الثلاثاء ٥ شباط (فبراير) ٢٠١٣
بقلم محمود سلامة الهايشة

غش العلف

تخرج زكريا في كلية الزراعة، بعد أن تخصَّص في مجال الأعلاف الحيوانية، فتقدم بأوراقه إلى إحدى مصانع تصنيع الأعلاف للعمل، قُبلت أوراقه، استلم دوامه: أسبوعًا صباحيًّا، وآخر مسائيًّا؛ حتى يلم بكافة خلاطات وخطوط إنتاج المصنع، ولتفوقه في التحاليل الكيميائية الحيوية تم نقله إلى معمل المصنع.

وفي يوم من الأيام دخل مخزن فرعي غير أساسي بالمصنع، فوجد كميات هائلة من الأجولة المعدَّة للبيع، فسأل أحد العاملين به:

• هل تم أخذ عينة من هذه الكميات للتحليل؟

فنظر له العامل نظرة المغشي عليه، ثم أشار بيده "لا، لا":

• يا باش مهندس، اذهب من هنا حالاً؛ فهذا المخزن لا يتبع شغلك، ولا تقطع عيشك بيدك.
فظل زكريا يُحملق في هذه الأجولة، وقال في نفسه: "هيَّا اذهب الآن، وإن غدًا لناظره لقريب".

مرَّت عدة أسابيع على تلك الواقعة، وهو يراقب المخزن المشبوه، إلى أن تأكد أن هناك تشغيلات علفية خاصة، لا يتم تحليها أو التأكد من مطابقتها للمواصفات.

فدخل المخزن في غفلة من حراسه، أخذ عدة عينات عشوائية من أكثر من مكان، وطار بها إلى معمله، وبدأ رحلة استكشافه عما بها، فبتقدير نسبة الرماد، ونسبة كلوريد الصوديوم، ونسبة كربونات الكالسيوم - اكتشف إضافة مواد معدنية معدومة القيمة الغذائية: كالتراب والرمل، أو رخيصة الثمن كملح الطعام، ومسحوق الحجر الجيري.

وضع عينة في طبق تحت الميكروسكوب، فوجد ارتفاع نسبة الألياف، فقام بتقديرها كيميائيًّا فتأكد ارتفاع نسبتها، فكتب:

• يقومون بإضافة مواد خشنة فقيرة في قيمتها الغذائية؛ كالسرسة، أو القشور المطحونة.

فرن تليفونه المحمول، فوجده صديقه الذي يعمل في مصنع آخر بنفس المنطقة الصناعية، فتذكر أنه كان بينهم ميعاد، وهو قد نسِيه وتأخر عليه، فرد عليه واعتذر منه؛ لانشغاله بتحليل بعض عينات خامات العلف الواردة للمصنع، والتي يجب التأكد من مطابقتها للمواصفات قبل استلام الكميات المتعاقد عليها كاملة، فسأله صديقه:

• هل فيها عينات مركزات فيتامينات ومركزات عناصر معدنية نادرة؟

• بلى.

• تأكد من عدم زيادة نسبة المادة الحاملة فيها، مما ينجم عنه خفض نسبها عن الحد الأدنى.

• وماذا أفعل؟

• قم بتقدير نسب الفيتامينات أو العناصر المعدنية النادرة في المخلوط.

فشكره بشدة، وكرر اعتذاره، وانتهت المكالمة، فأسرع بالتحليل فاكتشف الغش كذلك في المركزات، فشعر بهبوط في ضغطه، فقام بعمل "فنجان من القهوة المحوَّجة"؛ حتى يضبطه، أعاد قراءة تقريره؛ فقال:

• لم يعد هناك شيء في هذا العلف لم يغش سوى نسبة البروتين الخام.

فهمَّ بتحليل نسبة البروتين الخام، فوجدها مرتفعة، توقف وذهب لصلاة الفجر، وهو راجع مرة أخرى لمعمله، هداه الله إلى أن يقوم بتحليل نسبة المواد الأزوتية غير البروتينية؛ للتأكد من أن نسبة البروتين المرتفعة حقيقية، فطالما هذا العلف مغشوش، "فما الذي يمنع من إضافة مصادر رخيصة أزوتية بديلاً عن المصادر الطبيعية النباتية للبروتين، ولما لا؟ فقد تعلمنا أنه يمكن أن يحل كيلوجرام يوريا محل 12 كجم كسب قطن غير مقشور به 24 % بروتين خام"، بالفعل بتقدير اليوريا في مخلوط العلف اكتشف الغش.

فقرر زكريا ترك المصنع نهائيًّا، بعد أن تقدم للنيابة ببلاغ اتَّهم فيه إدارة المصنع بالغش الصناعي والتجاري!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى