الثلاثاء ٤ آذار (مارس) ٢٠١٤
بقلم فتحي العابد

أنا العصفور

كان شكري وأخته حليمة يلعبان تحت الشجرة، وكان كل واحد منهما يحاول أن يحكي للآخر قصة، وركز عصفور فوق أقرب غصن لهما وهو يغني ويطرب كل من يسمعه، وفجأة توقف يسمع.. لحكايات شكري وحليمة، خاطبهما العصفور وهو يحرك ذيله، قائلا: سأحكي لكما قصة عصفور لطيف، يملا كنه كل أشجار الريف!!

ثم بدأ: أنا لما كبرت داخل قشرة بيضي، نقرتها بمنقاري فثقبتها ثقبة أتاحت لي التنفس من خلالها، ثم نقرتها ثانية فكسرت وخرجت.. استقبلتني أشعة الشمس وريش أمي وهي تزقزق فرحة بميلادي، أظلتني بجناحيها خوفا علي من حرارة الشمس، ناولتني بلسانها أولى قطرات شرابي، ومضغات طعامي..

بيتي، عش نسجه والداي بألف وألف عود وريش، وكل ما هو رطب فوق أرض الله المسيار.. عنواني غصن شجرة في بستان في البراري التي هي دياري.. من أعلى الشجرة رأيت حريتي في تحليقي ورفرفة أجنحتي وتماسك طيراني..
أنا عصفور تعلم التحليق والغناء، لغتي مع الخلق والطبيعة، تعلمت أغدو خماصا وأعود بطانا، شاقا طريقي بين النسور.
ألا تذكران عندما دخلت منزلكما وأنا مازلت أتدرب على الطيران والتحليق، وتيهي بين أسقف الغرف والجدران.. أتذكران صياحكما وحركاتكما، وركظكما ورائي: عصفور في بيتنا، طائر عندنا.. أنتما تحاولان القبض علي، وأنا أحاول النجاة من قبضتكما من فضاء إلى فضاء.. وكيف نجوت بتسللي من الشباك في بهو المنزل، تاركا ريشا تطاير من أجنحتي..
هي مغامراتي كل يوم من أجل الحياة والقوت، وكشف الأسرار..

أنا عصفور حلق في يوم من الأيام بضعة أمتار على سفح جبل، وعلى صخور ساحل، وحلق في يوم بضع عشرات أمتار داخل بحر، أهابني تصاعد الأمواج بالحركة والصوت، وخفت كثيرا عند رؤيتي جسم يتطاير من جوف الماء في ارتماءة نصف دائرية إلى الماء.. تساءلت هل هو طائر يحاول أن يطير من الماء إلى الماء..؟

وجدت الجواب عند أمي التي كانت تراقبني: هو بطريق، يعيش في البر والبحر، يستطيع السباحة في أعماق الماء، وأنت طائر تعيش في السماء وتتنفس الهواء، ولا تستطيع الغوص مثله في الماء..

سألت حليمة العصفور: ماسر الجمال الذي نراه في الطيور؟

أجاب العصفور: لا حسد، ولا تباغض بيننا..

سأل شكري العصفور: أما مللت الإنتقال من مكان إلى آخر.. نحن نسكن في بيت دائم وعنوان لا يتغير، وأنتم معشر الطيور ما إن تعتادوا على مسكن وديار حتى تقرروا الرحيل مرة جديدة، بحثا عن مقر جديد، وبيت جديد ..
ضحك العصفور، وقال: نحن هكذا معشر الطيور، خلقنا للإرتحال الدائم، لا نعرف القيود إلا إذا حبسنا الإنسان في قفص.. كل البراري لنا وطن.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى