الاثنين ١٧ آذار (مارس) ٢٠١٤
فانتازيا درامية ورؤية ماركسية
بقلم مهند النابلسي

ضمن خيال علمي شيق !

في العام 2154 يتواجد فقط طبقتين من الناس: الأثرياء جدا اللذين يعيشون بمحطة فضائية قمرية ضخمة بعيدا عن كوكب الأرض تسمى «اليزيوم» او الفردوس، أما الفقراء فيعيشون بحالة يرثى لها من الازدحام والمجاعات وتفشي الجريمة والأمراض على كوكب الأرض البائس الملوث المنكوب، وحيث يحاول الكثير من سكان الأرض الهروب ومغادرتها للفردوس طمعا بمستوى الحياة المتقدم والرعاية الصحية المتطورة والمتوفرة، لكن بعض الشخصيات النافذة والمسؤولة في الفردوس تخشى كثيرا من موجات الهجرة المرعبة هذه، وتسعى جاهدة للتشدد وفرض قوانين واجراءآت بغرض المحافظة على الامتيازات ونمط ومستوى الحياة الرغيدة على المحطة القمرية ...رجل واحد يملك الفرصة والامكانية لكي يحقق التوازن المطلوب انسانيا (مات ديمون)، شخص عادي قوي البنية حاد الذكاء وقوي العزيمة، كما انه بحاجة ماسة للهجرة للفردوس لانقاذ حياته المهددة بفعل التعرض لاشعاع قاتل...حيث يقوم بمهمة بطولية فائقة الخطورة تضعه بمواجهة حاسمة مع وزيرة الدفاع المهيمنة المتشددة بالفردوس ديلا كورت (الممثلة الرائعة جودي فوستر)، ولكنه لو نجح حقا بمغامرته فسيتمكن من انقاذ حياته اولا وربما مساعدة ملايين المرضى البائسين من سكان الأرض المنكوبة! فهل سينجح بمسعاه وبمهمته الغير عادية؟

وبينما يتحكم بسكان الأرض روبوت بوليسي قاسي لا يرحم، يعيش سكان الفردوس برخاء ويستخدمون اجهزة طبية متطورة بشكل حاضنات صحية تدعى "ميد-بييس" تسمح لهم بالوقاية من الأمراض والجروح والعلاج الروبوتي المتكامل، وحيث يعيش ماكس داكوستا (مات ديمون) (لص السيارات السابق) بأنقاض لوس انجلوس ويعمل بكد على خط تجميع بشركة عسكرية كبيرة تزود الفردوس بالروبوتات البوليسية كما بالسلاح والذخائر، ويتعرض بالصدفة اثناء عمله لجرعة كبيرة من الأشعة القاتلة، مما يمنحه فقط خمسة ايام للعيش! وخلال ذلك الوقت تقوم وزيرة الدفاع ديلاكورت بتوجيه اوامر صارمة للعميل النائم كروجر (شارلتو كوبلي) لاسقاط مركبة مكتظه بالمهاجرين الفقراء من كوكب الأرض، كما تضع لوحدها قوانين متشددة للهجرة ، مما يستدعي استياء رئيس الفردوس الشرعي للاستياء من تصرفاتها الفردية المرتجلة، حيث يقوم كرد فعل بطرد كروجر من مهامه، واحترازا تسعى ديلاكورت للتحالف مع المدير التنفيذي لشركة الأسلحة آرمادين واسمه جون كارليلي (وليام فشتنر)، وتنسق معه لكتابة برنامج حاسوبي متطور قادر على اقتحام الكمبيوتر المركزي للفردوس لكي تضمن تعيينها كرئيسة جديدة للمحطة القمرية! يلتزم كارليلي بصنع البرنامج بمكتبه بمقر شركته على الأرض ويقوم احترازا بشحنه وتنزيله لدماغه، فيما يطلب ماكس المساعدة العاجلة من سبايدر المهرب المحترف(واجنر مورا) بواسطة صديقه الحميم ديغو لونان حيث يوافق سبايدر بعد تردد شرط أن يقوم ماكس بسرقة برنامج كارليلي المخزن بدماغه والبيانات المالية اللازمة، وحتى يضمن التزامه يقوم بابتزازه ويسعى سبايدر بمساعدة جراح محترف لتركيب جمجمة روبوتية خارقة لتغلف رأس ماكس، مع زراعة لدماغ جديد احتياطي قادر على حفظ البرامج والبيانات الضخمة، ثم يتمكن ماكس بعمل قتالي من الدخول لمركبة كارليلي الفضائية، وينجح كذلك من انزال وتحميل البيانات والبرنامج المطلوب لدماغه الجديد ، وتحدث معركة دامية حافلة بمشاهد الأكشن القتالية يلقى فيها معظم رجال ماكس حتفهم كما يتلقى فيها كارليلي جروحا قاتلة ويجرح فيها ماكس الذي يهرب لمنزل صديقته السابقة فراي (أليس براجا)، التي تعاني طفلتها الصغيرة ماتيلدا من لوكيميا الدم القاتلة، فترجوه بدورها أن يأخذ ابنتها للعلاج بالفردوس، ويرفض بلا سبب ...وبينما يسعى ماكس للهروب اخيرا تنطلق ديلكورت بمركبة فضائية مقاتلة لشراء الوقت اللازم لاسترجاع برنامج كارليلي !

يتمكن سبايدر من الحصول على برنامج كارليلي كما يتحقق من قدرة البرنامج على تحويل كل سكان الأرض لمهاجرين شرعيين في الفردوس، كما يفقد عميل الفردوس كروجر معظم وجهه بسبب انفجار عبوة ناسفة على سطح الفردوس، ويتم اعتقال ماكس وصديقته فراي وطفلتها المريضة ماتيلدا، ويؤخذوا كرهائن لديلاكورت التي تجهز بدورها فريقا متخصصا لتنزيل البيانات واسترجعها من دماغ ماكس ...وتحدث هنا معجزة طبية جراحية تتمثل باعادة تصميم وتركيب وجه كروجر المهشم بواسطة الفراش الطبي الخارق "ميد بييس"، بينما تستاء ديلاكورت من "قسوة وجحود ولااخلاص" كروجر يقوم هذا بقتلها بضراوة ليتمكن من سرقة البرنامج لنفسه وحكم الفردوس! كما يقوم رجاله بمحاولة تنزيل نسخة من البرنامج لرأسه الجديد، يسعى ماكس جاهدا لكسب الوقت وشحن واستخدام برنامج كارليلي لتحويل كل سكان الأرض لمواطنين شرعيين في الفردوس، وينجح بتحرير صديقته فراي وابنتها ماتيلدا لاعطاء المجال لهما للبحث عن "الفراش الطبي" لانقاذ ماتيلدا في اللحظات الأخيرة، كما يتلاقى مع سبايدر الساعي بدوره للسيطرة على محطة التحكم المركزية، ثم ينجح كروجر من اسرهما وتحدث عندئذ معركة دامية يتمكن خلالها ماكس من السيطرة على كروجر وتوصيل دماغه مع هيكل جمجمته الاصطناعية المركب لتنزيل البيانات التي سبق وعطلت ...وينجو ماكس باعجوبة من قنبلة فجرها كروجر باللحظة الأخيرة...

ثم يصل كل من سبايدر وماكس لمركز بيانات الفردوس المركزي، حيث يتحقق سبايدر من ان تفعيل البرنامج سيؤدي حتما لمقتل ماكس ...ويتحدث ماكس مع صديقته لآخر مرة عبر الراديو مصمما على شحن البرنامج بنفسه، وبينما يضحي بنفسه لافظا انفاسه الأخيرة يتمكن بنجاح اخيرا من تنزيل كافة البيانات لتسجيل سكان الأرض كمواطنين شرعيين في "أليزيوم"...وحين يصل الرئيس الجديد للفردوس "باتيل" لوحدة التحكم المركزية مع فريقه الأمني، يجد ان أوامره المشددة باعتقال سبايدر قد رفضت لأن الحراس الروبوتيين يعتبرونه مواطنا! ثم تعالج الطفلة ماتيلدا بواسطة "ميد بييس"، ونجد أن عددا كبيرا من سكان الأرض المسحوقين قد تم اعتبارهم مواطنين في الفردوس والتحقق من حالتهم الصحية التي تستدعي العلاج الطبي السريع الملائم...هكذا يطرح هذا الفيلم رؤيا مستقبلية اخلاقية جديدة تستند لصراع الطبقات وحقوق الفقراء المعدمين والمساواة والرعاية الطبية، وهو ربما من الأفلام القليلة التي يموت فيها البطل مضحيا بنفسه من اجل الانسانية! واذا ما عاينا الحالة الراهنة لعالمنا البائس فاننا نجد بصراحة بذور هذا الرعب الأرضي القادم متمثلة بالصراعات الاثنية والطائفية وتفشي الجريمة ومشاكل الهجرة الغير شرعية لبلدان الشمال المتقدمة، كما نعاين قضايا التلوث البيئي المتفاقم المتفشية في المدن والأرياف بانحاء المعمورة، والتي تساعد بزيادة الأمراض وارتفاع الحرارة والاحتباس الحراري والقحط والتقلبات المناخية الغير متوقعة...كما يستعرض الشريط نماذج مدهشة للتطور العلمي المستقبلي المتوقع مثل نمط المركبات الفضائية وتحكم الروبوتات ونقل المعلومات وتنزيلها للأدمغة البشرية والمعالجات الطبية الترميمية والجراحية الفائقة وغيرها من التوقعات التي بدأنا نلاحظ بوادرها التقنية هنا وهناك بانجازات التكنولوجيا والحاسوب وصناعة الطائرات والمركبات الفضائية والتقدم الطبي الجراحي الدوائي المذهل ...

ملحمة كابوسية واخراج بصري مبهر!

يتحدث هذا الخيال العلمي المحتمل عن العام 2154، حيث سيعزل الأثرياء بمحطة فضائية مستقلة بعيدا عن كوكب الأرض وسكانه البائسين المختنقين بالازدحام والتلوث والمرض والجريمة، وحيث يقوم بطل جريء بمهمة مستحيلة لتحقيق التوازن والمساواة وانقاذ المرضى ...يقول المخرج المبدع (الجنوب أفريقي) نايل بلومكامب بأن الفيلم بالرغم من انه يتحدث عن العام 2154 الا انه يمثل تقريرا استبصاريا للزمن العصري الراهن! وهو محق تماما فمعظم الطروحات التي يتحدث عنها نراها ماثلة تماما بواقعنا الأرضي الراهن كمشاكل الانفجار السكاني والهجرة اللاشرعية والتلوث الخانق وتغير المناخ وتفشي أنواع الجريمة والمخدرات والأمراض والصراعات وتردي الخدمات الطبية...كما انه يقول بنفس السياق : "الكل يسألني عن المستقبل ، اقول لهم لا لا هذا ليس خيال علمي، انه يتحدث عن يومنا هذا عن اللحظة الراهنة"! فالشريط بالحق يتناول بذكاء استبصاري التداعيات السياسية والاجتماعية والأخلاقية لمشاكلنا المتفاقمة كبشر تائهين وغير "متجانسين ومتفاهمين" تعصف بنا الأهواء والملل والعقائد والعقد والصراعات والثقافات، ولكنه لم يستطع ان يتحرر من النظرة الهليوودية التقليدية للعلاقة الملتبسة بين من يملك ومن لا يملك!...وهو حافل باللقطات الحركية المتقنة المثيرة، وقد نجح لحد ما بتزويدنا بأفكار شبه وثائقية محتمة للصراع الطبقي بصوره المتطرفة الدموية القادمة، ويعد ربما تكملة ابداعية لفيلمه السابق (ديستركت9) الذي يحوي افكارا مماثلة، أثبت الفيلم القدرة التمثيلية الفائقة لمات ديمون الذي بدا يملك مهارات حركية قيمة ساعدت بنجاح الشريط مع باقي الفريق المنسجم كما أدت جودي فوستر دورا جديدا لافتا يضيف لمسيرتها الفنية الحافلة، وان كنت اعتقد بأن هناك مبالغة مقصودة باظهار الأكشن على حساب المضمون الفكري للقصة!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى