الخميس ١٤ آذار (مارس) ٢٠١٣
بقلم مريم علي جبة

السياسة .. الاقتصاد.. من أفسد الآخر؟

السياسة تعني: «فن تحقيق الممكن» في إطار الإمكانات المتاحة وفي إطار الواقع الموضوعي وترتبط بها مجموعة من القيم مثل: الذرائعية – الغاية تبرر الوسيلة – المصلحة الراشدة، وهناك اتجاهان في تعريف علم السياسة فهو من جهة علم الدولة أي ذلك العلم الذي يدرس الدولة من حيث مفهومها وتنظيمها ومؤسساتها وتشكيلاتها وممارستها وسياساتها، ومن جهة أخرى فالسياسة هي علم السلطة أي ذاك الذي يدرس السلطة باعتبارها مفهوماً شاملاً يمتد إلى الاجتماعات البشرية كافة فمنذ وجد الإنسان على سطح الأرض والعيش مع الآخرين ضرورة تتطلبها الطبيعة الإنسانية، وهي بدورها تفرض ضرورة وجود علاقات مبنية على أساس التفاوت والاختلاف مما يتطلب وجود حقوق وواجبات والتزامات واختلافات بصدد كل هذه مما يفرض وجود سلطة، فالسلطة وضع اجتماعي وهي علاقة بآخر فالسلطة إذاً هي إحدى مسلمات الطبيعة البشرية يكمن سبب وجودها في شرعيتها من الهدف الذي تشكلت من أجله في المجتمع.

أما الاقتصاد فهو علم يبحث الاستخدامات المتعددة للموارد الاقتصادية لإنتاج السلع وتوزيعها للاستهلاك في الحاضر والمستقبل بين أفراد المجتمع، ويشتمل هذا التعريف ثلاثة عناصر، ويؤكد الباحثون أن الاقتصاد علم شأنه شان بقية العلوم الأخرى وهو علم اجتماعي يهتم بالسلوك الاقتصادي للأفراد أو الفرد كمستهلك أو منتج أو مدخر أو مستثمر.

وإذا عدنا إلى التعريف الخاص بالسياسة على أنها فن تحقيق الممكن، سنجد بالتحليل أن الساسة الأمريكيين تجاوزوا كلمة «فن» واخترقوا كلمة «تحقيق» وتمكنوا من إفساد الاقتصاد بكل أشكاله، وبدلاً من أن يجعلوا الاقتصاد يسير في الاتجاه الصحيح أصروا على تخريب هذا المسار بالتوجه نحو التركيز على ما يتعلق بالحروب والاحتلال وإنفاق النسبة الأكبر من الأموال الطائلة على الأسلحة المدمرة، وخير مثال على ذلك ما قام به الرئيس الأمريكي الذي ضُرب بحذاء عراقي «جورج بوش» فمَن منا لم يكن شاهداً على أهوال الحرب على العراق وما تطلبته من أسلحة وأموال وجنود، ومن خلال النتائج والنية الأمريكية نجدها لا تنشد الطمأنينة والأمان لأي من شعوب العالم حتى للشعب الأمريكي نفسه، فها هي نتائج حروبها في عدد من الدول آخرها العراق جعلت الاقتصاد الأمريكي يخسر أسهمه على نطاق واسع، وكم هو عدد البنوك الأمريكية التي أغلقت نتيجة الأزمة المالية العالمية التي تعرض لها اقتصاد العالم بأسره؟ وكم هي أعداد العمال الأمريكيين الذين خسروا أعمالهم ورواتبهم؟ ولم تقتصر المسألة - كما يعرف الجميع - على أمريكا وحدها في الخسائر بل طالت الأزمة المالية العالمية - ولنقل عنها بإلحاح أنها أزمة اقتصادية عالمية - بلدان العالم بأسره، ما أدى إلى خوف من أن تتكبد هذه البلدان خسائر إضافية، فهُرع العالم بأسره للاهتمام بالأزمة الاقتصادية العالمية، وبدأت الأنظار تتجه يومياً إلى ما ستؤول إليه المرحلة القادمة نتيجة لهذه الأزمة.

الكثير من القادة الذين يهتمون بالشأن الداخلي لبلادهم استطاعوا أن يخلقوا توازناً حقيقياً بين ما آلت إليه الأوضاع بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية وبين العمل على التخفيف من نتائج الأزمة وصولاً إلى تخطي الأزمة بخسائر أقل بكثير من تلك الخسائر التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية.. ويكفي عدد البنوك الأمريكية التي أفلست بسبب الأزمة الذي تجاوز الـ 140 بنكاً فيما لم نسمع عن إفلاسات مشابهة في دول أخرى على الأقل لجهة العدد، دون أن نغفل الكثير من البنوك الأمريكية التي أفلست كانت قائمة على رأس المال العربي.

ولا ندري هل العالم متجه نحو حروب سياسية أم نحو حروب اقتصادية؟ أم أن أحدهما سيكون سبباً للآخر؟.

وإذا كانت القرارات السياسية - ونقصد هنا «الأمريكية» حصراً على اعتبار أنها قرارات عملت على تخريب اقتصاد العالم بأسره - هي السبب الرئيس في تخريب الاقتصاد العالمي، فأي حرب اقتصادية ينتظر العالم في حال قرر الساسة الأمريكيون شن المزيد من الحروب في مناطق تشكل مواردها الطبيعية، ولا سيما الطاقة، فضلاً عن موقعها (الجيوبوليتيكي) عصب العالم؟!

إننا أمام معادلة من الصعوبة بمكان إيجاد حل لها في الوقت الحاضر، السياسة على اعتبارها فن تحقيق الممكن والاقتصاد على اعتبار أنه علم يبحث الاستخدامات المتعددة للموارد الاقتصادية لإنتاج السلع وتوزيعها للاستهلاك في الحاضر والمستقبل بين أفراد المجتمع، ونركز على صعوبة الحل لأن الساسة الأمريكيين كما قلنا تجاوزوا كلمة «فن» واخترقوا كلمة «تحقيق» وتمكنوا من إفساد الاقتصاد بكل أشكاله.. ونؤكد على أننا لسنا أمام معادلة صعبة الحل بل نحن أمام معضلة حقيقية سببها الولايات المتحدة الأمريكية التي تعمل وتصر على تخريب اقتصاد العالم وتجعل الملايين من الرجال والنساء والأطفال يعيشون كل يوم في خوف سواء في أفغانستان أم في العراق أم في مناطق أخرى من العالم، فالإدارة الأمريكية في عهد «جورج بوش» كانت تنفق على حرب العراق شهرياً ما يقارب ثمانية مليارات دولار- دون أن نغفل أيضاً مساهمة المال العربي -بينما كلفت حرب الولايات المتحدة الأمريكية على الإرهاب الخزينة الأمريكية منذ عام 2001 نحو 510 مليارات دولار منها 378 ملياراً من التمويلات التي أقرها الكونغرس لحرب العراق خلال السنوات الأربع الأخيرة، أما حرب أفغانستان فقد كلفت الخزينة الأمريكية نحو 99 مليار دولار مقابل 28 ملياراً صُرفت لتمويل عملية «النسر النبيل» التي تهدف إلى زيادة العمليات العسكرية لحماية الأراضي الأمريكية، وطالب الرئيس الأمريكي «بوش» أثناء توليه سدة الرئاسة تمويلات إضافية للعام 2007 بلغت قيمتها 94.4 مليار دولار و141 ملياراً أخرى لسنة 2008 بغية تمويل الحرب.

ولم تعد المسألة مقتصرة على الأضرار الكبيرة التي تسببت بها إدارة «بوش» للعالم ولاقتصاده، بل هناك أيضاً نشاط العصابات، ونشير هنا إلى عصابات «ريو دي جانيرو» و«لوس أنجلوس» مروراً بالحروب الأهلية في عدد من بلدان العالم حيث يتم استخدام الأسلحة التقليدية في مثل هذه الحروب وصولاً إلى تجارة السلاح على المستوى العالمي والتي تجلب إلى أيدي القتلة تجارة هائلة، من دون خضوعها لأي سيطرة، وبدلاً من العمل على تطوير اقتصاد البلد المنهك بالحروب الأهلية أو المحتَل يسعى المخربون إلى تطوير أعمال العنف والتركيز على تجارة الأسلحة، الأمر الذي يجعل العالم في خطر كبير ليس فيما يتعلق بالوضع السياسي والاقتصادي بل يتعدى ذلك إلى مجالات أخرى.
بالأرقام:

تبلغ قيمة صادرات الأسلحة المرخص بها على المستوى العالمي 21 مليار دولار سنوياً.
هناك 639 مليون قطعة سلاح صغيرة في العالم أي بمعدل قطعة لكل عشرة أشخاص، وأنتجها ما يزيد عن ألف شركة في 98 دولة على الأقل.

تُنتج 8 ملايين قطعة سلاح صغيرة كل عام، وتُنتج 16 مليار وحدة ذخيرة سنوياً أي بمعدل أكثر من رصاصتين لكل رجل وامرأة وطفل على ظهر المعمورة، ونحو 60% من الأسلحة الصغيرة توجد في حوزة مدنيين.

وتشير التقديرات إلى أن ما بين 80 إلى 90% من الأسلحة الصغيرة يبدأ تداولها من خلال العمليات التجارية المرخصة من الدول.

وهناك 300 ألف طفل يشاركون كجنودٍ في الصراعات الدائرة.

في ثلث دول العالم تزيد قيمة نفقات التسلح وإعداد الجيوش عما يُنفق على خدمات الرعاية الصحية.

تنفق دول أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية على الأسلحة قرابة 22 مليار دولار في المتوسط كل عام، ويكفي نصف هذا المبلغ لتوفير التعليم الأساسي لكل فتى وفتاةٍ في هذه البلدان.
تنفق السلفادور ما يزيد عن 4% من إجمالي الدخل القومي على الخدمات الصحية الرامية إلى معالجة آثار العنف.

نصف بلدان العالم تقريباً تُصنف ضمن أقل البلدان من حيث التنمية البشرية، رغم أنها من أكثر البلدان إنفاقاً على الأعباء العسكرية، فعلى سبيل المثال تنفق إريتريا ما يزيد عن 20% من إجمالي الدخل القومي على الأغراض العسكرية.

تبلغ الخسائر الاقتصادية من جراء الحروب في أفريقيا نحو15 مليار دولار سنوياً.
تبلغ قيمة النفقات العسكرية في باكستان نحو ثلث الدخل القومي أو نصفه إذا ما أُضيفت أقساط وفوائد الديون المتعلقة بالأسلحة.

هذه الأرقام بحسب إحصائيات رسمية وردت في الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى