الاثنين ٢٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٤
بقلم سعيد مقدم أبو شروق

هذا أبي

كم أتعبته سنوات الفقر

يروي لنا بؤسه، ثم ينظر إلى شملنا أنا وإخوتي، ويبتسم، ثم يشكر الله كثيرًا.

كل يوم - نعم كل يوم – أذهب لألقي عليه وعلى والدتي التحية، أجلس إلى جانبه وأستمع لحكاياته التي حكاها لي ألف مرة ومرة؛ ولا أمل من سماعها. يروي لي عن حرثه وحصاده، عن صيده الغزلان والطيور والسمك، عن طيه الصحاري بحثًا عن القطا وبيضها، وكيف هاجر إلى المدينة عندما أكلت البقرات العجاف السمان، وكم عانى الفقر!

أحببت أن اسأله يومًا عن عدم استخدامه في إحدى شركات النفط، ولكني خشيت أن يظن أنني مللت إعالته فسكت؛ لكنه قال لي يوما: أتدري؟ لو كنت أجيد اللغة الفارسية لعملت في إحدى هذه الشركات، ولكان لدي راتب تقاعدي.
هذا أبي، تعجبني بساطته وصدق قوله، صادق وبريء، لا يعرف الغش بتاتًا، ولم ينطق بكلمة كذب قط. علمنا الصدق بصدق، لا أذكر أنه نصحنا يوما أن نتجنب الكذب والرذيلة، لكننا تعلمنا حسن الصدق والفضيلة من سلوكه.
لا أذكر أنه ضربنا أو عنف بأحدنا أو لامنا، كلما أتذكره هو احترام و حب وحنان.

وكم يحب والدتي ويحترمها! تقول والدتي:لم ينطق أبوك بكلمة تؤذيني طيلة حياته.

عاداته بدوية ... لا يرد سائلا حتى لو كان لا يملك إلا رغيف عشائه.

يتفقد الجار، يسلم على الصغير والكبير، ويتحلى بكل الصفات الحميدة التي فقدها أبناء هذا الجيل.
كلما سألته عن صحته، أجابني بصوت عال : الحمد لله، (لو عافاك، أغناك). دائما يرى الغناء في العافية والصحة.
ملابسه عربية، لم يرتد الزي الغربي، ولا مرة في حياته. لم أره يومًا دون كوفية، حتى في المنام يتعمم بها.
هذا هو أبي وهذه عاداته التي أحببتها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى