السبت ٢٩ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٤
بقلم سعيد مقدم أبو شروق

كنت مسافرًا «2»

قالت العرب: سافروا تغنموا.

وكان أبنائي يبرمجون طوال السنة لسفرنا في هذا العام،

فمنهم من اقترح أن نسافر إلى شمال إيران ومنهم من قال نسافر إلى شرقه أو غربه، واتفقنا أن نسافر إلى جنوب غربه ثم إلى مركزه، فقصدنا محافظة (ياسوج).

خرجنا من المحمرة ساعة قبل أذان الفجر، صلينا صلاة الصبح قبل أن نصل مدينة معشور التي تبعد عن المحمرة 120 كيلو مترا.

ومن معشور اتجهنا إلى مدينة العميدية ثم ويرافقنا صوت فيروز دخلنا جبال آغاجاري، ثم مدينة رامز إلى أن أشارت الساعة إلى التاسعة صباحا ونحن قد بلغنا مدينة بهبهان.

أفطرنا على ضفاف نهر مارون الذي ينبثق من جبال زاغرس، وبعد أن يدخل الأهواز يصب في نهر الجراحي، لكنهم ولكثرة السدود التي بنوها في هذا النهر، قد جففوا الجراحي؛ حتى رأيته قبل أعوام يلعب فيه الأطفال كرة قدم.
لهذه الأسباب يبيع الغنام -الذي كان يسقي زرعه من مياه الجراحي- غنمه ويهاجر إلى البلد.
خرجنا من بهبهان بعد ساعة واتجهنا نحو گچساران ومنها إلى ياسوج.

ودّعنا حرارة المحمرة التي كانت تفوق الخمسين درجة والرطوبة الشديدة التي نسميها في الأهواز (الشرجي).
الجادة جبلية، تدخل في ممر حُفر في قلب الجبل وتخرج من ممر، تارة
تضيء مصابيح سيارتك وتارة أخرى تطفئها.

اقتربنا من ياسوج، ولا يَفُتْك أن تشتري في أثناء الطريق التين اللذيد الذي يتواجد بكثرة على طرفي الجادة. والفستق الذي لم يزل في قشوره ما يدل على أنه مجني لتوه، والعنب الحالي الذي كأنه من عنب الجنة.
دخلنا مدينة ياسوج ذات الهواء المعتدل عند الساعة الثانية عصرا، بعد أن طوينا أكثر من 600 كيلو متر.
ياسوج، مدينة تحيطها الجبال، يسكنها أكثر من مئة ألف نسمة، أكاد أن أجزم أن كلهم فرس.

دخلنا حديقة تسمى حديقة الساحل، أشجارها خضراء وجميلة والثيل فيها كأنه سجاد أخضر مفروش في ديوان.
والبستاني ممسكا خرطومه يسقي الأشجار واحدة تلو الأخرى والثيل شبرا شبرا، ليس كما يفعل البستاني في المحمرة، يفتح الماء ويتركه في مكان واحد يفيض إلى أن يخرج على الإسفلت، فبدل أن يسقي الأشجار والثيل، يسقي إسفلت الشارع. ولهذا السبب حدائقنا العامة تشبه الصحاري في هجير الصيف، يابسة وقاحلة.

جلسنا في ظل الأشجار وكأن مكيفا ينسم علينا هواء باردًا شاعريًا، بينما إن خرجنا في هذا الوقت في الأهواز لأذابت الشمس جلودنا من شدة حرارتها.

فما ذنبنا أيها المسؤولون وعلينا أن نشغل المكيفات ليلا نهارًا لتأتينا فاتورة الكهرباء بعدها تصعقنا برقم نجومي يتراوح مقداره بين المليون والمليونين من الريالات؟

ولعلمكم أعرف في الأهواز عوائل لا تستخدم المكيف أكثر من ساعتين، لأنهم ليسوا قادرين على أن يسددوا فاتورة الكهرباء.

ولكي نختلط مع الناس ونرى سلوكياتهم بتنا في الحديقة مع المئات من المسافرين، كل في خيمته.
دع عنك رخاء بيتك ونعومة مخداته وابني خيمة في الفضاء الطلق، تتمتع بالمناظر الطبيعية، عندها تحس بطعم السعادة في قلبك وتراه في سيماء وجوه أفراد عائلتك.

يوجد في الحدائق جميع ما يحتاجه المسافرون: أنابيب مياه شرب، أماكن لغسل الأواني، حمامات، ألعاب للأطفال.
ولم يجهزوا كل هذا لثواب موتاهم، بل يحصلون كل ليلة على الملايين من أطفال المسافرين وهم يلهون بالألعاب.

رأينا فئة تمثل في الحديقة والشوارع، يحكي أحدهم قصة ترافقه الموسيقى، ثم ينشد الآخر أشعارًا ترافقه الدفوف، وطبعًا بلغتهم الفارسية؛ وبهذا يحصلون على مبالغ لا بأس بها من المتفرجين.

وكم تمنيت أن تكون في مدينتي فرقة عربية تمثل كهؤلاء في الحدائق والشوارع، ولدينا قصص وأساطير كثيرة وأشعار عُرفنا بها.

فمن بعد (حسان كزار) القاص الأهوازي الذي كان يسجل أساطيره على أشرطة في عهد الشاه البهلوي برفقة الربابة، لم نر قاصًا تابع هذه الطريقة الجميلة.

في الصباح ذهبنا إلى شلالات ياسوج، وكانت شلالات تستحق عناء السفر إليها، طبيعة ساحرة خلقها الله ليرينا آياته، وكيف يفجر عيون المياه العذبة من فوق الجبال لتنزل تاركة في مسيرها أثرا أخضر خلابًا من الأشجار المختلفة، خاصة أشجار الجوز!
في هذه المناظر الشاعرية، إن هاجمك الاكتئاب والحزن، تسلحك شلالاتها بالبهجة والفرح وهي تومئ لك في كل آن أن افتح عينيك لنملأ صدرك سرورا.

ترتفع هذه الشلالات من سطح البحر 2200 مترا.
رأينا تمثال (رستم) بطل أسطورة الشاعر الإيراني (فردوسي) في أكثر من مكان، رأيناه في الميادين وعلى أبواب المنازل وفي الحدائق.

يقال أن فردوسي كان يكنّ حقدا للعرب وقد هجاهم في أشعاره، وحاول أن لا يستخدم كلمة عربية واحدة في ديوانه الذي يضم بين دفتيه أكثرمن خمسين ألف بيت من الشعر.

ذهبنا بعد ذلك، إلى مكان خلاب يسمى (سي سخت) ومعناه بالعربية (ثلاثون صعوبة). ويعني أنك تواجه ثلاثين صعوبة في طريقك.

يبعد سي سخت عن ياسوج 30 كيلو مترا، لكن طريقه جبلي مخيف خطر؛ فيه منحدرات صعبة، الجادة ضيقة تتعرج بك يمينًا وشمالا، تصعد منحدرًا لم تطو من قبل مثله، ثم ينعطف بك 180 درجة. فإن لم تكن سائقا متمكنا فلا تذهب لهذا المكان الذي أخافت منحدراته زوجتي وابنتي وولديّ.

لكنك إن تخطيت الخطر ووصلت بسلامة، ستعوضعك عيون الماء والشلالات والبساتين المتنوعة كل تعبك في السياقة، بساتين الخوخ والعنب والعرموط.

وإن شئت ادخل محافظة (دنا)، إنها محافظة لا تخلو من الجمال الطبيعي الذي أهداها الله.
مكثنا في ياسوج يومين ثم شدينا الرحال نحو (شيراز).

فإن كنت مهمومًا، سافر؛ فإن مناظر السفر الجديدة ستبدد همومك من دون أدنى شك.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى