الخميس ٧ شباط (فبراير) ٢٠١٣
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

المظاهرات والتجمهر والحرية المسئولة

في البداية نقول أن المظاهرة أو المظاهرات في اللغة كما جاء في العين للفراهيدي هى الظَّهِيرُ من الإبِل القويّ الظهر الصَّحِيحُهُ وقد ظَهَر ظَهارةً والظَّهيرُ هو العَوْنُ والمُظاهر هو المُعاونُ وهما يَتَظاهرانِ أي: يَتَعاونان.. وفي الأصطلاح هى: تجمع أو سير عدد من الأشخاص بطريقة سلمية في مكان أو طريق عام أو بالقرب منهما بقصد التعبير عن رأي أو الاحتجاج أو المطالبة بتنفيذ مطالبة معينة.. ولها تسمية أخرى فهي تدعى بالمظاهرات أو المسيرات والمفرد منها مظاهرة أو مسيرة.. والمظاهرة في الاصطلاح القانوني هى النزول إلى الشوارع والتجمع في الأماكن العامة وتسيير الحشود البشرية بغرض المطالبة بحق سياسي وفقًا للقوانين واللوائح المنظمة لها.

لقد كفلت الأديان والشرائع والقوانين والدساتير حرية التعبير للفرد والجماعات وحثت على عدم قطع الطرق أو تدمير وإحراق المرافق والمنشآت الخاصة والعامة أو ترويع الناس ولكن في زماننا هذا عشنا وشاهدنا العجب العجاب حيث التطاول على رجالات الشرطة والقوات المسلحة والقيادات السياسية بل وعلى بعضنا البعض والأمر من ذلك قتل المصري لأخيه المصري ناهيكم عن الجرائم الغريبة على الشخصية المصرية وفي مقالي هذا سوف نعرج على دساتير مصر حتى يعرف كل إنسان ماله وما عليه ففي النصف الثاني من القرن 19 الميلادي كانت أكثر الدول العربية تحت الإحتلال الأجنبي فمصر احتلتها انجلترا عام 1882 م ونذكر للتاريخ أنه في 26 ديسمبر عام 1881 تم أفتتاح مجلس الشورى مما أثار خوف فرنسا وانجلترا من هذه اليقظة الوطنية فقامتا باصدار مذكرة المشتركة في يناير عام 1882 والتي تتضمن اخماد كل ما يربك اطماعهما ولكن الشعب المصري رفضها برغم موافقة الخديوي وفي الخامس من فبراير عام 1882 أختير محمود سامي البارودي لرئاسة الوزارة واحمد عرابي لوزارة الحربية وتم إصدار أول دستور بحكم مصر ومنح عرابي لواء باشا وقد قال أحمد لطفى السيد: ( لعرابى حسنات رضيت عنها الأمة وفرحت بها ورضى الخديوى بها _ توفيق باشا _ والحسنة الكبرى هى الدستور فالدستور المصرى من عمله ومن صنع يده ومن آثار جرأته طلبه عرابى لابوصف أنه عسكرى ثائر ولكن بوصف انه وكيل وكلته الأمة فى ذلك فإن عريضة طلب الدستور كانت ممضاة من وجهاء الأمة ومشايخها فعرابى حقق آمال الأمة بالدستور ولم يرتكب فى ذلك جريمة ولم يسفك دما) وبعد صدور الدستور سعت فرنسا وانحلترا للاطاحة بالوزارة الوطنية واحتلال مصر ففي الخامس عشر من شهر مايو عام 1882 ارسلت فرنسا وانجلترا سفنهما إلى الاسكندرية فاحتج أحمد عرابي وثارت الوزارة فأصدرات فرنسا وانجلتر المذكرة المشتركة في 25 مايو عام 1882 وتضمنت خروج عرابي ورفاقه من مصر واقالة الوزارة فوافق الخديوي ولكن الشعب ثار بسبب موقف الخديوي واقالة الوزارة ولكن سرعان ما اصدر الخديوي قراره بتولي أحمد عرابي وزارة الحربية ثم منحه الوسام المجيدي الاكبر في الرابع من شهر يوليو عام 1882 وفي الحادي عشر من شهر يوليو عام 1882 قام الجنرال سيمور قائد الأسطول الانجليزي بضرب الاسكندرية واستشهد 2000 من المصريين ولذلك قرر أحمد عرابي وجنوده اتخاذ كفر الدوار خطا دفاعيا وفي الخامس من شهر أغسطس عام 1882 هاجمت القوات الانجليزية كفر الدوار ولكن صمد الشعب مع الجنود مما اجبر القوات الانجليزية على العودة للاسكندرية وفي العشرين من اغسطس عام 1882 انزلت انجلترا ويقرب من 30000 جنديا ببورسعيد وفي اليوم التالي تم الاستيلاء على الاسماعيلية فتجمع أحمد عرابي مع 13000 جنديا في التل الكبير وهاجموا مواقع الانجليز وضربوا الكثير منها وقرر أحمد عرابي تكرار الضربة ليلا فأخذ يوسف خنفس خطة عرابي واذاعها لقادة الانجليز وبالتالي انكشفت الخطة وكانت الهزيمة بعد قتال عنيف ثم وصل عرابي إلى القاهرة للدفاع عنها وتقدم بطلب للخديوي توفيق لوقف الحرب فرفض وفي 14 سبتمبر عام 1882 دخلت القوات الانجليزية القاهرة وتم القبض علي أحمد عرابي ورفاقه واحيل للمحاكمة في الثالث من ديسمبر عام 1882 واستمرت محاكمته 15 دقيقة ثم حكمت المحكمة باعدام احمد عرابي مع تجريده ورفاقه من الرتب والاملاك ولكن الخديوي خفض الحكم الي النفي وفي التاسع من شهر يناير عام 1883 وصل الزعيم أحمد عرابي ورفاقه الي منفاهم بسرنديب وفي عام 1914 قامت الحرب العالمية الأولى وصدرت التشريعات والقوانين المقيدة للحريات ففي شهر أكتوبر من نفس العام أصدر الخديوي عباس حلمي الثاني القانون المصري رقم 10 بشأن التجمهر وجاء في مقدمة هذا القانون:( نحن خديو مصر.. بعد الاطلاع على الأمر العالي الصادر في 14 يونية سنة 1883م المشتمل على لائحة ترتيب المحاكم الأهلية ونظرًا لأن الضرورة تقضي بالتعجيل في إيجاد عقوبة للجرائم التي ترتكب بواسطة التجمهر تكون أشد تأثيرًا من الأحكام المعمول بها الآن وبناء على ما عرضه علينا ناظر الحقانية وموافقة رأي مجلس النظار أمرنا بما هو آت: مادة ( 1 ): إذا كان التجمهر المؤلف من خمسة أشخاص على الأقل من شأنه أن يجعل السلم العام في خطر وأمر رجال السلطة المتجمهرين بالتفرق فكل من بلغه الأمر منهم ورفض طاعته أو لم يعمل به يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ستة شهور أو بغرامة لا تتجاوز عشرين جنيهًا مصريًا.

مادة ( 2 ): إذا كان الغرض من التجمهر المؤلف من خمسة أشخاص على الأقل ارتكاب جريمة ما أو منع أو تعطيل تنفيذ القوانين واللوائح أو إذا كان الغرض منه التأثير على السلطات في أعمالها أو حرمان شخص من حرية العمل سواء كان ذلك التأثير أو الحرمان باستعمال التجمهر وهو عالم بالغرض منه أو علم بهذا الغرض ولم يبتعد عنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ستة شهور أو بغرامة لا تتجاوز عشرين جنيهًا مصريًا وتكون العقوبة الحبس الذي لا تزيد مدته عن سنتين أو الغرامة التي لا تتجاوز خمسين جنيهًا مصريًا لمن يكون حاملاً سلاحًا أو آلات من شأنها إحداث الموت إذا استعملت بصفة أسلحة) وفي التاسع عشر من شهر ابريل عام 1923 شهدت مصر نقلة حضارية حيث أصدر الملك فؤاد الأول الدستور المصري الذي اعترف بحق الشعب في إدارة شئون البلاد والسماح بالمظاهرات والمسيرات السلمية وجاء الدستور في 170 مادة ونذكر ماجاء في مقدمته: (نحن ملك مصر.. بما أننا مازلنا منذ تبوأنا عرش أجدادنا وأخذنا على أنفسنا أن نحتفظ بالأمانة التي عهد الله تعالى بها إلينا نتطلب الخير دائمًا لأمتنا بكل ما في وسعنا ونتوخى أن نملك بها السبيل التي نعلم أنها تفضي إلى سعادتها وارتقاءها وتمتعها بما تتمتع به الأمم الحرة المتمدينة ولما كان ذلك لا يتم على الوجه الصحيح إلا إذا كان لها نظام دستوري كأحد الأنظمة الدستورية في العالم وأرقاها تعيش في ظله عيشًا سعيدًا مرضيًا وتتمكن به من السير في طريق الحياة الحرة المطلقة ويكفل لها الاشتراك العلمي في إدارة شئون البلاد والإشراف على وضع قوانينها ومراقبة تنفيذها أمرنا بما هو آت: مادة (1): مصر دولة ذات سيادة وهى حرة مستقلة...ألخ.. أيضا جاء في المادة (20): للمصريين حق الاجتماع في هدوء وسكينة غير حاملين سلاحًا وليس لأحد من رجال البوليس أن يحضر اجتماعهم ولا حاجة بهم إلى إشعاره) وفي الثلاثين من شهر مايو عام 1923 صدر القانون رقم 14 بشأن تقرير الأحكام الخاصة بالاجتماعات العامة وبالمظاهرات في الطرق العمومية وفي مقدمته جاء: نحن ملك مصر..بما أن حق الاجتماع العام لم تعترف به ولم تنظمه القوانين المصرية بعد وبما أنه من الضروري ومن الملائم الاعتراف بهذا الحق وتقرير حدوده وأحكامه لكي يتسنى للأهلين الاشتراك في الحياة العامة في البلاد على وجه هادئ منتظم وبعد الاطلاع على القانون رقم 10 لسنة 1914م بشأن التجمهر وبناء على ما عرضه علينا وزير الداخلية وموافقة رأي مجلس الوزراء رسمنا بما هو آت: الفصل الأول في الاجتماعات العامة (مادة 1):الاجتماعات العامة حرة على الوجه المقرر في هذا القانون.

( مادة 2 ): يجب على من يريد تنظيم اجتماع عام أن يخطر بذلك المحافظة أو المديرية.

( مادة 3): يجب أن يكون الإخطار شاملاً الزمان والمكان المحددين للاجتماع ولبيان موضوعه... ويجب أن يوقع على الإخطار من خمسة أو من اثنين إذا كان الاجتماع انتخابيًا.

( مادة 4 ): يجوز للمحافظ أو المدير أو لسلطة البوليس في المراكز منع الاجتماع إذا رأوا أن من شأنه أن يرتب عليه اضطراب في النظام أو الأمن العام.

( مادة 5 ): لا يجوز عقد الاجتماعات في أماكن العبادة أو في المدارس أو في غيرها من محال الحكومة إلا إذا كانت المحاضرة أو المناقشة التي يعقد الاجتماع لأجلها تتعلق بغاية أو غرض مما خصصت له تلك الأماكن والمحال.

(مادة 6): يجب أن يكون للاجتماع لجنة مؤلفة من رئيس ومن اثنين من الأعضاء على الأقل.

( مادة 7 ): للبوليس دائمًا الحق في حضور الاجتماع لحفظ النظام والأمن ولمنع كل انتهاك لحرمة القانون ويجوز له حل الاجتماع في الأحوال الآتية: إذا لم تؤلف لجنة للاجتماع أو إذا لم تقم اللجنة بوظيفتها وإذا خرج الاجتماع عن الصفة المعينة له في الإخطار وإذا ألقيت في الاجتماع خطب أو حدث صياح وإذا وقعت جرائم أخرى أثناء الاجتماع وإذا وقع اضطراب شديد.
الفصل الثاني: في المظاهرات في الطريق العام حيث أن المادة التاسعة أحالت أحكام المظاهرات إلى أحكام الاجتماعات الواردة في الفصل الأول فيما يناسب المظاهرات وجاء في المادة العاشرة: (لا يترتب على أي نص من نصوص هذا القانون تقييد ما للبوليس من الحق في تفريق كل احتشاد أو تجمهر من شأنه أن يجعل الأمن العام في خطر أو تقييد حقه في تأمين حرية المرور في الطريق والميادين العامة) وفي 22 أكتوبر عام 1930 ألغي دستور 1923 وفي شهر ديسمبر 1935 عاد العمل به حتى شهر ديسمبر 1952 وكان من ثمار ثورة يوليو عام 1952 صدر أول إعلان دستوري في العاشر من شهر ديسمبر من نفس العام وفى العاشر من شهر فبراير عام 1953 صدر إعلان دستوري ثان متضمنا أحكام الدستور المؤقت للحكم خلال فترة الانتقال ثم جاء بعد ذلك دستور مصر في عام 1956 وفي عام 1958 كانت الجمهورية العربية المتحدة نظرا لاتحاد مصر وسوريا وفي شهر مارس اعلن دستور الوحدة الذي استمر حتى 25 مارس 1964 وفي 11 سيتمبر 1971 أعلن دستور مصر الجديد وجاء في المادة 54 (للمواطنين حق الاجتماع الخاص في هدوء غير حاملين سلاحًا ودون حاجة إلى إخطار سابق ولا يجوز لرجال الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة في حدود القانون) وبعد إنعقاد مجلس الشعب يوم 20 أبريل عام 1980 ثم تعديل الدستور في 30 إبريل 1980 وفي عام 2005 عُدِّل الدستور مرة أخرى لينظم اختيار رئيس الجمهورية وفي 26 مارس 2007 جرى استفتاء وبموجبه عُدِّل الدستور مرة أخرى وشملت التعديلات حذف الإشارات إلى النظام الاشتراكي للدولة ووضع الأساس الدستوري لقانون الإرهاب وبعد قيام ثورة 25 يناير 2011 تنحى رئيس الجمهورية (محمد حسني مبارك) وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون مصر تم تشكيل لجنة للقيام ببعض التعديلات الدستورية وتم عرضها للاستفتاء على الشعب في 19 مارس 2011 وبعد موافقة الشعب المصري في الاستفتاء أصدر المجلس الأعلي للقوات المسلحة في يوم 30 مارس 2011 إعلاناً دستوريا من 63 مادة مشتملاً على أغلب التعديلات التي تم اقرارها في الاستفتاء بالإضافة إلي بعض المواد الأخرى وبعد تولى د. محمد مرسي رئاسة الجمهورية وفقا لنتيجة الانتخابات قام بتشكيل لجنة تأسيسية لوضع الدستور وأنتهت من إعداد المشروع النهائي لدستور مصر يوم الجمعة 30 نوفمبر 2012 ثم تم إستفتاء الشعب عليه وفي الفصل الأول الذي جاء بعنوان (المقومات الأساسية) من الباب الأول الذي بعنوان (مقومات الدولة والمجتمع) جاء في المادة الثانية (الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادىء الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع) وفي الفصل الثاني الذي بعنوان ( الحقوق المدنية والسياسية جاء في المادة 50: (للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية غير حاملين سلاحا ويكون ذلك بناء على إخطار ينظمه القانون وحق الاجتماعات الخاصة مكفول دون إخطار ولا يجوز لرجال الأمن حضورها أو التنصت عليها) وفي النهاية نؤكد أن حرية الإنسان تنتهي عند بداية حرية الآخرين وأن التعبير عن الرأي ليس في التطاول والسب والقذف وقذف الحجارة أو في إشعال الحرائق والتدمير والتخريب وإرتكاب الجرائم وترويع المجتمع فالحرية إن لم تكن مسئولة فهى بلطجة وإجرام ولابد من الردع وفقا للقانون والدستور.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى