الأحد ٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٤
شعلة قلم

الضحية

مصطفى خالد الحردان

لم أكن أعلم أن الأمور ستجري بعكس ما يحلم به الإنسان، تبدأ هذه القصة بطفل مدلل وحيد من الذكور يهوى لعب كرة القدم يرتدي كل يوم نعله السميك الأسود ذاهباً ورفاقه للبيادر للعب الكرة يركل هذا وذاك بهذه النعل الثقيل فيحدث تصادم وشحناء بين رفاقه، ذات يوم عاد مبكراً حزيناً إلى منزله ليرى والده ليجلس بالقرب منه طالباً منه أن يشتري له حذاءً رياضياً وكذلك لباساً، فتنهد والده قائلاً عند ذهابي إلى المدينة سوف أشتري لك ما تطلبه، فكر والد محمد ملياً وهو يردد من حقه أن يشتري ما يريد، ولكن أعباء المنزل أصبحت ثقيلة على كاهلي خصوصاً وقد كبروا الأولاد، فعملي اليومي لا يجني لهم الكثير، سأستدين وسأشتري لهم ما يرغبون به، وما هي إلا أيام قليلة ذهب أبا محمد إلى المدينة واشترى لهم ما قد طلبوه...

محمد ذلك الطفل المدلل واقف على الرصيف أمام منزله ينتظر قدوم والده، راكضاً إليه بعد أن لمحه ليحمل معه الأشياء التي أتى بها...

سُرَّ محمد بلباسه الرياضي راكضاً إلى زملائه ليلعب كعادته... وفي أحد الأيام جلس وأسرته بعد أن وجد أباه متضايق قليلاً بعد أن كان هناك بعض المناقشة بين والده ووالدته وذلك بسبب قلة العمل قائلة له: لمَ لا تطلب من أشقائك أن يساعدوك في بعض المال خصوصاً وأنك أنت من أمهرتهم وساعدتهم كثيراً، عندما كان معكَ المال لم تشتري لنا حتى قطعة من الأرض، أو حتى تنشئ مشروعاً صغيراً نجني منه بعض المال وقد تركتنا في هذا المنزل المتواضع، حتى لا يوجد فيه فسحة قليلة لبعض الشجيرات وقد أنفقت جل مالك على أشقائك، لم يتفوه أبا محمد ولو بكلمة واحدة حتى قام وانصرف إلى بعض أقاربه....

وتمر الأيام وعائلة أبا محمد على هذا الحال...

تفاجأ أبا محمد ذات يوم بولده يطلبً منه أن تقوم أسرته بنزهة إلى البحر خصوصاً بعد أن سمع من بعض رفاقه بذهابهم أيضاً، احمرت وجنتا أبا محمد ليرمق ابنه نظرة كرب وانزعاج وقد لاح ببصره إلى الداخل كأنهم ينتظرون منه جواباً سريعاً...

ضجر أبا محمد من إلحاح ولده مما كان من أبا محمد وهو يمسك بيد ابنه مصطحبه خارجاً قائلاً له: ما رأيك أن نذهب إلى البساتين المجاورة لنا إنها جميلة ونزهة أيضاً؟ أجابه ولده : أجل جميلة يا والدي ولكنني أقضِ وقتي باللعب في البساتين وعلى البيادر، تبسم والده قائلاًً : لا بأس عما قريب نذهب، فكر والده وهو يردد بنفسه سأبيع الدراجة التي أملكها هذا أفضل حلّْ.

حسناً سنذهب...جهزوا متاعكم. أجابت ابنته هدى سنذهب برفقة أقاربنا أفضل من ذهابنا بمفردنا، استحسن والدهم الفكرة مردداً بالإيجاب...

كأن هذه السيارة غير لائقة للسفر يا والدي؟: لا بأس بها ربما هيكلها يوحي بقدمها ولكن أكد لي السائق أن محركها جديد.
ما أجمل هذه الجبال! أجل جميلة يا بني ولكن كنت أتمنى أن تكون مكسوة بأشجار مفيدة كأشجار اللوز والجوز والعنب، يؤكل منها ويُستظل في فَيِّها، و إن الجبال رواسي للأرض يا بني لكي لا تميد.

ينظر محمد إلى أسفل يا إلهي إن الوديان مخيفة يا أبي!

أجل مخيفة كنتُ أتمنى لو أن الطريق أوسع من ذلك، أو يكون له جدار أمان، ولكن أنظر ما أحلى الزهور التي بها كذلك شقائق النعمان، فالأودية ملأَّ بالزهور المفيدة. كأن هناك قلعة شاهقة يا أبي؟. أجل إنها قلعة أثرية منذ القدم، ما رأيك أن نزورها؟ أجل يا أبي نزورها، لكني تواق لرؤية البحر.

وكما قلت يا أبي إنها أثرية، ولكن لمَ هي في مكان عالٍ؟. أجابه والده:

لأن الأقدمون يا بني كانوا يخافون من عدو يأتيهم فكانوا يحتمون بها ويدافعون عن أنفسهم من الداخل، كأن حجارتها قوية يا أبي؟ أجل، الحجارة الزرقاء قوية وتبقى لسنوات طويلة. ولكن يا أبي كيف بُنيت فحجارتها كبيرة جداً؟!.
ربما كانت يا بني عبارة عن صخرة كبيرة جداً فنحتوها وزخرفوها فأصبحت قلعةً وبيوتاً ومحمية لهم تقيهم من الأمطار الغزيرة ومن العدو الذي كان يتهددهم
ها قد وصلنا البحر ترى ماذا ستفعل؟!

إن لون البحر أرزق سماوي يا أبي؟ أجل يا بني إن انعكاس لون السماء على البحار يجعل لونها جميل سماوي، الله ما أجمل البحر يا أبي!!!، إنه كبير جداً؟ أجل يا ولدي فالماء في الأرض أكثر من اليابسة بثلاثة أضعاف.
ولكن يا أبي من أين ملوحته؟ إنه مالح كثيراً لا يُشرب! نعم يا ولدي من الصخور التي تحتويه، وأفضل الأملاح أو الملح يا بني هو ملح البحر لأنه يُعتبر طبيعياً ويحتوي على مادة الأيودين الطبيعية المفيدة للجسم.
ما رأيك يا والدي أن نركب جميعنا السفينة؟.ولكن يا بني لا نعرف أن نعوم أخاف أن تغرق السفينة.انظر يا أبي هناك كثير ممن يركبها.

لا بأس يا بني هيا اصعدوا إلى السفينة. ما أجمل ركوبها يا أبي! لكنني خائف عليكم
أنظر إلى محيا والدتك، كأنها خائفة كثيراً. هل تعرف السباحة يا والدي؟.
كلا يا بني من صغري لم أتعلمها، كُنت أتمنى ذلك، كنتُ أقضي جُلَّ وقتي بالعمل مع جدك، أنسيت أني الولد الأكبر لجدك؟. ها قد وصلنا الشط، الحمد لله على السلامة. أنظر يا والدي إلى هؤلاء الأطفال إنهم يسبحون على الشط سأسبح معهم. ولكن يا بني إني أخاف عليك من الغرق؟ ألا تذكر يا والدي كنت أسبح عند رفيقي أحمد، لكن يا بني كنت تسبح في حوض صغير، إنه بحر يا بني وليس حوضاً. سوف أعوم على الشط ولن أبتعد كثيراً...ولكني أخاف عليك من الأمراض أيضاً، أنظر إليه إنه نظيف يا أبي.... حسناً، ولكن انتبه يا بني.

أم محمد وقد مغصها بطنها فلاحت ببصرها إلى ولدها وإذا هو يبتعد عن الشط فأخذت تلوح بيدها أن اقترب ولا تبتعد.
أبو محمد يشرب الشاي مع السائق والأقارب، إذ يسمع صوت ولده يناديه من بعيد فالتفت إليه وإذ هو يلوح له ويبكي، ركض نحوه بكامل لباسه ليدخل البحر، ها قد وصلت إليك يا بني، فأمسكه وقذف به نحو الشط، فتجمعت أسرته حوله كذلك بعض الأشخاص لينظروا إن كان به شيئاً. فأخذت والدته تضمه وتقبله مؤنبة... لمَ ابتعدت كثيراً ألم تعد أباك ألا تدخل إلى العمق، قائلاً لها : حسبته كله رملاً، ولكن الحجارة من ضايقتني وكادت توقعني ... أبا محمد وقد أصيب بدوران متعثراً في حجارة البحر فسقط غريقاً. محمد ينظر إلى البحر ليرى والده، كذلك جميع الأسرة والأقارب، ولكن لم يظهر أبا محمد في البحر، فدخل الأقارب السابحون البحر إذا أبا محمد وهو معلق بين الحجارة، فخلصوه وسحبوه نحو الشط، مهرولاً إليهم، أبي، أبي، أبي، لكن أبا محمد لا يرد عليه، فعلا الصياح والنواح على أبا محمد ولكن أبا محمد قد فارق الحياة. يردد ولده كيف سنعود من دونك يا أبي؟؟!! من سيكون أبي؟؟!! من سيشتري لي؟؟!! من سيدللني؟؟!! هل أقول أكرهك أيها البحر؟. أم هل حان الفراق يا أبي... أم أنك نائم؟؟.

مصطفى خالد الحردان

مشاركة منتدى

  • ليلة زفاف
    انقضت الأيام والأسابيع والشهور وما زلت تلك الخطبة قائمة على أكمل وجه ،
    من مربى واحد تربيا وفي مدرسة واحدة ترعرعا ، يكنُّ لها ببعض القربى ،
    وعندما كبرا قرر خطبتها بعد أن أكملا دارستهما في معهد للتدريس ، شاءت
    المقادير أن تتم خطبتها من هنا ، ويسافر هو إلى بلد آخر لتكوين نفسه
    ويحقق طموحه .
    هي الأخرى عملت جاهدة في ألا تنفق كثيراً من المال من أجل مستقبلهما ..
    رأت في حلمها كأن بيتها يحترق ، فجلست مضطربة وتعوذت بالله من الشيطان
    الرجيم ، تذكرت عندما سافر وقد تمشيا قليلاً ليودعها فلامست أصابعه
    أصبعيها ، مردداً لن أتأخر كثيراً سنبني منزلاً جميلاً حين عودتي وسأحقق
    ما تحلمين به من مزرعة صغيرة تحويها الفل والياسمين والورود الجميلة ،
    لأني أعلم أنك تحبين الزهور كثيراً ، وأذكر أنك كنت تهدين باقة من الورود
    للمعلمة ، هل تذكرين ذلك ؟.
    أجل أذكر ، وأذكر أيضاً أنك أخذت مني ذات مرة بعضاً منها من دون موافقتي
    لتعطيها للمعلمة أيضاً. أجابها قائلاً:
    كنا صغاراً ...ألا زلت تذكرين ذلك ؟!.
    ومن ثم انصرفا ......
    أحد تلاميذها مسرعاً إليها ليرسم محيا جميلاً على وجنتيه معطياً لها
    رسالة . ما إن رأت العنوان واسم مرسله حتى اضطربت فرحاً ، تمنت أن ينقضي
    الوقت مسرعاً لتذهب إلى البيت وتفض الرسالة.....
    جلست على سريرها وأوصدت باب غرفتها ما إن فضت رسالة وإذ مكتوب بها :
    ابنة العم الفاضلة إن حروفي لتعجز ما أكتبه ، ولكن الظروف التي مررت
    بها أثرت في شخصيتي كثيراً ، هناك في مكان عملي الدراسي وفي الدولة التي
    أعمل بها تعرفت على أسرة عريقة غنية من بلدي ، وعرضوا عليّ الزواج من
    ابنتهم، لا أعلم كيف وافقت من فوري، هذا ما حصل يا ابنة العم ....
    الأساور الذهبية التي ابتعتها لك حين الخطبة من حقك أنت ....وفي الختام
    أقول لك العذر كل العذر منك ، وأسأل الله أن يرزقك زوجاً خيراً مني
    .....ابن عمك جميل

    ما إن انتهت من قراءتها حتى أجهشت بالبكاء ، كُنت أعلم منذ الصغر أنكَ
    أناني ، لكني خمنت أنك تغيرت بكبر سنك .
    سمعت والدتها بكاءها فقرعت الباب فاتحتاً لها وهي تبكي وقد كُبت عليها
    وأجهشت بالبكاء أكثر حتى أُغمي عليها ....
    قلتُ لك يا ابنتي منذ البداية يجب ألا تتم الخطبة كان حين عودته أفضل ،
    أو لو أنك ذهبت معه . أجابتها قائلة :
    أحسسته هو لا يريد ذلك وخجلت من أكرر ما قلته له في أن أذهب معه .
    قائلة لها : عندما كنت في سنكِ كانت الخطبة يوم أو يومان ، ولا يجوز أن
    تكون الخطبة أكثر من ذلك .
    جميل أرسل نقوداً كثيرة إلى أبيه ليبني له منزلاً جميلاً وكل ما يحتاجه
    من أثاث ليتزوج به حين عودته.
    تمر سارة بالقرب من المنزل الذي بُنيّ وهي ذاهبة إلى المدرسة ودموعها
    تنسكب على محياها .
    انقضى العام الدراسي وعاد جميل وخطيبته التي أتى بها ليقيم عرس الزفاف ،
    دعى جميع أقاربه وأصحابه لوليمة كبيرة.
    الآنسة سارة وقد خالطها ألم الصداع مع ارتفاع الحرارة ، أحست كأن هناك
    شيئاً يتقطع في أحشائها ، عاينتها الطبيبة ودونت الوصفة لها ، لكن الآنسة
    سارة لم تتحسن على الدواء ما إن بزغ القمر وقد فارقت الآنسة سارة الحياة.
    العريس جميل يرتدي بذة العرس الأنيقة وتغاريد النساء، كذلك بعض الرقصات
    الشعبية ، أيضاً البنادق لم تخلو من حفلة العرس المقامة .
    بعض أصدقاء جميل بجانبه مع تغاريد النساء ليدخل إلى عروسه وهنا انهالت
    قذائف البنادق لتُحيّ العريس أثناء دخوله .
    لكن شاءت الأقدار أن يصاب العريس جميل بعيار ناري عن طريق الخطأ مما قد
    أرداه قتيلاً .
    لم يُفلح العلاج معه فتوفي جميل تاركاً عروسه الغنية وبيته الذي كان يحلم به.
    شاءت الصدف أن يكون قبر الآنسة سارة بجانب العريس جميل ، وكأن الله أرد
    لهما أن يتزوجا في السماء .......
    الباحث : مصطفى خالد الحردان
    العنوان : سوريا ـ حماه ـ صوران

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى