الأربعاء ١٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٣
بقلم فاروق مواسي

عن أصحاب المهن

كان شعراء النقائض يعيبون بعضهم بعضًا بأنهم يحترفون المهن، وأن "القَـيْـن " أو الصانع سبَّة في عُرفهم.

ونحن اليوم لا نقرّهم على مفاهيمهم، إيمانًا منا بقوى الإنتاج والبناء.

مع ذلك يبدو أن بعض أصحاب المهن يبدون وكأنهم يدفعوننا إلى تصديق ما نحاول أن نجافيهم عنه، فإذا جربت واحتجت بعضهم لخدمة ما أيقنت بالعناء والعنت نتيجة خلف الوعد والمماطلة المتواصلة والكذب الأشر، وسترى كيف يتنكر الصانع لما كان قد وعد، وكيف سينسى ما أوصيته به مرارًا وتكرارًا، وكيف سيتباكى – بعد أن قبض أجره مسبقًا– بدعوى أنه مدين وفقير، ولايملك شروى نقير.
وأنت تارة تتوجه إليه شخصيًا، وطورًا تتصل هاتفيًا، بينما هو يكلح وجهه لا يحفل بمن يقرع بيته من وسائط. فيعلم أهله الكذب حين يخبرون أنه ليس في الدار أصلاً، وبعضهم تبلغ به القِحة، فيقابلك متحديًا بوجه كالصفيح، وبالطبع فهذا التصرف لا يكون إطلاقًا إذا كنت من أصحاب (القوة البدنية) أو ( الهيبة العائلية). عندها سيقسم لك الإيمان المغلظة أنه سيكمل غدًا، وأن سبب التأخير هو كذا وكذا، و (حِلمك علي).

نحن لا يروق لنا هؤلاء الذين لا ينظمون أعمالهم، يقبضون ويقبضون ولا يؤدون لقاء ما حصلوا عليه. تختلط عليهم الأعمال كما تختلط أوراق الضرائب، وهم في دوامة لا يخطون خطوة عملية. وبدلا من أن تكون "الحرفة أمان من الفقر" – كما قالت العرب – فقد أصبحت الحرفة لديهم سببًا للفقر وللدجل والاحتيال، والهم عليهم وعلى زبائنهم.

إني لأتساءل كثيرًا: إذا كان أصحاب المهن يؤلفون نسبة عالية في مجتمعنا، وإذا كان أكثرهم ليسوا مستقيمين ولا أمناء، فنحن- إذن - لسنا –بالضرورة- مجتمعًا صالحًا خيرًا، ويجب أن نعيد النظر في أنفسنا.

ذلك لأني مؤمن أن الوطنية لا تتجزأ، تبدأ من إخلاصك وتفانيك في عملك، حتى تنتهي بالتضحية الحقة.

من جهة أخرى يروق لي صاحب المهنة الذي لا يبدأ العمل إلا بعد أن يعدك بتاريخ محدد، ويصف لك خطة العمل، ويحدد ما هو مطلوب منك، وما سيفعله هو.

يروق لي ذلك الذي يفضل أن يدون اتفاق العمل حتى يتقيد به، تمامًا كما يفعل الحضاريون، حتى يحول دون أي خلاف في المستقبل.

يروق لي ذلك الماهر الدقيق في صنعته، ذلك الذي يضيف إلى خبرته خبرة غيره، فيتعلم بذوق، مخلص في كل حركة، وفي حركته بركة. فإذا أنهى واجبه أخذ يقلب ناظريه ليبحث عن ثغره يلم شعثها، وكأني به يحس ويتمثل أن العمل له، وهو خاصّته تمامًا.

إنه ذلك الصانع الذي عرف معنى الحديث الشريف:

"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه".

وهو ذلك الصانع الذي عرف معنى قول علي كرم الله وجهه:

"قيمة كل امرىء ما يحسنه".

وهو ذلك الصانع الذي يستحق إعجاب الخليفة عمر عندما قال:

" أرى الرجل فيعجبني، فإذا قيل لا صنعة له سقط من عيني".

وما أصدق المثل الشعبي:

" الصنعة إن ما أغنت سترت".

فهل يعتمد أصحاب المهن الذكر الحسن والصيت والستر قبل كل محسوب؟

وهل نتخلص من دوار الرأس بسبب انعدام الثقة ببعض الصانعين؟

وهل ينهي المهنيّ مهنته نهاية الرضا مع من كلفه، وينظّف تمامًا البقايا وما خلّـفه، والإنجليز يسمون ذلك finish? فهل يعرف صاحبنا معنى هذه الكلمة لفظًا ومعنى؟
أم قبضنا وخلاص!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى