الاثنين ٢ آذار (مارس) ٢٠١٥
بقلم إيمان أحمد

فعلٌ ماض مبنٍ على المصالحة

إذا ضبطت نفسك تصرّ بشدة على رأي ما، فانظر إن كنت تتبنى عكسه فيما مضى، أو يتبنى عكسه أحد قدواتك حين كنت صغيرًا أو مراهقًا؛ ابحث عن الماضي، وإذا وجدت من يُصِرّ بشدة على شيء ما يريد الهروب مما عكسُه فإنّه ربّما يوما ما كان متبنيًا للرأي المعاكس.

حين تصرّ بشدة وبدون نقاش فأنت ربما تقف ضدّ نفسك. الغريب أنّ شيئا في داخلك يعرف أنّك ترفض ذلك لأنّ هذا كان رأيك سابقًا، وفي غفلة كلّ ذلك تنسى أنَّ كل ذلك التعصّب ناتج من إحساسك تجاه نفسِك في السابق لا تجاه الشيء ذاته. هذا الغضب هو تجاه "أنتَ" الماضي أو من كانوا قدوتك سابقًا أو من وثقت فيهم.

الماضي الفِكري للفَرْد هو الأساس لأن التصرفات تقوم بناء على الأفكار المتبنّاة؛ لاحظ كيف كنّا نتبنّى أفكارًا دينية/حياتية معيّنة نتبرّأ منها الآن أو العكس؟ وخاصة في هذا الزمن المتسارع.

الماضي الفِكْري، العاطفي، الديني، الشخصي .. ليس شرطًا أن يكون شيئًا سيئًا أيًا كانت أحداثه؛ لأنّك الآن ما أنت عليه الآن بسبب ما حدث لك من قبل [قليل من الوفاء إذن]. لو كنتَ الآن أفضل، فلماضيك فضل ولكنّ الفضل الأعظم لإرادتك التي عَدَلَتْ بك نحو الأفضل، لو أنّك في السابق أفضل، فالوِزرْ على إرادتك التي خذلتك في الطريق، لأنّك لم تُغذِّها جيّدًا!
لو تركنا الماضي ليتحكّم في تصرفاتنا فقد ضَمِنّا خسران الحاضر والمستقبل.

لا مناص من تقبل ماضينا كما هو، ولايوجد طريقة صحية سوى أن نؤمن بأن شخصياتنا في الماضي تختلف عن أفكارنا، فمهما اختلفت أفكارنا، إلا أن جوهرنا سيظل المركب الوحيد الذي نشق به عباب الحياة، فعلام التنكر لجوهرنا؟
ما الفائدة من العيش بنيّة الانتقام من الدنيا لأجل ما حدث في الماضي؟ وما الذي سأجنيه بالبقاء في الماضي للأبد؟ بالضبط كما يقال:

من يريد التحرر من شئ عليه أن يعترف بيه ومن ثمّ يبدأ طريقا جديدا
أيّهما أفضل، أن تعترف أنّ ماضيك ليس جيدًا، أن تنوي أن تنأى بمسارك عن كلّ ما يتعلق بذلك الماضي، وبكامل وعيك تعترف بهذا الماضي، لا بفخر، ولا بندم، وإنما فقط بتقرير جامد حيادي، بلا أيّة مشاعر انتقامية، هجومية، عدائية. فقط بحِكمة من يريد أن يصبح أكثر سعادة.

أم البقاء ليل نهار في ندمٍ مفسدٍ لكلّ ما يمكن أن يكون في المستقبل لكلّ جميل ومثمر محتمل مقابل ما يستحيل تغييره.
لا يبكي الشّجر عندما تسقط أوراقه بل يصنع أخرى، لا يتوقّف الورد عن إثمالنا بالعِطْر لأنَّ به شوكًا، رغم أنّ الشوك من حاضر الورد لا ماضيه.

هذا ما سيقوله لك الطبيب النفسي، هذا هو واقع كلّ من يستطيع أن يكون سعيدًا في حياته، لن تتخلّص من كل ذكرى من تركك أو كرهك إلا بإنزالهم منازل الأشخاص الذين لا تهتمّ لأمرهم، ولنْ تتوقّف أبدًا عن نسيان من تريد أن تنسى بكرهه؛ لأنّ الكراهية فعل تآكل القلب باستمرار لصالح آخرين، لا يمكنك أن تكره شخصًا ما وتقول أريد أن أنساه، أنت بذلك تؤكد امتلاكه لقلبك، لا يعني كذلك أنّني أدعو لترك الحقوق، أنا أتحدث عن التجاوز النفسي للمواقف، لا الحقوق التي يجب أن تسعى لانتزاعها من مغتصبيك رغم أنوفهم!

لا حلّ في الماضي إذن سوى التصالح معه، لنعقد معه هدنة، سنعترف بوجوده، على الرحب والسَّعة، هناك ما سيسقط رغمًا عنّا بحُكْمِ الذّاكرة- وهذا يختلف من شخص لآخر-، وهناك ما سنتذكّره، فهو فِكْر آخر نختلف معه الآن بعقلانية وبنضج، وشخص مراهق علينا أن نتسامح معه، أو حتى مختلّ عقليًا يحاول التعقّل! كلّهم نفس الشخص. فعلام نخسر أنفسَنا وأرواحنا وشخصيّات أفضل يمكن أن نكونها لأجل ماض مبنٍ على الذاكرة؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى