياق السياسي و الاجتماعي و الثقافي و التاريخي و الأيديولوجي الذي أفرز المؤلَّفَ.

و يمكن أن تنجز هذه القراءة بإحدى الطريقتين: الشمولية أو التجزيئية أو بكلتيهما، و يحبذ اعتماد الطريقتين لما بينهما من تكامل و لما يتيحانه للتلميذ من إمكانية الإلمام بجزئيات المؤلف و كذا النظر إليه في شموليته. فإذا كان المؤلف هو الذي يفرض طريقة التعامل معه، فإننا نقترح دراسة المؤلف النقدي انطلاقا من الطريقة التجزيئية ، التي تفرض قراءة المؤلف مجزَّءاً إلى فصول، نظرا لصعوبة مضامين المؤلف و تفرع القضايا المثارة فيه، وصولا إلى الطريقة الشمولية، التي تستجمع القضايا الجزئية المعالجة سابقا للبحث فيها في كليتها.
المرحلة/ القراءة التركيبية:

يشترط في هذه المرحلة أن تجمع بين الجوانب المضمونية و الفنية و النقدية و المنهجية، و أن يتم التركيز على عملية تركيب الخلاصات و النتائج عبر استعراض ما كتب عن المؤلَّفِ، من قبل صاحبه أو معاصريه أو من جاء بعده من النقاد و الدارسين.
تتحقق هذه القراءة عبر مرحلتين متكاملتين و مترابطتين هما:

تقييم المؤلَّف داخليا: عبر البحث في نسقه الداخلي و مدى انسجامه، بمعنى آخر مدى تحقق انسجام النص و اتساقه، و مدى توفق الناقد في تقديم أفكاره عبر القناة التواصلية اللغوية المعتمدة في المؤلَّفِ.

تقييم المؤلَّف خارجيا: من خلال استحضار ما تأتى الحصول عليه مما كُتِبَ عن المؤلَّفِ، دراسة و تحليلا و نقدا، و البحث عن آراء الدارسين الذين تناولوه، لتقصي آراء المختصين و مقارنتها بما توصل إليه التلاميذ أنفسهم.

بعد كل هذا التجوال في عالم المؤلَّف و ما كتب عنه، لا بد من إبراز قيمة المؤلَّف و ما أضافه إلى الدرس النقدي العربي، و ما الذي يحمله من جديد للنقد العربي، و أية فوائد مرجعية يتضمنها إن تاريخية أو فكرية أو أسلوبية أو أدبية أو جمالية أو منهجية ...

لا بد في هذه القراءة التركيبية من الجمع بين كل مكونات المؤلَّف: المضمونية و الفنية و النقدية و المنهجية، حتى تتكامل النظرة إلية و تتبدى جوانبه جميعها واضحة جلية.

يستحسن في هذه المرحلة، أن يشتغل التلاميذ على المؤلف في مجموعات عمل متكافئة المستوى حتى تعم الفائدة بينهم، و يتكاملوا في إدراكهم للمؤلَّف.

المراجع المعتمدة في هذه الورقة:

منهاج اللغة العربية /مطبعة المعارف الجديدة / الرباط / 1996 د. جميل حمداوي / كيف ندرس مادة المؤلفات (المؤلف النقدي نموذجا)؟

س. يقطين، م. الداهي، ع. الميلود /مقاربات منهجية للنصين النقدي و الروائي/ مكتبة المدارس / الدار البيضاء / 2007.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى