الجمعة ٦ حزيران (يونيو) ٢٠١٤
بقلم مهند النابلسي

العولمة والتماسيح!

هناك قصة افتراضية معبرة تقول أن رجلا دخل حمام داره فوجد على أرضه تمساحين صغيرين، فتناول التمساحين من ذيلهما وألقاهما بتواليت الحماام ثم شد عليهما السيفون ظانا انه قد تخلص من شرهما الى الأبد! غير أن التمساحين وقد انتهى بهما المطاف الى المجاري فيتكاثران ويتوالدان ، الى ان يأتي الوقت التي تمثل فيه هذه التماسيح خطرا على الرجل وعائلته!

سيكون هذا بالضبط ما سيصنعه مجتمع الثمانين يالمئة من المهمشين والعاطلين والفقراء حين يحين أوان تمرده! يتوقع علماء الاقتصاد أن نسبة عشرين بالمئة من السكان ستكفي للحفاظ على نشاطات الاقتصاد الدولي مستقبلا، أما الثمانون بالمئة الباقية فستبحث عن المساعدات الحكومية والخيرية، حيث يتوقع ان يزداد الأغنياء غنى وتطحن الطبقات الاخرى وتنهار الطبقة المتوسطة، مما قد يؤدي لانهيار التماسك الاجتماعي، فالتسابق المحموم على زيادة الحصص في الأسواق العالمية قد يؤدي لفقدان العمل البشري الروتيني لقيمته على نحو متزايد مع زيادة التخصص والأتمتة ودخول "الروبوتات" لسوق العمل، وقد يستفحل هذا الوضع ويؤدي لنمو اقتصادي لا يترافق مع خلق فرص عمل جديدة مما قد يفاقم البطالة!

وحتى لا يصيبنا الفزع من المستقبل فعلينا أن نعي حقائق العولمة: انها التداخل الواضح لامور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثفافة والسلوك دون مراعاة تذكر للحدود السياسية او الانتماء للأوطان وبالحد الدنى للاجراءآت الحكومية البيروقراطية ، وتتميز بعدة سمات أهمها:

*ستكون بروليتاريا العقود القادمة من أصحاب الياقات البيضاء وليست الزرقاء بالضرورة!

*يمكن ان يتوقف الانتاج في مصنع ما وينتقل الى دولة اخرى كما يحدث حاليا بالكثير من المصانع بالدول المتقدمة (التي تنقل مصانعها لدول أسيوية لانخفاض تكاليف الأيدي العاملة)!

*ان أكثر حالات الرشى على مستوى العالم ترتبط بقادة وادارات الشركات المتعددة الجنسية!
*تنوع الفعاليات الانتاجية لتعويض الخسائر الانتاجية، فشركة ميتسوبيشي على سبيل المثال تمارس حاليا أكثر من سبعة نشاطات صناغية وخدمية مختلفة!

*ان المجتمعات العاجزة عن انتاج غذائها او شرائه بعائد صادراتها الصناعية لا تستحق البقاء! كما انها تمثل عبئا على الاقتصاد العالمي...
*أهمية التركيز على تحسين الربحية بواسطة خفض التكاليف ورفع الانتاجية وتحسين جودة الخدمات والخدمات، وحيث يمكن تحقيق ذلك بواسطة ايجاد كوادر عالية التأهيل ومراكز أبحاث علمية – تكنولوجية، مع ضمان التنسيق للمحافظة على استمرارية الأداء وتعزيز الروح الديموقراطية التي تكفل حقوق الانسان والتعددية السياسية والانتخابات الحرة النزيهة التي تضمن أمن واستقرار المجتمعات البشرية.

العولمة اذن شر لا بد منه، وهي ليست حتمية اقتصادية وسوقية وحسب ، وانما هي شروط توجيهات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وتدخل ضمن شروط تحرير الاقتصاد العالمي، ولكن هذه القيود والسلبيات لا تمنعنا من تعزيز روابط وآليات التكافل والمسؤولية الاجتماعية، كما يمكن الاستفادة منها لاعطاء الفرصة للعالم الثالث للحاق بالركب ومشاركة سبعة مليارات في المكاسب التي كانت (وربما ما تزال ) حكرا على سبعمائة مليون انسان في الدول الصناعية المتطورة! ويستدعي ذلك تعزيز المشاركة والديموقراطية لأهميتها بالتنمية الاقتصادية.

ان الادعاء بأن فقدان بلد ما للثروات والموارد الاقتصادية يعني ضعفا بالجاذبية الاستثمارية هو ادعاء ضعيف لا منطقي، ذلك لأن بلادا كسويسرا وهونغ كونغ مثلا ازدهرت بفضل قدرة وكفاءة عناصرها البشرية وكنتيجة للقيمة المضافة، مما جعلها مركز جذب للشركات المتعددة الجنسية، فيما فشلت بلدانا اخرى غنية بالثروات الطبيعية والمعدنية مثل الكونغو على سبيل المثال بسبب تخلف عناصرها البشرية وانعدام الكفاءة، وكذلك لاقتتالها الداخلي وتركيبتها القبلية المتخلفة!
وماذا عن عالمنا العربي البائس التي أججت "ثوراته الربيعية الخائبة" من تخلفه وتراجعه المزمن، وأدت لفقدان السلم الاجتماعي والأمن الوطني ولهيمنة الفوضى والتدمير والتعسف والارهاب والفكر الظلامي المرعب وصولا "لتفكيك الدول والأنظمة"، فقد أدت العولمة "المتوحشة" هنا دورا سلبيا ومدمرا للغاية تداخل مع الاجندات الجيوسياسية والاستعمارية!

اذن اذا لم تقم شركاتنا ومؤسساتنا الوطنية بتصحيح مساراتها الادارية فقد تفيدها الخصخصة بتطبيق شعار:"الرجل المناسب في المكان المناسب" وبتطبيق نظم ادارية-مالية حديثة، ولكن هذا لا يكفي ...فالادارة تحتاج أيضا لموارد وادوات وتقنيات، كما انه يجب بالحق وضع ضوابط شفافة لمكافحة الفساد والمحسوبية المتفشية، والحد من هذه التاثيرات السلبية التي تنخر أرباح الشركات وتجعلها تراوح مكانها، فقد تفيدها العولمة في وضع معايير مجردة لمكافحة الفساد والمحسوبية، وهذا يفسر الاهتمام الزائد الذي توليه الشركات العالمية في مجال تطوير الكوادر البشرية واعتبارهم "قلب الشركة النابض". ولكني لا زلت عاجزا عن فهم قصور احدى اوائل الشركات المحلية الكبرى المخصخصة والمعولمة التي تمتنع منذ الثلاث سنوات عن توزيع الأرباح على المساهمين : فأين مهارات وتقنيات الادارة الأجنبية المدعاة؟ وكيف يفسر المدير التنفيذي أسباب راتبه الضخم الذي يتجاوز الألآف وهو يدير يوميا شركة فاشلة؟! ....ولماذا لا نسمع أصوات تعترض على ذلك؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى