الأحد ١٠ شباط (فبراير) ٢٠١٣
بقلم فراس حج محمد

في مكتب والدها، سيناريو محتمل

مضت فترة طويلة على ذلك اللقاء الأول، كان لقاء غير موفق بكل المعايير، خرج من مكتب والدها وهو يعرف رأيه. انتظر كثيرا مقابلته، يحدد له موعدا ليزوره لكي يتعرف عليه، هواجس وأفكار وبلبلات كثيرة اشتعلت في مخيلته، كيف سيقابله؟ وهل باستطاعته أن يقنعه؟ استأذن من فتاة مهذبة بسيطة، عرف بعد ذلك أنها تعمل سكرتيرة، دخل مكتبا فخما مجهزا بكل ما يحتاجه رئيس شركة ناجحة ولها سمعتها في السوق، جلس على مقعد أنيق، وكاد يغوص فيه، يتحدثان، وتكون النتيجة انقلاب الأوضاع رأسا على عقب، عرف من لحظتها أنه لم يوافق عليه زوجا لابنته التي يحبها ربما أكثر من بقية إخوتها ذكورا وإناثا، مقابلة لم تستمر أكثر من عشرين دقيقة، كانت كارثية.

تذكر تلك المقابلة التي مضى عليها أكثر من سنة، وبدا له بُداء من فكرة جديدة أن يقابله من جديد دون أن يعرفها بالأمر، فكر مليا بأخطائه الأولى في تلك المقابلة كيف سيتجاوزها، وهل سينجح هذه المرة، تذكر أنه عندما ذهب إليه في المرة الأولى كان رث الثياب، حتى شعره لم يرجله جيدا، ولحيته كثيفة غير مهذبه، تنم هيئته أنه غير مناسب لرجل في مستوى صاحب شركة ناجحة وثري مثل أبيها، وماذا كان لديه من المقومات غير بضع بضاعة لم يكن لأبيها أن يعترف بها، لعله ظن أن هذا القادم إليه ليخطب ابنته يطمع بماله وجاهه، ربما كان معذورا، فهي ابنته وأعز أبنائه عليه.

كيف سيقابله بعد ما تراكم الثلج كثيرا في هذه المدة؟ وبعد ما كان من سوء فهم، وتردٍ في العلاقة بينه وبين تلك الفتاة التي يريدها زوجة له، فكر مرّة أخرى "لعل أباها هذه المرة سيقول له إن ابنتي هي التي لا تريدك، لماذا تأتيني؟ لا داعي للمقابلة إذن". هاجس أفاض كل برودة الكون في أحشائه، وشعر بالبرد يسري في أوصاله، وتجمدت الحياة في أطرافه، "هل يعقل أنها لا تريدني؟" كارثة في نظره لو فاجأته بأنها لم تعد تريده زوجا لها، بعد أن ناضلا معا ليكونا زوجين حبيبين يقهران الظروف.

عزم أمره على أن يزوره، ولكنه لم يعد يعرف مواعيد دوام والدها في مكتبه بعدما ألمّ به من مرض. سألها ذات مرة عن أوضاعه الصحية، فأخبرته أنه بخير، ويداوم في مكتبه كالمعتاد، لم تزد على ذلك وهو لم يسألها أكثر من ذلك، كان سؤالا عاديا في ثنايا الحديث.

استعدّ جيدا، وتهيأ للمقابلة. "بالتأكيد لن يعيد عليّ تلك الأسئلة التي سألني إياها في المقابلة الأولى"، قال وهو يعدل ملابسه على المرآة، ويرش عطرا من قارورة أنيقة أعدها للقائهما، ولكنه لم يستعملها قبل هذه المرة، نظر لنفسه في المرأة. تفحص كل شيء، لحيته الكثيفة لم تعد مبعثرة، غدت أكثر جمالا وأحسن منظرا، وشعره الذي وخطه الشيب قصير ومرجل بعناية، ملابسه من ماركة عالية المستوى، حذاؤه ملمع ومن جلد طبيعي. استعداد كامل فما الذي سينقصه؟

خرج من بيته يسير سيرا وئيدا، ولكنه كان يشعر بعدم ارتياح نفسي، فكر: "هل كل هذه المظاهر الزائفة ستجعل أباها يغير رأيه؟ يا لك من مسكين!". تذكر أنها قالت له اعتراض والدها على هيئته في تلك المقابلة، وكانت مترددة كثيرا وهي تخبره بذلك، لم يكن يعنيها شكله وملابسه، فهي تعرفه منذ مدة، شابا بسيطا مؤدبا متدينا، مخلصا في عمله، وكثيرا ما كانت تسمع مديح الآخرين له، كانت مختلفة بتفكيرها، ولكن القرار الأخير ليس لها.

وقف في منتصف الطريق حائرا مترددا، فكر بالرجوع والعدول عن الفكرة، إنها أشبه بالجنون، عاد إلى منزله، وخلع ملابسه وغسل يديه ووجهه ورأسه جيدا ليزيل أثر ذلك العطر، وضع نفسه في فراشه محاولا إكمال طقوس انتكاساته اليومية متابعا كسله ويأسه، "فلم يعد ممكنا أن تحاول" خاطب نفسه بألم، حاول أن ينام فلم يستطع، تململ في فراشه طويلا، حاول أن يتصل بها، أو يبعث لها برسالة عاجلة، لم يستطع فعل ذلك، مرّ عليه اليوم طويلا مرا وقاسيا، وهو يفكر بتلك المقابلة، متمنيا أن تكون يوما ما سيناريو محتملا!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى