الخميس ٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٣
عندما يموت الكلب في امريكا..
بقلم وليد رباح

وعندما يموت الانسان في الوطن العربي

حدثتني احداهن ودموعها على خدها الوردي قالت:

فليرحمه الله.. كان سلوتي في وحدتي.. يهاجر معي حيث اهاجر.. ويقيم حيث اقيم.. احادثه ليلا فيهز رأسه موافقا.. ولم يعارضني في شىء فعلته سواء اعجبه ام لم يعجبه.. كنت القمه الطعام من يدي فيبتسم لي ابتسامة رائعة مثل فصل الربيع وليس كما هو ربيع العرب.. واسقيه الماء القراح من كأسي ويهز رأسه كأنما يشكرني.. واخيرا مات.. مات دون علة واضحة او مرض معين.. وضع رأسه على المخدة ولكنه لم يستفق كعادته في كل صباح.. ناديت ولكنه لم يجب.. حركت رأسه بيدي فاذا برأسه مثل تفاحة سقطت من شجره.. صرخت وبكيت..

قلت لها : هل كان ابنك او زوجا لك.. قالت وهي تبكي.. انه كلبي يا رجل.. فانا وحيدة لم اتزوج ولم انجب ولم يكن لي احد في هذه الدنيا سوى (ماكس).. ان اربعينيته بعد اسبوع.. وسأحتفل بها على طريقتي..

ولما كانت المرأة عربية مثقفة.. فقد ذهلت للوهلة الاولى.. ولكني تماسكت وابتسمت فقالت : أتهزأ بالموت.. جئت كي تواسيني فاذا بك تبتسم.. قلت.. ابتسمت يا سيدتي لاني اعرف انه في جنة الخلد.. ولن يذهب الى النار ابدا طالما كان بين يديك ومطيعا لك.. قالت : انه فعلا في الجنة ولقد رأيته في منامي بين الاشجار والخضرة والماء.. ولقد ذهبت الى قبره البارحه وترحمت عليه فاذا به يحادثني كأنما كان حيا..

قلت لها:

يا سيدتي.. هل كانت هناك مراسيم دفن (لماكس) قالت:

ساحدثك منذ البدايه.. فقد قال لي بعض الجيران لفيه في قطعة قماش والقيه في القمامه.. فصرخت في وجه من قالوا.. وكان جار لنا عاقل قال : اتصلي بهذا الرقم.. فسيهتمون بالامر..
ناولني رقم الهاتف فاتصلت فاذا بسيدة تجيبني.. كنت ابكي فقالت: لم البكاء يا سيدتي.. قلت.. لقد نفق كلبي.. وانا ابكيه.. قالت السيده.. فيرحمه الرب.. هل استطيع مساعدتك.. قلت: نعم.. اريد دفنه على الطريقة الامريكية.. قالت: ساساعدك في هذا الامر.. ولكن هناك اتعاب يجب دفعها مقدما.. قلت: ما هي المصاريف: قالت : تدفعتين خمسة وثلاثين دولارا ثمنا للجنازة والدفن.. واذا ما شئت حرقه فستدفعين ثمن رماده خمسة وثلاثين اخرى.. عوضا عن خمسين دولارا ثمن مشوار عربة الدفن من بيتك الى مقبرة الحيوانات. قلت: ان الحرق في الاسلام حرام.. اجابت السيدة: اني احترم دينك يا سيدتي.. لذا فاننا سندفنه فقط : قلت على الخير والبركه.. سكتت السيدة فقلت:

وماذا بعد:

قالت: جاءت الى بيتي سيارة حديثة سوداء يسوقها رجل يلبس السواد.. صعد الى مكان سكني ولف الكلب بقطعة قماش بيضاء نظيفة وحمله بين ذراعيه.. وقال: هل تريدين يا سيدتي حضور مراسم الدفن.. قلت نعم.. قال: اذن اصعدي الى سيارتي وساوصلك الى مستشفى الحيوانات وهناك سوف يهتمون بامره.. وصعدت الى سيارته واخذت اذرف الدموع والسائق يخفف عني حتى وصلنا الى مستشفى الحيوانات.. فاذا باستقبالي ثلة ممن يعملون في المستشفى.. وقد احضروا سريرا صغيرا يتسع لجثة ماكس.. وضعوه على السرير واخذوا يمسحون دموعهم بمناديل كانت في ايديهم..

ولن اطيل عليك.. تم نقل الجثة الى المقبره.. واعطوني رقما قالوا لي تستطيعين زيارته وقتما شئت.. وهذا رقم قبره.. وهكذا تراني حزينة وباكية.. وقد جئت اليك لعلمي عما سمعته عنك انك تفعل الخير وتواسي الناس بموتاهم.. قلت لها.. الناس يا سيدتي وليس الكلاب.. فانا احبها ولكني لا احب تربيتها في المنازل.. قالت: اذن فانت جاهل: قلت لها.. نعم يا سيدتي انا جاهل.. فباستطاعتك ان تخلعي حذاءك ثم تضربيني على رأسي.. لاني لا احب الكلاب.. وهكذا غادرت المرأة غاضبه.!!!

ما ان غادرت السيدة حتى انفردت بنفسي افكر فيما قالته.. ووجدت عقلي يسبقني الى من يموتون نتيجة ما يسمونها بالثورات او الربيع العربي او سمها كما شئت..

فاذا بجثث الاموات والقتلى ممن يسمونهم بالشهداء قد انفردت في ذاكرتي... رأيت مئات القتلى يدفنون في قبر بالجملة دون ان يعرف اقاربهم او اهاليهم او اصدقاءهم لماذا ماتوا.. ومن هو قاتلهم.. ورأيت الجثث تفتح وينتزع قلبها ويلوكه القاتل.. ورأيت من تربط اياديهم خلف ظهورهم وتطلق النار على رؤوسهم.. رأيت الجثث تتطاير نتيجة تفخيخ السيارات لاناس يذهبون الى اعمالهم فيموتون بالجملة فلا تعرف هذه القطعة لمن.. وتلك القطعة لمن.. ثم تأتي جرافة لتحمل الجثث لتدفن في مكان مجهول.. واذا تعطف اولي الامر فانهم يكتبون اسماء القتلى (بعد اخذ بياناتهم من اهاليهم) على حجر بقلم عريض يمحوه المطر.. رأيت الصواريخ تطلق على المدنيين فيقع بيت هذا ويدمر بيت ذاك فاذا بالناس تحت الانقاض.. رأيت الطائرات تقصف.. والبراميل تنتزع الارواح.. ووكل ذلك يجري باسم الاسلام حينا وباسم الحرية حينا آخر.. مع ان الاسلام ممن يفعلون ذلك برىء منهم.. والحرية ايضا مثل تلك..

انها المناصب يا سيدي ويا سيدتي.. الناس يموتون وكلا الاطراف المتنفذة تقف متفرجة.. فالموت بعيد عنهم.. والناس تبذبح بقلوب بارده..

ورأيت نفسي اقارن بين الكلب الامريكي والانسان العربي.. فامريكا دفنت الاف الموتى تحت قنابلها في العراق وافغانستان وتستخدم طائرات دون طيار لقتل الناس بالجمله.. ولكنها تحترم كلابها.. الا يجدر بنا نحن العرب ان نحترم الانسان في موته.. افبعد هذا الحديث حديث آخر.. اعلموني يرحمكم الله.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى