الأربعاء ٦ شباط (فبراير) ٢٠١٣
بقلم حسن توفيق

حمادة المسحول في الزمن المشلول

فجأة أصبح حمادة صابر نجما تليفزيونيا شهيرا، يتردد اسمه في الجلسات والسهرات، وتفرد الجرائداليومية للحديث عما جرى له مقالات تلو مقالات، كما تكتب عنه المواقع الإليكترونية ما تشاء من تعليقات، وهكذا تحول هذا المواطن المصري البسيط من إنسان عادي مثل سواه من ملايين البسطاء الفقراء إلى إنسان يعرفه الجميع في مصر وخارجها، ولم يبق سوى أن يقوم أحد المنتجين السينمائيين بإنتاج فيلم عن مراحل حياته، وما طرأعليها من تحولات، في خضم الثورات والانتفاضات، وما تفرزه من فوضى واضطرابات، ويمكن أن يكون عنوان هذا الفيلم: حمادة المسحول في الزمن المشلول!

لم يتعرض حمادة صابر للإيذاء الجسدي والمعنوي من جانب مجموعة من البلطجية وفقا للمصطلح المصري، أو البلاطجة وفقا للمصطلح اليمني، أو الشبيحة وفقا للمصطلح السوري، وإنما تعرض للسحل ولتجريده من ملابسه ولضربه وركله بالأقدام في مختلف أنحاء جسمه من جانب مجموعة من قوات الشرطة المصرية، أمام قصر الاتحادية في حي مصر الجديدة الراقي بالقاهرة، وقد أتيح للناس أجمعين أن يشاهدوا هذا العمل الوحشي البربري، بعد انتشار مقطع فيديو يسجل ما تعرض له هذا المواطن المصري البسيط، ولم يبق إنسان إلا وتعاطف معه، واستنكر ما تعرض له، لكن أغرب ما في الأمر أن حمادة صابر خلال وجوده بمستشفى الشرطة لتلقي العلاج قام باتهام المتظاهرين بأنهم هم الذين اعتدوا عليه وسحلوه، ثم أنكر هذا الاتهام بعد نقله إلى مستشفى عام، مؤكدا أن أفراد الشرطة هم الذين فعلوا ما فعلوا، وهذا يوضح أنه قد تعرض لضغوط نفسية هائلة، أملت عليه أن يتهم المتظاهرين في البداية، ولما اطمأن إلى أن قضيته أصبحت قضية رأي عام، زال عنه الخوف، فتجرأ وتشجع وقال ما كان يخشى أن يقوله، وإذا كان كثيرون قد تعاطفوا معه تعاطفا حميما في البداية، فإنه فقد تعاطف قسم كبير منهم، لأنه لم يكن شجاعا في سرد الرواية الحقيقية لما تعرض له من إيذاء جسدي ومعنوي!

كنت قد سمعت وقرأت عن السحل بعد قيام ثورة 14 يوليو- تموز1958 في العراق، حيث كان الحزبيون العراقيون – على اختلاف انتماءاتهم يقومون بسحل خصومهم في شوارع بغداد والموصل عندما يتمكنون منهم، وقد كتب بدر شاكر السياب ضد هذه الجرائم البربرية المرعبة، بينما كتب شاعر عراقي آخر من أبناء جيله قصيدة غير إنسانية بالمرة، وفيها يتباهى بسحل الخصوم السياسيين وبما هو أبشع، قائلا: إنا سنصنع من جماجمهم منافض للسجائر!
دفعتني حكاية حمادة المسحول للبحث عن معنى السحل، فتكشفت أمامي عجائب ومفارقات، حين عرفت – على سبيل المثال- أن السحل قرية صغيرة على نهر الفرات تابعة لمحافظة الرقة في سوريا، وحين رجعت إلى المعجم الوسيط- الجزء الثاني عرفت أن السحل هو الثوب الذي لا يبرم غزله، وأن المسحل هو اللجام، وأن المسحول هو الصغير الحقير، كما عرفت أن العين إذا سحلت سحلا وسحولا فهذا معناه أنها صبت الدموع، ويقال سحلت السماء أي صبت الماء، وسحل الحمار سحيلا أي نهق، وسحل فلان القصيدة أي قرأها قراءة متصلة، أما أقرب المعاني فيما يتعلق بموضوع حمادة المسحول فهو: سحل فلان الشيء أي سحقه سحقا

وأعود متحسرا ومفجوعا من رحلة قصيرة داخل معاجمنا اللغوية إلى خوض مؤلم في مستنقعات أوضاعنا العربية، وأقول: كان البسطاء والفقراء يحلمون بأن تتحقق لهم الكرامة الإنسانية، بمجرد أن تنجح الثورات والانتفاضات الشبابة الثورية، فإذا بالأحلام تتحول إلى كوابيس، وإذا بتعليق ساخر وحزين يؤكد أن السحل هو الحل!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى