الأربعاء ٥ شباط (فبراير) ٢٠١٤
بقلم عبد الجبار الحمدي

أضلع من حديد..

مددت يدي الى بطن صدري أحاول ان أفتح قضبان أضلعي التي حجبت تنفسي ... بعد أن ضاعت صرخات نفسي بداخلي؟؟؟ من أنا؟؟؟

هكذا من خلف غشاء موجع تليف على أضلعي ألما وضجرا من واقع لا تغيير فيه .. اين الهرب من محيط يخوض فيه المتلاعبون بالسلطة كخوضهم برباط أحذيتهم، أين نحن من تلك التي تسمى الانسانية، التي جارت أيدي الطغاة على بَقر رحمها شرها برؤية دم ابرياء، إنهم يتلذذون كمصاصي دماء، فمنذ ثلاثون عام أدخلت نفسي خلف حجابها الحاجز، ورميت بكل ما تسمى الايام... ثعابين سواد جَلادي، الذي ما انفك يهتك ستر رجولتي كل ليلة، أمسكت يدي على أضلع بغية خنق روح الحياة، التي رافقت سنوني دون ان أتيح لعاهري السجون ان يفسدوا براءتها، لقد دافعت عنها بكل ما أوتيت من قوة، إنها باقية لأجل أمل في شعب، ووطن تنامت فيه الرغبات بلياط الرجال حتى خُنِثوا، ثم يصبح الوطن عبدا يباع ويشترى في سوقهم الحر الذي ابتكروه، كانت المقاييس الانسانية... كل المقاييس قد كبلت بلفافة سوداء أُرهبت ليل نهار، سنين من باغتهم بفأس وجلاد حياة، حتى جثث عقود أصرمت الاعمار فيها متاهات دهاليز مسميات وثنية، كنت حينها أقف خلف زنزانتي العظمية أخاف ان أرفع يدي عن قضبانها حتى لا أسمح بخروج آخر نفس من صدري... زفرتُ الكثير، تحملت ظلم الزناة ... أه ما أقواكِ يا أضلع رشفت ضربهم الموجع وكسر عظام كانت يُراهن عليها بأنها لن تتحمل أكثر، بعد ان أتعبت ايديهم وارجلهم وسياط مَردوها بألياف حديد، أجل لقد سلخوا جلدي مرات ومرات... وبقيت أئن بداخلي، أرمي بكل آلامي وأوجاحي في بطن زنزاني العظمية، وأبقي جسدي لهم مسجى في زنزانتهم الحديدية...

هكذا كانت أيامي، سجن في داخل سجن، حتى يوم ... كسرت اقفال باب سجني... ورأيت المساجيين يسارعون في الخروج مهللين لقد سقط النظام وجاءت الحرية، كنت أنظر ولا زالت يدي ممسكة بقضبانها، صرخ بي من لا أعرف، هيا أخرج لقد سقط الطاغية، سؤال رجف على شفاهي المتيبسة، دموع هطلت تبللها حتى أصرخ، بأن هناك بقية من حياة لي، لم أكن أعرف بعدها ماهي ردة فعلي، لم أشعر إلا وأنا أقف على رأس مفترق طرق، أظن أنه كان لي هنا بيت وأم وأب، كانت معالمي توحي بوحشية شكلي، الكثير من الناس اشمأزت، وبعضهم سمعته يقول إنه مجنون، ربما أنا كذلك؟!! فمن يظن أني سأخرج الى الحياة مرة أخرى، سقطت على الارض لقد خارت قواي، جاء رجل كبير يساعدني على النهوض مع كسرة خبر وبعض نقود هكذا أظنها، رام ينظر لي بعيون غائرة ... ثم قال من أنت؟؟؟ وماذا تريد؟؟؟ كان فمي مغلقا لم يكن بوسعه ان يتحرك ، فقد تربى على الخوف، كان يدرك أنه في حال فتحه تأتيه اللطمة او الضربة التي تدميه، فمددت يدي على فمي أحاول ان احجبه عن تلقي الضربة وقلت: أني انشد بيت ستار..

رد قائلا : ستار؟؟ أي ستار؟؟

أنه والدي ستار كان يعمل ببيع العتيق لديه عربة صغيره أظنه من هذه المنطقة!!؟

والدك!! ومن تكون أنت؟؟؟

أنا حسن ابنه ، لقد خرجت من السجن قبل فترة ومشيت كثيرا حتى وصلت الى هذا المكان، هل هذا هو شارع العتيق كما كان يسمونه...؟!!

بهت الرجل وصرخ يا ناس يا عالم أنه حسن ابن ستار صاحب محلاد الخردة ، يا الله!!! الجميع ظن أنك مت في السجن ألم يعدمك الطاغية؟؟؟؟

استغرب من سؤاله !! إلا انه لم يعر ذلك اهتماما تجمعت الناس حولهما تنظر اليه والى شكله، الكثير منهم لا يعرفه او حتى يتذكره، الناس قد تناسلت، العقود تسارعت ثم انطوت وقد طوته معها، دخل من بين الجمع من يصرخ اين حسن هذا؟؟؟ دعوني أراه كانت أذناه قد انقبضت وعصرت نفسه بشدة ، إنه يعرف ذاك الصوت فلا زال يتذكره جيدا، أيعقل ان يكون هو، أشاح بيده أنا حسن هنا، وما ان رأه الرجل حتى سقط على الارض مغشيا عليه، هَمت الايدي تلقف الرجل أنه من الخيرين واصحاب الحظوة عندهم، لعنوا هذا الأشعث دون ان يفهموا السبب، تدافع بينهم، صارخا أنت ستار؟ أنت والدي؟؟ امسك بالرجل يهزه حتى استفاق ليرى وجها شعثا قذرا تفوح رائحة العفن منه في كل مكان، حسن ولدي أنت حسن أليس كذلك؟؟ كان منظرهم يدمي الفؤاد ... لحظات.. جاءت والدته وأخته التي خلفها صغيرة.. رمت أمه بنفسها عليه، تلثم فيه كل مساحة من وجهه تتذوقه أنت حسن؟؟؟ تنظر الى الناس أنه حسن لم يمت، ألم أقل لك يا أبا حسن انه لم يمت، قلبي كان يعلمني لم يقصر الله ولا ابا الحسن علي، اخبرتك انه سيعود يوما ما، كانت حسن قد لفته بقايا زوبعة حنين خبأها بين أضلعه التي وقف على بابها حارسا لها، سقط بعدها حين وجد من يبحث عنهم، دلفت الايام تتغنى طربا وفرحا بعودته ، كان والده قد عمد الى نحر الضحايا واطعام الفقراء والمساكين، وكل الجيران والاصدقاء ابتهاجا بعودة إبنه الغالي حسن، تغير شكل معالمه حين نظر الى المرآة التي خاف ان يتطلع الى نفسه فيها، فقد عاودته ذكريات حسن ذلك الشاب الذي يتأنق حين يريد ان يخرج مع اصدقائه، راعه ما رأى!؟؟ لقد غاصت تلك العيون وبرزت عظام الوجنات، تلحف الشعر بالبياض فبات هرما، تفحص كل منطقة من وجهه وجسمه، لاكته المرارة عصارة صفراء كاد يتقيأها لولا تماسكه وجَلَدِه، سمع والدته تقول حسن يا شغف القلب.. يا حياتي، هل تأذيت؟؟؟ هل ضربوك؟؟؟ اخبرني أين كنت؟؟ ماذا فعلوا بك!!؟ اخبرني حبيبي أزح عن صدرك تلك الهموم، حاول ان يبتسم لها إلا أنه لا يعرف كيف! لقد نسي كيف تكون الابتسامة!!؟ رسم بيده على وجهها عبارة الحب، قَبًل يدها، ضمها الى صدره شم عبق الفراق وعذاباته حتى هوى، بعدها لم يحاول أحد من أهله أن يسأله عن شيء، حتى الاقارب.. الاصدقاء الذين جاؤوا ليهنئونه لم يجرؤا على سؤاله، إن قسمات وجهه قاسية جدا لا يمكنها ان تنفرج بسهولة، مرت الشهور تلو الشهور انخرط حسن بين الناس، حاول ان يعيد صفحات من عمره ماضية، أراد ان يشرك نفسه في عجلة التغيير، إن الوطن عزيز.. غالي وقد دفع الثمن باهضا لحبه له، تداخلت اللقاءات بأصدقاء قدامى مع آخرين جدد طفحت بهم مجاري الزمن على السطح فراحوا يتناكحون بمسميات وطنية، وأخرى دينية، وغيرها ليبرالية، استغرب من كل ذلك!!! باتت الحرية قيدا منكسرا... فُسِرت هكذا للكثيرين ممن كانت أفواههم مركونة بعيدا عن الحياة العسيرة، إنهم أجيال الانفراج والانفتاح، الديموقراطية هكذا أطلقوا عليها بمن جاؤا تحريرا من طاغية الزمن الأغبر، أفرزت ديموقراطيتهم عصرات معدية مقيتة، قلبت بطن العراق عاليه سافله، حتى صار سافله يمسك بالكثير من القوى، نشأت البيئة الجديدة بنفس الطريقة التي نشأت امبراطوية الأنا التي تفرد بها الطاغية السقيم، رام هو ومجموعة ممن عرفهم بولائهم للوطن وجُدد وطنيون تعرف عليهم،ان يخوضوا في النقد ورد الموجات العديدة التي تهدد مستقبل الوطن، راحوا يصورون الامور على واقعها الحقيقي، كشف زيف المسميات وعناوينها من خلال الوسائل الاعلامية، تلك التي صارت رآها متفشية كسماسرة دق الدفوف للاعلان من يدفع أكثر أغرد لك على طبل وزنبورة، لا حبا في وطن، لم يعي ما يحدث! فانحسر عنهم بعيدا، إلا أنه بات شاردا أكثر من قبل بهتت روح الحياة بداخله.. في التغيير، فأصوات الغربان تنعق في نهار علنا، وفي الليل يكون جواب البوم لها عن خراب مستتر، أمسك بأضلعه مع غصة بقوة، غية كسرها ليخرج صرخته التي حبسها عمره، لكنها أبت هي ان تخرج في عالم الهواء فيه أنفاس فاسدين، حاول دخول المنزل لكنه ترنح، دموع عيناه لم تستكن في جوفها ثارت مع نحيب أسقط جسده على الارض شهق حد الموت والجميع ينظر إليه... رمت أمه بنفسها على صدره .. وقد إزرق لونه وهي تصرخ حسن ... وليدي ..يما شبيك جاوبني...!!!

أبكى كل الذين حوله... مد يده ليمسك يديَ ابيه وأمه ... جحظت عيناه واحمرت .... فتح فاه ليخرج صرخته المحبوسة في صدره أملا قبل روحه.... صارخا ... العراق راح.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى