الجمعة ١ آذار (مارس) ٢٠١٣
بقلم عادل عامر

مستقبل الإسلام السياسي

إنَّ مستقبل الحركات الإسلاميَّة موقوف على مدى فاعلية دورها في الحياة السياسية في المرحلة المقبلة، وكيفية تعاملها مع الفصائل السياسية التي تختلف معها في الأفكار والتوجهات والمعتقدات. ولا شكَّ أنَّ هناك جهوداً كبيرة تُبذل لاستشراف مستقبل هذه الحركات في المرحلة المقبلة؛ حيث كتب العديد من الكُتَّاب في هذا الشأن، وعُقدت العديد من المؤتمرات سواء من المتربصين بتلك الحركات، أم من المنصفين والمهتمين بالشأن العام الذين يُحللون الأحداث بحيادية بُغْية الوصول إلى الحق، أو من المهتمين بالعمل الإسلامي. مرَّت الحركات الإسلامية عمومًا عبر تاريخها الطويل بأحداث فاصلة أثَّرت تأثيرًا مباشرًا على مسار تلك الحركات، وأحدثت تحولات جذرية على الصعيدين الداخلي والخارجي لها، وإن كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر من أهم هذه الأحداث التي أثَّرت تأثيرًا مباشرًا وسلبيًا على مسارها، فإنَّ ما تشهده منطقتنا العربيَّة من أحداث وثورات وحراك شعبي كان نتيجته الإطاحة ببعض الأنظمة، وتعد الثورات من أهم الأحداث التي أثَّرت تأثيراً إيجابياً على مسار الحركات الإسلاميَّة وإن لم تظهر نتائجها بعد إلا أنَّها وضعتها على مشارف مرحلة تاريخية جديدة بعد سنوات من القهر والتضييق والمعاناة. سوف تقع نقطة تلاقي الأحزاب المتنافسة في تونس في مركز الدائرة التي يقف على محيطها النموذج الإيراني والسعودي والتركي وسوف يسعى حزب النهضة إلى إثبات جدارته بثقة الناخبين في المؤتمر التأسيسي بالقدرة على التوفيق بين النظرتين العلمانية والإسلامية وليس أمام حزب النهضة طريق آخر ليستمر في حيازة الثقة بطرح هذا النموذج الوسطي لكي يستوعب أطراف السياسة التونسية وهذا الأمر سوف يتكرر في مصر وفي ليبيا وهذا يبين أن التيار الإسلامي هو الناتج الطبيعي لربيع العرب هل يستطيع الإسلاميون فرض ثقافتهم الوسطية على المجتمعات العربية بالرضا الذي يضمن لهم البقاء طويلا في السلطة كما في حالة حزب العدالة التركي أو يميلون إلى النموذج المتشدد الإيراني أو المنغلق السعودي؟وأيضا هل يفوز الإسلاميون في مصر وليبيا بالثقة التي توفرت للتونسيين؟ هذا السؤال تجيب عنه الأشهر القليلة القادمة وهل تنحسر موجة العلمانية التي رمت بالدول العربية في أحضان أمريكا وصداقة إسرائيل؟ هذا ما تتخوف منه أمريكا وإسرائيل...وهل تنجح الثورات العربية في دفع العرب إلى التقدم والنهضة أو إلى الجمود والصراع المذهبي والفتنة الطائفية؟ هذا هو التحدي أمام الإسلاميين بكافة ألوانهم ولقد أحدثت هذه الثورات انقلابًا في كافة موازين القوى في المنطقة، وجعلت الكثيرين يعيدون حساباتهم ونظرتهم إلى الحركات الإسلاميَّة وعلى رأسهم الدول «الاستعماريَّة» التي وجدت أنَّ مخططاتها الرامية لإضعاف تلك الحركات أو القضاء عليها تفشل فشلاً ذريعًا أمام أعينها.

وإنْ عاشت تلك الحركات محنةً عظيمة في ظل الأنظمة المستبدة والظالمة، فالمحنة التي تنتظرها بعد زوال تلك الأنظمة أعظم؛ نظرًا للمسؤولية الملقاة على عاتقها من قبل الشعوب التي ملَّت تلك الأنظمة التي استعبدتها سنوات طوالا. ومن الأهميَّة بمكان أن يكون لدى قيادات العمل الإسلامي القدرة على استشراف المستقبل، والتنبؤ بجميع السيناريوهات المحتملة والاستعداد لكافة هذه السيناريوهات، وحتى لا ندع غيرنا يخطط لنا ويفرض رؤيته وأجندته الخاصة علينا، ويتم توجيه الرأي العام بناء على تلك الرؤية التي في الغالب تسعى لتشويه صورة العمل الإسلامي وصدّ الناس عنه

أن الجماعات الإسلاميَّة في مصر وتونس مثلاً سرعان ما بدأت تعاني أزمات وانفجارات داخلية ورؤى مختلفة عمّا اعتادته، ولاسيما بعد نجاح المتظاهرين الذين يمثلون اتجاهات فكرية وسياسية ودينية مختلفة؛ حيث لم يعد بإمكان الخطاب السياسي الديني التقليدي المطالبة بسلطة الدولة الدينية، وراحت هذه الجماعات تشهد الانقسام تلو الانقسام، بسبب الاصطدام بخطاب الأغلبية السياسي الذي يدعو إلى رفض الدولة الدينية ويدعو إلى الدولة المدنية والعلمانية وسيادة القانون وحقوق الإنسان.

ولكي نفهم مستقبل الحركات الإسلاميَّة في مصر، لابد لنا من استقراء الماضي والاستفادة من تجاربه حتى يكون لدينا القدرة على استشراف المستقبل بدقة ووضوح؛ فمنذ نشوء الحركات الإسلاميَّة في مصر وهي تمثل تحديًا كبيرًا للسلطة الحاكمة منذ عهد الملك فاروق نظرًا لمنظومة المصالح الشخصية المحلية والإقليمية والدولية، وتعاملت معها السلطة الحاكمة - وبدعم من الغرب والشرق - وكأنَّها جزء شاذ وغريب عن جسد الأمَّة، فكانت السجون والمعتقلات والتعذيب والقتل فضلاً عن مصادرة الأموال والممتلكات، والوثائق والشواهد أكثر من أن تُحصى ولم تشهد العلاقة بين الحركات الإسلاميَّة والسلطة الحاكمة أي نوع من الوفاق أو التقارب إلا في فترات بسيطة كان المتحكم فيها والممسك بأطرافها السلطة الحاكمة، وكانت بغرض توظيف هذه الحركات لتحقيق أهداف ومصالح معينة، أو بغرض إحداث نوع من التوازن بين القوى الفكرية والثقافية في المجتمع، ثم لا تلبث تلك السلطة أن تنقلب على تلك الحركات بعد تحقيق مصالحها وأهدافها، يخطئ من يظن أن الحماس يدفعنا لقول ذلك فالنصوص - بعد الصحة - يلزمها صدق الدلالة ومتانة منهج البحث، وهو المنهج الاستنباطي هاهنا، ولولا خشية فهم أننا نتحدث في أمر ديني يعزف عنه الذين يكرهون الدين والذين يسيئهم انتصاره لأفضنا في ذكر الآيات والأحاديث وشرحها لكننا نريد إثبات بعض المعاني هاهنا: ويخطئ من يتصور أن هذا الدين سوف ينهض من تلقاء نفسه دون رجال يحمونه ويذودون عنه أباطيل الحاقدين إذ لم يعد مجديًا أن يجتمع الناس جميعًا يرمون الإسلام عن قوس واحدة ويتداعى الغرب وأذنابهم ممن بين أظهرنا ـ جهلاً ونفاقًا ـ كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها ونرجو لهذا الدين الانتصار على أعدائه ببركة الصلاة والصيام !! وقديمًا علمنا الفاقهون أن الإسلام دين جميل لو كان له من رجال: رجال حين يُمَكن لهم يجاهدون في سيبل ربهم ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ولله عاقبة الأمور، رجال يفعلون ذلك في ضوء هدايات الوحي، ويقظة العقل، ونقاء الفطرة، وإعداد العدة المطلوبة عبر إحياء فروض الكفاية، وتحقيق التخصصات المتعددة، في فروع المعرفة جميعها، وإنضاج الخبرات، والتزود بالطاقات الروحية المحركة، ليتخلص المسلم من العطالة، ويستأنف دوره من جديد، على هدى وبصيرة كما فعل أجداده من قبل. ومع وفاة عبد الناصر ومجيء السادات انقلبت بطريقة ديمقراطية تجاه الحركات الإسلاميَّة بعد أن تنوعت مشاربها وظهرت مسميات جديدة لها وعلى رأسها جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية، والدعوة السلفية المباركة، فسعت السلطة إلى توظيفها سياسياً لمحاصرة الاتجاهات اليسارية والشيوعية التي كانت تمثل تحدياً كبيراً للدولة في هذا الوقت، ففتحت لهم السجون وأخرجتهم من المعتقلات وأطلقت أيديهم وأعطتهم الفرصة ليتحركوا كيفما شاءوا، ثم ما لبثت السلطة أن انقلبت عليهم بعد تحقيق أهدافها مما اضطر فئة منهم - أخطأت الفهم وتعجَّلت الأمور- إلى تصفية السادات واغتياله. وما حدث أيضًا في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي شهد عصره أشد أنواع القمع والتنكيل بأبناء الحركات الإسلاميَّة؛ حيث سعى هذا النظام أيضًا بالتعاون مع بعض القوى الدولية والإقليمية إلى توظيف أبناء هذه الحركات لتحقيق أغراضهم ولاسيما في محاصرة الاتحاد السوفييتي والإجهاز عليه عبر توريطه في أفغانستان، فسمح لهم بالذهاب إلى الجهاد في أفغانستان، ثم ما لبث هذا النظام أن رمى بهم في السجون والمعتقلات بعد تحقيق هذا الهدف فيما عرف بقضية (العائدون من أفغانستان). وبعد هذه السنوات العجاف والعقود الطويلة من آلام المخاض، كان قدر الله الغالب وكانت ثورة 25 يناير التي أدهشت الدنيا بل أدهشت من قاموا بها؛ نجحت الثورة وتغيَّر المشهد المصري العام بكل مكوناته وفي مقدمته الخريطة السياسية حين سقطت كيانات طالما مثلت عبئاً ثقيلاً على الشعب المصري، وظهرت كيانات أخرى ذات قيمة سياسية واجتماعية كان في مقدمتها بالطبع الدعوة السلفيَّة المباركة التي تصدرت المشهد، وفاجأت المراقبين في الداخل والخارج بأنها الحركة الأكثر وجوداً والأكثر تأثيراً في الشارع المصري. حان إذن الوقت للاستفادة من أفكار الماضي، من الواجب على المفكر، السياسي و الفاعل المسلم و العربي بصفة عما أن يتفادى الوقوع في السيناريو المعكوس ، أي في مجتمع تدعي فيه الحركة الإسلامية الوصاية و تنكر فيه القواعد هذا الحق لا لسبب إلا لرفض كل طرف للاعتراف سياسيا بالطرف الآخر. رفض حق الوجود السياسي ! المشروع السياسي الإسلامي نجح في فرض ذاته بطريقة ديمقراطية، إنه بذلك أصبح حزبا سياسيا كباقي الأحزاب و وجبت معاملاته مثلها. الإسلام المسيس تحول من «غش مرحلي» سياسي إلى «حقيقة» شعبية، و لنقلها بكل وضوح الشعب لا يغش، الشعب هو الصواب. و الشعب أختار الإسلام المسيس بغض النظر عن أي مشروع اقتصادي أو ثقافي أو غير ذلك.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى