الاثنين ٣٠ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٣
لمحة نقدية
بقلم فراس حج محمد

ما يحتاجه كتاب القصة القصيرة جدا

قد يظنّ البعض أن كتابة القصة القصيرة جدا (القصة الومضة) سهلة ميسرة، وربما لا يدري أنها من أعقد فنون السرد المعاصرة نظرا لما تحتاجه من دقة ولماحية وذكاء في اقتناص المشهد الذي سيتحول إلى نصّ تتأرجح فيه الأفكار وتتراكص على أكثر من وتر، وتثير في الكاتب قبل المتلقي كل المخزون المعرفي ليكون على شكل نصّ صادم مدهش يتمتع بالصدمة الإبداعية التي تهزّ المتلقي، وتجعله يعيد القراءة مرات ومرات، وفي كلّ مرّة ثمة خيال من فكرة تتراءى بين السطور.

وتذكّر الـ(ق ق ج) بفنون عربية قديمة من أشهرها توقيعات الخلفاء والأمراء والقادة، على الكتب والمراسلات التي كانت تأتيهم، فكانت تعليقاتهم على تلك الكتب ذات نمط خاص ومدهش وصادم وذكي، يعتمد على الذكاء والخبرة والمعرفة، والأهم من كل ذلك أنها وليدة الحاجة الملحة، فتعاضدت كل الظروف لولادة هذا النوع من الأدب، فليس المجال مجال سرد مطوّل وشرح، وإنما قول فصل مختصر يدل على المطلوب ليتم الالتزام والتنفيذ، لا سيما وأنه قد صدر عن أعلى سلطة تنفيذية مخولة بالمتابعة.

وفن الومضة ليس مقصورا على السرد القصصي، بل إنه وجد في الشعر، وفي الفلسفة، وقد كتب كثير من شعراء الأدب العربي والعالمي كثيرا من الأشعار المكثفة السريعة التي لا تتعدى أحيانا بضع كلمات، كان لها وقع الوخزة في نفس قارئها فتحدث عنده الهزة والنشوة والتأثير المطلوب، وقد كتب كذلك الفلاسفة المعاصرون كثيرا من أفكارهم باستخدم فن الشذرة أو ما يمكن تسميته (الومضة الفكرية)، وخاصة في سن متأخرة من أعمارهم، فهذا الفن هو فن الحكمة، وينفر من الثرثرة الزائدة. وفي هذا المجال علينا أن نتذكر قصار السور القرآنية، إذن المسألة وليدة حاجة إبداعية يجب علينا أن نتدبرها جيدا ونستفيد منها.

وهذا الواقع يشبه إلى حد ما الظروف الحالية، فالجميع في عصر السرعة، وكثيرا ما تعرضتُ شخصيا لانتقاد بعض القراء على الفيس بوك بسبب بعض النصوص الطويلة، راجين مني مثلا عرض زبدة الموضوع وكفى، دون الحاجة (للمطمطة) والتطويل، فالقارئ ليس غبيا، حتى نشرح له كل شيء. وقد أتاح الفيس بوك فرصة عرض الأفكار الكثيرة من متابعين وأصدقاء كثيرين، ولذلك وجب التكثيف والتركيز، حتى نقرأ بعضنا ونتحاور إن شئنا بعد ذلك، وأصبح فن الاختصار مهمة إنسانية بامتياز ومطلبا ثقافيا ضروريا، ولكن من يستطيعه قلة قليلة، وهذا يذكر بالطرفة القديمة، فعندما طلب من أحدهم أن يختصر في كلامه، فكان الجواب "ليس عندي وقت"، إن هذا الجواب له ما له من دلالات وسياقات تبين أهمية الإيجاز وصعوبته أحيانا كثيرة.
والآن ما الذي يحتاجه كاتب الومضة ليقدم ومضة قصصية ذات مغزى ولها التأثير القوي، وتتمتع بكل المقومات الفنية؟ إنها تحتاج إلى التأني والخبرة، وحسن التقاط المشهد الغني بالتأويل والتفسير الذي يفرض الشك لعدم قبوله اليقين التأويلي المعرفي مع تحقق كل عناصر القصّ الرئيسية، ولا بد من أن يكون في القصة القصيرة جدا ثلاثة عناصر رئيسية لا يجوز أن تغيب في أي ومضة أو قصة قصيرة جدا، وهذه هي: أولا وثانيا الحدث المصوغ بلغة عالية التوتر والحساسية، وثالثا الشخصيات، ويمكن أن يكون شخصية واحدة فقط، يمكن أن يمثلها الكاتب نفسه، ولا بد من أن يشارك القارئ بجزء من النص يفسره حسب وجهة نظره ومخزونه المعرفي، وضرورة تجنب اليقين القاطع في النص، لأنه يصبح فكرة وفرمانا وسلطة معرفية مغلقة، وهذا يبعد النص عن أن يكون قصة قصيرة جدا، ويفقدها مبرر حياتها وحيويتها!


مشاركة منتدى

  • انا اشكره على القصه الجميله

  • انا لوعندي قصة حلوةوخقة لاكتبها بس ما فيش

  • بسم الله الرخمن الرحيم : - السلام عليكم

    بسم الله الرحمن الرحيم : سلام عليكم ..

    قارئة من العامة .. من ليبيا ..
    يقال أن الكتابة معاناة !. والكاتب الصادق يغمي ريشته بمداد الحياة ليرسم الآمل المونق المخضوضر مجسدا روءاه !! صراحة .. راقتني جدا مقالة الشاعر والناقد الفلسطيني " فراس حج محمد " ولقت صدى وقبول فى نفسى .. فعميق الشكر ...
    كقارئة عادية جدا !. جدا !. ومن النادر جدا ما تفرأ وتكاد لا تقرأ أبدا !! وهدا دنب أعترف به !.
    يخال لى .. وأهل العلم أعلم والله أعلم ..أن ما يحتاجه كتاب القصة القصيرة جدا .. هو الموهبة أولا !! ثم ألفراءة ثانيا ّ.! ثم المناخ !. ثم قكر وقدر !. ثم أدهل وأبهر !. ويحف كل دلك ظل طويل من الدفء وجناح من الرحمة !!
    لكم كل التوفيق والتقدير والآحترام !! with all the best ..
    حاجة رقيقة جدا ادا ممكن : علمونى مما علمتم رشدا فى هدا اليم !. : send me if would you mind

  • بسم الله الرخمن الرحيم : - السلام عليكم

    بسم الله الرحمن الرحيم : سلام عليكم ..

    قارئة من العامة .. من ليبيا ..
    يقال أن الكتابة معاناة !. والكاتب الصادق يغمي ريشته بمداد الحياة ليرسم الآمل المونق المخضوضر مجسدا روءاه !! صراحة .. راقتني جدا مقالة الشاعر والناقد الفلسطيني " فراس حج محمد " ولقت صدى وقبول فى نفسى .. فعميق الشكر ...
    كقارئة عادية جدا !. جدا !. ومن النادر جدا ما تفرأ وتكاد لا تقرأ أبدا !! وهدا دنب أعترف به !.
    يخال لى .. وأهل العلم أعلم والله أعلم ..أن ما يحتاجه كتاب القصة القصيرة جدا .. هو الموهبة أولا !! ثم ألفراءة ثانيا ّ.! ثم المناخ !. ثم قكر وقدر !. ثم أدهل وأبهر !. ويحف كل دلك ظل طويل من الدفء وجناح من الرحمة !!
    لكم كل التوفيق والتقدير والآحترام !! with all the best ..
    حاجة رقيقة جدا ادا ممكن : علمونى مما علمتم رشدا فى هدا اليم !.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى