الأربعاء ١٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٣
فراس حج محمد

الثقافة في فلسطين زائدة دودية

أرجوان عاصي

نقلا عن صحيفة العرب العالمية (لندن)، الأربعاء 16/1/201

ولد فراس عمر حج محمد في فلسطين في قرية تلفيت إحدى قرى محافظة نابلس عام 1973، وهو عضو رابطة أدباء بيت المقدس، له مجموعة من الدواوين، منها "أصبحتِ ليلى" و"سنابك خيل التحرير"، إضافة إلى كتب ودراسات نقدية، وبمناسبة تكريمه من طرف الجمعية الدولية للمترجمين العرب والدوليين بوصفه شاعرا متميزا حاولنا التعرف من خلاله على بعض ملامح الفعل الثقافي في فلسطين.

كيف يتجلى حضور الأديب الفلسطيني في الإعلام المحلي، وما هي المخاطر التي تتعلق باللغة العربية وحضورها، ومزاحمة اللغات الأخرى لها وتدني مستوى حضورها لتتراجع ويحل محلها اللغة العامية أو اللغة المطعمة باللغات الأخرى، وخاصة الإنجليزية، حول هذه الأسئلة ينعقد حوارنا مع الكاتب الفلسطيني فراس حج محمد

لماذا الكاتب والأديب الفلسطيني مغيب عبر وسائل الإعلام الفلسطينية وليس له وجود إعلامي كبير مع العلم أن فلسطين بلد فيه أقلام مبدعه لا نسمع بها ولا نراها؟

في الحقيقة تعاني الحياة الثقافية في فلسطين من مشاكل كبيرة وتحكمها الشللية الطاغية، ويسيطر على المنابر الثقافية أسماء محددة، لا يتاح لغيرها أن تظهر أو تبرز لا في الصحفية ولا في التلفاز ولا في أي وسيلة إعلامية أخرى، وأكاد أجزم بأن من يسيطر على الحركة الثقافية في فلسطين يعيش بنفَس الديكتاتورية والقمع الثقافي شأنهم في ذلك شأن من يحكم الحياة السياسية العامة، والعقلية بشكل عام، فنحن إلى الآن لم نعتد على قبول الآخر المحلي، ولم نؤمن بالتنوع الثقافي، الذي تحول فقط إلى شعارات رنانة يستلذ بترجيعها سدنة الثقافة المحلية والعربية، عدا ما ابتليت به حياتنا السياسية من تشرذم انعكس بطبيعة الحال على الواقع الثقافي بكل تأكيد، فصارت النظرة تربصية وقائمة على الشك، هذا في الإطار العام.

على الرغم من ذلك إلا أن هناك مبادرات ثقافية شبابية خاصة وبجهود فردية من أجل الخروج من هذه الشرنقة الخانقة، فصرنا نقرأ لأدباء جدد في المواقع الإلكترونية المتعددة، أو نشاهد إنجازاتهم الثقافية بمقاطع على (اليوتيوب) متقنة نوعا ما، وغيرها من المدونات والمواقع الشخصية، ولكنها بالتأكيد لن تغني عن الحضور الإعلامي الرسمي، الذي يساهم في التعريف بالأديب ومنحه شخصيته الأدبية المعترف بها ضمن سياق ثقافي شامل يحترم الجميع ويرعى الجميع.

أما بالنسبة لعدم اهتمام وسائل الإعلام بالأديب الفلسطيني فهذه بنت لتلك فلا يمكن في ظل وضع ثقافي وسياسي عام متردٍ جدا أن يكون هنالك التفات للأديب الفلسطيني، فالإعلام له أبجدياته وأعماله الذي أغرق نفسه فيها، وبالتأكيد ليس الأدب والأدباء على سلم اهتمامات واضعي السياسة الإعلامية في فلسطين، فأمة لا تحترم المثقف والأديب ليست أمة حية بكل تأكيد.

ناهيك عن أنه في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني حاليا لم تنظر الحكومة إلى الثقافة إلا على أنها زائدة دودية يمكن التخلص منها بكل سهولة، فبجرة قلم توقف البرامج الثقافية ويوقف النشر، وتموت الحياة الثقافية، فقد تقلصت ميزانية وزارة الثقافة، وأوقفوا برنامج النشر على تواضعه أصلا.

فكيف سيكون في ظل هذا الوضع التفات للأديب الفلسطيني، والحكومة تطارد من أجل أمور تعدها أهم وأولى، متناسية أن الثقافة هي الأبقى والأنفع من رغيف الخبز أحيانا؟ وهذا ليس كلاما إعلاميا للتسويق بل إن واقع الأمم والشعوب ينطق بأنه لا حياة لشعب إذا لم تكن الثقافة في سلم الأولويات.

تختلف مجريات الحياة بطبيعتها كي تأخذ الشكل الغربي بنكهة عربية، لنصبح نتاج الغرب لا نتاج العرب، فلغتنا مهددة بالضياع إن لم نستخدمها بشكل يومي، فقد أصبح كل شخص فينا يستخدم حروف إنجليزية معربة (عربيزي) في التواصل اليومي بيننا، ولم نعد نستخدم اللغة العربية بالكامل. فكيف ترى من يستخدم هذه اللغة؟ وما رأيك فيها؟ وكيف نسعى للتقليل من استعمالها؟

كتبتُ وكتب الكثيرون حول هذه الظاهرة، وكنت قد عالجت شيئا من هذه الجوانب في مقال سابق بشكل مفصل حول اللغة العربية واستخدامها، بعنوان: "الأخطار التي تواجه اللغة العربية"، وزيادة على ما جاء في ذلك المقال دعيني أضيف النقاط الآتية:

أولا: لغتنا العربية لن تنقرض بتاتا ولن يصيبها إلا بعض ما يصيب اللغات عادة من سوء التصرف والإهمال، ولكنها سرعان ما تتجاوز محنتها وتعود لألقها، فهي لغة التعليم المدرسي ولغة الدين، ولغة الثقافة، وفي اللغة أصلا قوانين ذاتية تحفظها من الاندثار والضياع، وهذا ليس حكرا على اللغة العربية وحدها، بل هو قانون عام لغويّ تشترك فيه جميع اللغات، وهو قانون حيويّ يخدم اللغة ويجعلها أكثر استيعابا لمتطلبات أهل زمانها، ولذلك فاللغة حياة، يصيبها بعض السقم، ولكنها تخرج وقد توسعت واستوعبت ألفاظا جديدة ومعاني جديدة، تصبح من صلب اللغة ذاتها، وربما نسي أصل تلك المعاني والألفاظ، فمن طبيعة اللغات أن تتداخل بألفاظها وهذا لا يشكل خطرا ألبتة من وجهة نظري، فقد كان موجودا منذ العصر الجاهلي وإلى اليوم، وحتى أن القرآن الكريم يحتوي ألفاظا ليست من الأصل العربي، وقد ألفت في دراسة هذه الظاهرة كتب، ولعل أشهرها كتاب: المعرب والدخيل، وهو كتاب قديم، وكل من تحدث عن فقه اللغة العربية أشار إلى هذه الظاهرة فلماذا الخوف إذن؟

ثانيا: إن اللغة بشكل عام تستمد فوتها من قوة أصحابها وليس العكس، ويكفي للتدليل على ذلك اللغة العبرية، فهي ذات أصول لغوية محدودة جدا إذا ما قورنت بالعربية إلا أنها فرضت نفسها في مجتمعها لأنها معتمدة على قوة نظامها السياسي الداخلي الرافض للأدوات الأجنبية اللغوية وللمظاهر الأجنبية الدخيلة على المجتمع، وعلى الرغم من أن كثيرا من الألفاظ مأخوذة من العربية ومن لغات أخرى، إلا أن لها سمتها الخاص بها والذي يميزها عن غيرها.

ثالثا: علينا يا أستاذة أن نحمل مسؤولية إقرار اللغة واقعا للحكومات وليس للأفراد، فكيف للفرد أن يمجد لغته، وهو يرى رموز بلده من المشاهير في السياسة والفن والثقافة يستخدمون غير العربية ويتبجحون في استخدامها، هنا المشكلة وليس عند الأفراد العاديين، فإذا ما أردنا أن نمنح اللغة حضورها لا بد من أن يعتزّ هؤلاء المتحدثون بلسانها والمحسوبون على ثقافتها، لاسيما وأنها لغة معترف بها دوليا، وهي ضمن اللغات الست العالمية المسموح التحدث بها في المحافل الدولية.

أرجوان عاصي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى