الأحد ٧ نيسان (أبريل) ٢٠١٣
قراءة انطباعية في
بقلم هـيـثـم الـبوسـعـيـدي

رواية بن سولع للكاتب علي المعمري

أثناء قراءة الرواية كنت اتخيل حصن الخندق، ثم أنظر إلى جميع الاتجاهات لأكتشف وطنين: وطن تاريخي ووطن مجزأ.

تتفرد رواية بن سولع بالعزف على أمجاد الوطن التاريخية حيث ترحل بالقارئ إلى جغرافيا الوطن في أزمنة الانقسام والتشتت، وتتطرق إلى سطوة المستعمر البريطاني الذي استباح الأرض والشعب.

تثبت الرواية دور المحتل في السيطرة على مواقع النفط واختلاق صراع الواحات الذي مهد لصراع طويل داخل الأرض العمانية، استمرت أهواله لعقود.

يعرج الروائي علي المعمري على قصة إزاحة الشيخ عبيد بن جمعة الكعبي ونفيه إلى السعودية في خمسينات القرن الماضي، ثم يحكي قصة (سباع بن نطلة) الاسم المتخيل والشخصية المؤثرة في مرحلة حساسة من الصراع، ثم يتطرق إلى فريقين: فريق رابح اختار طريق المهادنة وسياسة المصالح حيث جنى في النهاية السلطة الأسطورية والأموال المتدفقة، وفريق ضعيف أسلم الأمر إلى المستعمر فخسر ما كان يملك.

يتحدث المعمري بالتفصيل عن عفوية بطل الرواية سريدان بن فطيس الحرسوسي القادم من أعماق رمال الصحراء، حيث كشف بأسلوب سردي متناسق بحث الحرسوسي عن الحقيقة والدور الاستعماري الكبير في تقسيم الأراضي وتوزيع الحصص. يمضي الروائي عبر سير الاحداث في اثارة الاستغراب من أسماء بعينها: دين بن ليه، سباع بن نطلة، فلسي العقر...كأنه بذلك يحفزنا للقراءة والبحث عن حقيقة تلك الرموز وإنشاء جسر تواصل بين ضفتي الواقع والخيال.

أما لغة الرواية فقد اتسمت بالبساطة، وتميز البناء السردي بالقدرة على تحليل نفسيات البشر والحفاظ على تماسك الأفكار وترابط النسيج الداخلي للنص، إضافة إلى سلاسة تصوير المواقف وسهولة الانتقال عبر فضاءات متباينة.

لكن البطل تفرع في وصف أمور جانبية كالاسهاب في تعريف الثقافة الشيرازية، ورغم اكتناز الرواية بالمغامرات الجنسية التي صيغت بشكل فضائحي حيث تكررت عبارة (نمارس الجنس) وهذا قلما نجده في النمط السائد لكنها على الجانب الآخر دللت على اندماج الشخصية في الحياة الغربية وانقسام نوازعها الذاتية بين ثلاث نساء ذوات تجارب متعددة.

فالرواية صورت هروب بدوي من اعراف مجتمعه وتحطيمه للثقافة التقليدية، واتصافه بقناعات غاية في الانهزامية ففي كثير من المواقف يتفنن بشرب الخمر ومعاقرة النساء بينما يمتنع عن أكل لحم الخنزير لأنه محرم في الإسلام في مشهد آخر. وتنقسم حياة البدوي إلى حياتين: حياة الإنحراف الخلقي وحياة البحث التاريخي، حيث لم تجتهد السارد في إيجاد حيوات بديلة تشغل مساحات آخرى من تفكير البطل وجهده وطاقته في مدينة الضباب.

يكمل السارد اختراق التابو السياسي ليقدم كمية من المعلومات والحقائق على صيغة حوادث مر عليها الزمن واستقرت في بطون الكتب، حيث كانت الصفحة 145 بداية حملت معها الكثير من أسرار التاريخ وخفايا الواحات. وعلى مشارف نهاية البحث اكتشف سريدان الفرق البارز بين خرائط الماضي وخرائط الواقع حينما هم بزيارة المكان والتنقل بين مساحاته.

وللأسف لم يقتنع سريدان بالبقاء في الوطن التاريخي رغم أن النهضة الحديثة بقيادة السلطان الجديد في بدايات عهدها، لأنه اعتقد بتمكن الأجانب والمرتزقة وأصحاب الأهواء الشخصية من مفاصل الدولة وذهاب الأمور إلى طرق مسدودة، هنا ينجح في ربط الهروب الكبير من الوطن خشية انكسار الاحلام وبين هروب بن سولع من الصحراء إلى مواطن مجهولة خشية الانقراض.
وبفراسة يستشرف سريدان مستقبل عمان وهو لا يزال في عام 1979، حيث يَلمح إلى التجاوزات والأخطاء التي ستؤدي إلى ربيع عماني أخضر بقيادة شباب ساخط ومتعطش للتغيير.

أخيرا وفق علي المعمري في انتقاء العنوان، ولعب على فكرة اكتشاف الذات العمانية وتسليط الضوء على مواضع الضعف ومواطن القوة في هويتنا، وعالج قضية التاريخ المغيب حيث قدم لنا تاريخنا برؤية جديدة رغم احتواء الرواية على حشد من الهفوات التي قادت إلى الاقتراب تارة والابتعاد تارة عن المحور الرئيس للرواية.

لكن بن سولع ستمهد الطريق لظهور روايات آخرى ذات طابع جديد وقالب مختلف عما تعودنا عليه وستفتح شهية الكتاب لقرع أبواب مغلقة على جميع الصعد الإنسانية والتاريخية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى