الأحد ٣ شباط (فبراير) ٢٠١٣
بقلم محمد مسعد ياقوت

بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي

الناس بعد الثورة المصرية يتحدثون عن نظام برلماني وآخر رئاسي.

وثمة أناسٌ – يُحسبون على التيار العلماني - يزعمون أن الشعب المصري ليس مؤهلاً للنظام البرلماني لما فيه من إطلاق الحرية للشعب في اختيار ممثليه، الأمر الذي سيؤدي إلى وصول الإسلاميين إلى مقاعد كثيرة في المجلس، ومن ثم يكون لهم الحق في تشكيل حكومة.
وهم يطالبون المجلس العسكري الحاكم بتمديد فترة حكمه!

فهم يفضلون أن يحكمهم العسكر، ولا أن يقول الشعب المصري كلمته التي لا تتفق ومصالحهم.

في النظام البرلماني تكون السلطة في يد حكومة الأغلبية في البرلمان المنتخب، ورئيس الدولة له صلاحيات محدودة جدًا، وبذلك يضمن الشعب أن يكون نظام الحكم معبرًا عنه، ويستطيع الشعب إسقاط تلك الحكومة من خلال الانتخاب.

أما النظام الرئاسي، فتكون السلطة في يد رئيس الدولة المنتخب، مع ضرورة الفصل التام بين السلطات الثلاث :
ـ السلطة التشريعية : المتمثلة في مجلسي الشعب والشورى.
ـ والسلطة التفيذية : المتمثلة في الرئيس ووزارته التي يشكلها.
ـ والسلطة القضائية : المتمثلة في المحاكم علي اختلاف أنواعها (جزئية وابتدائية واستئناف ونقض)، والقضاء الإداري (مجلس الدولة)، والمحكمة الدستورية العليا .

لكن من أعظم مزايا النظام البرلماني أنه لا يصنع فرعونًا، ويعطى فرصة كبيرة للشعب في اختيار من يمثله .

والنظام السياسي في الإسلام؛ يكون دومًا مع الشعوب في حرية اختيار أنظمتها السياسية ما دامت قائمة على العدل والشورى، سواء كانت أنظمة رئاسية أو برلمانية أو غيرها من مستحدثات الأنظمة التي تهدف إلى تنظيم الحياة السياسية، فكلها داخلة في المصالح المرسلة .

والدولة في الإسلام؛ الحاكم فيها وكيلٌ عن الأمة، ومسوؤل عن الرعية، يستمد شرعيته من البيعة العامة له من قبل جموع الشعب أو من قبل أهل الحل والعقد ( مجلس النواب) الذين هم ممثلو الشعب ، وأهل الحل والعقد في أعناقهم مسؤوليةُ تقويم الحاكم، فهم يراقبونه، ويحاسبونه، ولهم الحق في عزله، وهم بطانته التي لا تدخر جهدًا في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، بل كان الخليفة المسلم يقر بذلك صراحة.

والمتأمل لخطبة أبي بكر – رضي الله عنه – حين تولى الخلافة يجد إقراره بهذا المبدأ، "إن أحسنتُ فأعينوني، وإن زغت فقوموني". وفي بعض ألفاظ هذه الخطبة : " ، وإنما أنا بشر مثلكم فإن أصبت فاحمدوا الله وإن أخطأت فقوموني، وأن رسول الله كان يُعصم بالوحي".

والحاكم – في الدولة الإسلامية - يقطع نفسه لخدمة الأمة، فهو أجيرها، ولا يجوز له أن ينشغل بمصلحته الخاصة على حساب مصلحة الأمة، فيُمنع من ممارسة التجارة والتربح وهو في هذا المنصب، كما مَنع الصحابةُ أبا بكر من مزوالة التجارة حينما تولى الخلافة، فعن عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ قَالَ : لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِى أَنَّ حِرْفَتِى لَمْ تَكُنْ تَعْجِزُ عَنْ مَئُونَةِ أَهْلِى، وَشُغِلْتُ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ ، فَسَيَأْكُلُ آلُ أَبِى بَكْرٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ [ أي المال العام] وَيَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ".

وإنما يُصرف له راتبه الذي يكفيه ومن يعول بالمعروف، لا أكثر ولا أقل، قال عمر بن الخطاب : "إني أنزلْتُ نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم، إن احْتَجْتُ أخذت منه، فإذا أيسَرت رَدَدْتُه، وإن اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفْتُ ".

وفي قول أبي بكر أنه سَيَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي هذا المال، ما يدل أن الحاكم لا يدخر جهدًا في استثمار المال العام، ويبذل وسعه لتنمية موارد الأمة.

قال ابن الإثير: " وأراد باحْتِرَافِه للمسلمين نَظَرَه في أمورهم ، وتَثْمِير مكاسِبِهم وأرْزاقِهم"
وقد كان أبو بكر – رضي الله عنه – تاجرًا، فلما ولي الخلافة، فرض الصحابةُ له نفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يُستخلف .
فعن حميد بن هلال، قال : لما ولي أبو بكر ، قال أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: افرضوا لخليفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -ما يُغنيه ! قالوا : نعم، بُردَاه إذا أخلقهما وضعهما، وأخذ مثلهما، وظهره إذا سافر، ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يُستخلف، قال أبو بكر : " رضيتُ ".

فهو لم يفرضها لنفسه، إنما فرض له أهل الحل والعقد، ثوبين، ومركبًا، ونفقةً، كل ذلك يشعرك بالسلوك الرقابي على الحاكم، ثم هم لن يدفعوا له الكسوة الجديدة حتى تبلى الأولى، وإنما يوفرون له المركب إذا كان ثمة سفر، ثم إن الراتبَ المالي إنما هو بالقدر الذي يكفيه وأهله وبالقدر الذي يراه الصحابة، وجعلوا من دخله السابق قبل تولي المنصب معيارًا لتحديد راتبه بعد الخلافة، فدخله قبل الخلافة هو نفس دخله بعد الخلافة. إن ذمته المالية مكشوفة وواضحة أمام الأمة، ولو ظهر عليه شيء من الثراء؛ لكشفوا عنه بالمناقيش!

وقد فرضوا له راتبًا محددًا، لا يزيد، فلما أراد الزيادة؛ طلب أن يأذنوا له في ذلك، فأذنوا له في خمسمائه : فعن عمرو بن ميمون عن أبيه، قال لما استخلف أبو بكر جعلوا له ألفين، فقال : زيدوني فإن لي عيالاً، وقد شغلتموني عن التجارة، قال : فزادوه خمسمائة.

وقد رأينا في سير الخلفاء الراشدين، أن الحاكم قد يمثل أمام القاضي، فيأخذ الحقَ منه إن كان ثمة حقٌ عليه.
بل كان الأعرابي يعترض النبيَ – صلى الله عليه وسلم – يسأله من المال، ويشتدُ عليه، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه قَالَ : كُنْتُ أَمْشِى مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِىٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِىٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ مُرْ لِى مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِى عِنْدَكَ . فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ ، فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ.

كل هذا يؤكد لنا أن الحاكم مسؤول أمام رعيته.
وأن مجلس أهل الحل والعقد له من الصلاحيات التي تؤهله لعزل الحاكم.
وأن الفصل بين السلطات مصلحة عظيمة للأمة .
وأن قرار الجماعة خير من قرار الفرد.

وأن الذمة المالية للحاكم واضحة وجلية للرعية، لا يتكسب من ورائهم، ولا يفرض له من العطاء إلا ما أقره مجلس أهل الحل والعقد.
وفي عصرنا كان حكام العرب كما لو كانوا يتسابقون في سرقة الأمة، وتحويل الأموال بكميات مهولة إلى حسابات سرية خارج البلاد.

HYPERLINK "http://www.yakotweb.com/" www.yakotweb.com

من خطبة أبي بكر – رضي الله عنه – حين تولى الخلافة، أخرجها ابن سعد في " الطبقات " (1 / 482)، وعبد الرزاق (11 / 336)، والبزار (1 / 102) والطبراني في " الأوسط " (8 / 267).

أخرجه البخاري (2070)
إسناده صحيح - أخرجه سعيد بن منصور في " تفسيره " (744)، والبيهقي في " الكبرى " (6/354 )، وابن عساكر في " تاريخ دمشق" (65 / 67).

النهاية في غريب الأثر (ج 1 / ص 938)
إسناده صحيح – أخرجه ابن سعد في " الطبقات" (3 / ص 184) عن عفان بن مسلم، قال أخبرنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال به

إسناده صحيح – أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (3 / ص 184)، قال أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال أخبرنا أبو بكر بن عياش عن عمرو بن ميمون عن أبيه

أخرجه البخاري (8597)


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى