الخميس ٢٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٣
بقلم رشا السرميطي

كأنَّ ما بيننا كانت ورقة!

بريد خاسر

رسالة إلى أشباه الرِّجال، والكلاب الضَّالة، التي تنبح في دجى الليالي، تستجدي الدَّجاجات البريئة في خمِّها، وتستعطف الحبُّ، وما إن تُخدع إحداهنَّ، وتصدِّق أكاذيب، حتى تخرج ملبيَّة العواء بنقنقة، يعضُّ الكلب فيها قلبها، وينتف ريشها، ويلغي أنقى ما فيها، فيقطع العرف بعرف جديد استحدثه الزَّمان، وانتهكت نظافة المكان، كي تفضح أسرار الفراخ، وتكتب الأقلام بريداً خاسراً. حينها، تصير الدَّجاجة المذبوحة كما القطة لعوبة، تغوي الكلاب المارَّة، أو قد تصبح دجاجة عارية بلا ريش ولا شعور يغطيها، مكشوف سترها، ولا ديك أصيل يقترب منها، فباتت عقيمة، لا تبيض سوى القبح، والأسى الشديد.

أكتب إليك أيُّها الذَّكر، بحبر مداده الألم، فيضٌ من سيل وجعي الهرم، أتجرَّع غُصص الحزن، وآهاتي التي غمرت أوراق الرُّوح في تلك الليلة، وحيدة أرتجف بين أعقاب كلماتك الباردة، عندما قرأت رسالتك الأخيرة، لم يبقى لديّ ما أقول في موسم الإنطفاء، تكسَّرت الكلمات، خلف شفاه الصَّمت المطبق على دفات التَّعب، في كتاب أحلامي الميِّتة. أذرف الدَّمع حارّاً، يغلي في بدني، مواسياً جَلد نفسي، يحرق قلبي كشواء مرُّ المذاق، لا يستسيغه جائع للحبِّ !

كأنَّ ما بيننا كانت ورقة! بعنوان الهوان الذي رضيت به على نفسي، يوم تزوجت ذئباً، بعقد عرفيٍّ، لم أعتبره حينها مشنقة نصبتها لروحي! بل، كان مشروعاً لأجل بناء أسرة خياليَّة، لم تخضع لمنطق الحياة، ولم تحكمها قواعد الشَّرع. وما إن رخَّصت جسدي وصرت إليك الحبيبة، أصبحت أمقت الأفول، وتباشيره الخاسرة، يأتيني كل ابتعاد محملاً بالمصائب، ومصابه فيك كان الأقوى! ليت حروبي والزَّمن تنتهي يوماً، وأنعم بالاستقرار. أتراني سأظل أركض خلف دقائق العمر الهارب، وأعدو كفرسان الشَّوق، على مهرة أصيلة، أورثني إيَّاها الفكر، وبعقلي كانت كنزاً متواتراً من الجدِّ العاشر لإخفاقاتي، فأنا التي لا أحني هامتي لغير الله، ذللت نفسي بنفسي. كيف أذود حرصاً على قناعاتي بايماني وعقيدتي التي تركت؟ وكيف أدَّخر دستوراً أنثوياً مكتوباً بعبير الورد، لمن لن تخطئ بعدي؟ بل، كيف أحمي أنوثتها من زيف الواقع وتزويرٍ هدم أحلامي؟!.

لا أدري حقاً، الله وأنت وحدك من يعلم! إن كنت راغباً أن تراني هشّة وضعيفة بين يديك، أستجدي منك النَّظرة في الغياب، وتبقى متخفٍّ بنظارات البعد الأسود، ومواقفك البهلوانيَّة التي صارت تضحكني، ومعطفك الشَّتوي مغلق الأزار، في صيف شديد الحرارة، كذا بات يرغمني على السُّخريَّة من وحشيَّتك.

أيُّها الشَّرس، يا من افترس عذريَّة أحلامي قبل بلوغها، وهتك سرَّ سعادتي، لقد غرَّزت أنياب الخيانه بتفاصيل فكري، دام الشِّتاء طيِّب روى غيابك فابتعدت، وأنا الظَّامئة لدفء حضنك وهجرت، وعذوبة أحاسيسك المزَّيفة لقد كشفت، وخذلتني.. أهكذا أنت؟ أم أنَّك تستمَّد القوَّة من عزيمتي وإصراري! وتنسل من ثباتي أمامك ما يبقيك حيَّاً كلَّما نظرت لي. في العيد، انتظرت منك هديَّة فرح تسعد بها نفسي، وتبعث الحياة في وجداني. لم أتوَّقع أبداً أن تعيِّدني بسياط بوحك ما سلخ لحمي عن عظمي، أوَتسحق تلك الابتسامة الناعمة على شفتي، كأنَّها أعقاب سيجارة ذائبة بين يديك، تنفضها أرضاً، وتتركها رماداً لن يشتعل بتعويذة غرام انتهى!

لم أطمع منك بحقيبة السُّرور كلِّها، ولا إغداق من عطايا الفرح المنبعث من صدرك، وعندما التقيتك في هذه المحطة الخاطئة من عمري، أدركتُ متأخِّرة! لم أتوَّقع بؤس هديَّتي، التي وضعتها على سطر حزين، جمعني وإياك على الورقة الأخيرة منه، ألهذا الحدِّ وصل بك الخذلان والغدر! لتعلم بأنَّ كلماتك جرحت قلبي، وزرعت أشواكها على خدِّي، ليظلَّ الألم ملازماً ذاكرتي في المرآة، والدَّمع يرسم على وجنتيّ لقطة من النَّدم انكشفت بها في حجرك. إن استطعت، أن لا تكون نادماً، فلتكن، وليقل لك نجواك من الدَّاخل: نسيتها.. فأنا الوطن، ومهما اغتربت عنِّي، ستغدو المبعد الذي يحلم بالعودة. لكن، تذَّكر بأنَّك ما عدت تحمل جنسيَّة "رجل" لأسمح لك بعبور جسد أنثويَّتي !

بريد خاسر

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى