السبت ٧ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٣
بقلم عبد الزهرة شباري

بائعة السمك

تلتحف بعباءتها السوداء الممزقة وعودها النحيف، تناهز الستين من العمر، تحمل فوق رأسها قفة سوداء طليت جوانبها بالقار، في طريق ترابي طويل تحفه الأشواك من جانبيه، حافية الأقدام ذاهبة إلى القرية المجاورة لقريتها بين حقول المزارع، تتمتم بكلام غير مفهوم، تولول تارة وتبكي أخرى، ثم تندب حضها متعثرة بأذيالها التي تسح وراءها بعض الأشواك اليابسة!
تجلس على حافة ساقية ركد الماء فيها، تغسل وجهها ببعض منه، تقضي يومها المكدود هناك راجعة تحمل السمك لتبيعه على جيرانها الذين عرفوها بهذه المهنة، في قرية تراءت لها مثل شبح من بعيد، يغطي بصرها السراب الذي يراه الظمآن مثل ماء يغطي وجه الأرض، ذاهلة يسيطر الخوف على حواسها تكلم نفسها (أهو خليف شيجيبه هنا)!!

وتكررها مرات مع نفسها تعتريها رجفة خوف منه وتقول: شيطان مارد ما تلمه أرض ولا سماء ولا يخوفه أي شيء، بلا إن الأشياء تخاف منه إذا ظهر عليها.

وهي في هذا الإمعان من التفكير المرتبك إذ ْ ترى غبرة من بعيد وتسمع صوته مثل حيوان هائج، يصعق بصوته الأجش الذي تردده الصحراء والرياح فيها!

أين تذهبين اليوم مني ألم أقل لك لا تخرجين؟

وهي تردد كلماتها المتعثرة: أمك... أمك خليف لا تفعلها وهي ترتعش مثل سعفة في مهب الريح، لكنه لا يعي لكلامها، وكيف يعي من فقد عقله وسكن البراري والقفار يأكل مما يحصل عليه هناك!

يضربها بعنف ولا رحمة، تسقط على الأرض وتسقط قفتها ويتناثر السمك هنا وهناك، يمسك واحدة منه، يكلمها: الكل هذا تذهبين كل يوم في هذا الطريق الموحش لوحدك أيتها الفانية؟
يضحك مجلجلاً بصوته الأجش، يلقي ما بيده، يكتف أمه بمنديلها وعصابة رأسها لتظهر خصلات شعرها الأبيض يلعب بها لريح، تأن وهي ملقاة على حافة النهر تبدو كعباءتها السوداء!
تحس أحدا يقترب منها تحرك نفسها وتسقط في النهر، تصرخ بصوتها الضعيف وتقول لا تقترب مني ودعني أموت هنا أيها الغريب؟

يسرع إليها ويخرجها من النهر وهي ترتجف من البرد، يحل كتافها وهي تتمتم أنه خليف فعلها بي، يضحك ويلم ما تبعثر من السمك ويحملها على دابة كانت معه إلى بيتها الطيني في قريتها المجاورة!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى