الاثنين ٦ نيسان (أبريل) ٢٠١٥
بقلم عادل عامر

يهود مصر جالية في طريقها إلي الاندثار

أن الأعوام القليلة الماضية شهدت تحسنا طفيفا بالنسبة لمن بقى من اليهود الذين قل عددهم عن المائة ومعظمهم من النساء الطاعنات في السن، قبل وصول الإخوان المسلمين للسلطة، وهي جماعة يتكرر انجراف خطابها لتعبيرات معادية للسامية ماجدة هارون، رئيسة الجالية اليهودية، نشرت قبل يومين بيانا حزينا. لاسفنا، كتبت تقول، بسبب الحزن الشديد الذي نعيشه في الـ 11 شهرا الاخيرة، لن نعقد هذه السنة حفل الفصح. وهذا حزن مزدوج، على موت كارمن فينشتاين، رئيسة الجالية السابقة، عن شيخوخة صالحة وعلى الموت المفاجيء لناديا هارون، شقيقة ونائبة رئيسة الجالية الحالية. هارون هي الشابة بين الجماعة، عمرها يقترب من ستين. الاخرون أكبر منها سنا بعشرين سنة على الاقل. وحسب ما هو معروف تبقى في الجالية المندثرة لمصر 15 يهوديا بالاجمال. وقريبا سيسألون: من سيدفع للحارس عند مدخل المواقع اليهودية؟ن النزعة الوطنية المعادية للأجانب –التي فاقمها تأسيس إسرائيل عام 1948 وما تلاه من حروب- أدت إلى نزوح جماعي حتمي لليهود من مصر، وبحلول السبعينيات أغلقت كل المدارس والنوادي والمستشفيات اليهودية، وجاهدت المعابد اليهودية القليلة الباقية –تحت حماية أمنية شديدة- لتجمع نصاب 10 الرجال اللازم لإقامة الصلاة بها. هي نفسها، ماجدة هارون تفهم بأن القصة تقترب من نهايتها. هام لها اقامة متحف للتراث اليهودي، ليعلم الناس بانه كانت هنا جالية نشطة في مصر: وزير مالية، مؤسس المسرح، أطباء، محامون، مفكرون بارزون وممثلون سينمائيون. بعضهم تباهى بيهوديته، آخرون أصروا بالذات على اخفائها. وأنا أعرب ما لا يقل عن ثلاث نساء عجائز من المكانة الاجتماعية اللامعة، تمثلن من خلال الزواج وحرصن على البقاء بعيدا. ولكن على مدى السنين جعلن لهن عادة الاستراق الى الكنيس الكبير “شعاريه شمايم” في القاهرة. وهن يعتمرن غطاء رأس كبير، تابعن بعيون دامعة صلوات كل النذور.

هل كان اليهود المصريون مصريين فعلا؟ ولماذا تركوا مصر؟ طواعية أم تحت الضغط؟ هذه الأسئلة الجوهرية يحاول أن يجيب عنها كتاب «يهود مصر من الازدهار إلى الشتات
* انقسم اليهود في مصر إلى طائفتين حسب الانتماء الديني، كبراهما هي طائفة اليهود الربانيين وكانت تمثل غالبية اليهود المصريين، وهي الطائفة التي ينتمي اليها معظم يهود العالم، وهم يؤمنون حسب الكتاب بالأسفار التسعة والثلاثين من التوراة بالإضافة إلى التلمود، وهناك أيضا طائفة اليهود القرائين، وهي طائفة اصغر حجما وأقل نفوذا من الربانيين وهم يؤمنون فقط بالتوراة ولا يؤمنون بالتلمود،

وتعد اقدم جالية يهودية في مصر، فهي موجودة منذ اكثر من ألف عام، ويتميزون بأنهم يتكلمون العربية بلهجة مصرية سليمة ويكتبونها ويتحدثون بها في أعمالهم ومنازلهم ويعدون أنفسهم أولاد بلد، وكان عددهم نحو 5 آلاف عام 1948 إلا أن البعض يعتقد أن العدد الحقيقي ربما يكون اكبر من ذلك، وكان معظمهم يعيش في القاهرة في عطفة اليهود القرائين، وهي على حدود حارة اليهود الأصلية، وكان معظمهم من الفقراء الذين يشتغلون عمالا وصناعاً في صياغة الذهب والفضة والصرافة والتجارة التي يملكها اليهود الربانيون.

ويقدر الكتاب عدد اليهود المصريين الأصليين الذي عاشوا في مصر قرونا طويلة بنحو 10 آلاف أي نحو 15% فقط من الجالية اليهودية، وعاش معظمهم في حارة اليهود وبعض مدن وسط الدلتا، وكان معظمهم يشتغلون عمالا حرفيين، وكانوا في الأغلب من الفقراء، والكثير منهم كان بدون عمل مستمر ويعيشون على معونات الأثرياء من الجالية أو المؤسسات الخيرية. لم تكن حارة اليهود حارة بالمعنى الحرفي، فهي كما يورد أبو الغار، في الحقيقة حي كامل فيه شوارع وحارات كثيرة متصلة ببعضها البعض، وتقع في وسط القاهرة بين القاهرة الإسلامية والخديوية، وسكنها أعداد كبيرة من المسلمين والأقباط. وكان سكانها من اليهود مرتبطين بأمرين أولهما الدخل المحدود والثاني القرب من مصادر الرزق بالنسبة للحرفيين في الصاغة وغيرها. أما من تحسنت احواله المادية فكان يهجر الحارة إلى عابدين أو باب اللوق أو باب الشعرية. ومن يغتني أكثر، ينتقل إلى العباسية أو مصر الجديدة، ولم تكن الحارة ـ الشهيرة ـ مكانا إجباريا ملزما لسكن اليهود في أي زمان من التاريخ الحديث لمصر،

وفي الإسكندرية عاش اليهود في مختلف الأحياء حسب وضعهم الاقتصادي إلا ان فقراءهم كانوا يسكنون ما يعرف باسم سوق السمك. وقد كانت هناك جالية يهودية في الإسكندرية منذ نشأتها، وكان عدد يهود الإسكندرية في القرن التاسع عشر نحو 4 آلاف يهودي، ووصل عددهم إلى 18 ألفا في أوائل القرن العشرين، وارتفع إلى أربعين ألفا عام 1948، وكانت الهجرة من اليونان وتركيا وسورية ولبنان وفلسطين والمغرب وكذلك ايطاليا وفرنسا وكان نصف يهود الإسكندرية من اليهود المصريين
والنصف الآخر ينقسم إلى ثلاثة أقسام أولهم اللادينو من سكان البحر الأبيض المتوسط الذين هاجروا من أسبانيا والثلث الثاني من يهود إيطاليا وشرقي أوروبا، والثلث الثالث من يهود المغرب والشرق الأوسط الذين يتكلمون العربية، وفي أوائل الثلاثينات هاجرت مجموعة من يهود سالونيكي والنمسا والمجر وبولندا إلى مصر هربا من صعود النازية في ألمانيا.
عند اندلاع الحرب العالمية الأولى، قامت السلطات العثمانية في فلسطين بترحيل نحو خمسة آلاف يهودي إلى مصر، وحسبما يورد الكتاب فان سوارس رئيس الجالية اليهودية في الإسكندرية قام بالضغط على القنصليات الأجنبية في الإسكندرية لتلعب دورا في حماية ومساعدة اليهود، وقد أنشأت الجالية مدارس لأطفالهم وكان عدد التلاميذ يتعدى الالف، وكانت لغة التدريس هي العبرية

إن أربعة معابد تم ترميمها مؤخرا في القاهرة، وكذلك تم تطوير الجبانة اليهودية بفضل جهود الأم والإبنة بشكل كبير، اللتين قامتا أيضا بحملة شجاعة لوقف تصدير المخطوطات والآثار اليهودية المنقولة من مصر. إن الجانب المضئ للمجتمع اليهودي يعود لجهود الطائفة نفسها وعلى الأخص قائدتيها الأخيرتين؛ إيستر فاينستاين وابنتها كارمن اللتين امتلكتا متجرا متواضعا للأدوات الكتابية في وسط القاهرة، وأثبتتا عزمهما على الدفاع عن مصالح الطائفة وفي نفس الوقت أيضا على إعلان انتمائهما الوطني لمصر. أن هناك بين المثقفين المصريين حنينا للعصر الكوزموبوليتاني، مشيرة لعرض فيلم تسجيلي باسم "يهود مصر" يورد لقاءات مع يهود يحنون للعودة لمصر، قائلة إنه يعرض ما لا يمكن تصوره لأجيال نشأت على تخيل الإسرائيليين واليهود بشكل عام كأشرار. وأوضحت يديعوت أن الحاخام اليهودى المغربى، مارك الفاسى جاء خصيصا من فرنسا للصلاة على كارمن بسبب عدم وجود حاخامات فى مصر. ونقلت الصحيفة الإسرائيلية نعى السفير الإسرائيلى لكارمن، والذى زعم خلاله أنها كانت صديقة مقربة له بصورة شخصية، وأنها لبت جميع احتياجات الطائفة اليهودية فى مصر قبل رحيلها، وأنها ترأست الطائفة فى ظروف صعبة للغاية وحافظت على التراث اليهودى. وقالت يديعوت إن كارمن وينشتاين ساهمت بشدة فى الحفاظ على المعابد القديمة فى مصر ومقابر اليهود بمنطقة البساتين، مضيفة أن خليفتها ماجدة هارون أعلنت أنها ستساهم هى أيضا بجانب شقيقتها المحامية نادية هارون فى مواصلة الحفاظ على هذا التراث وتسليمه للمصريين. وأضافت يديعوت أن عدد الناس الذين ينتمون إلى الطائفة اليهودية فى مصر يصل عددهم اليوم لأقل من ثلاثين شخصا، وأنه يرجع ذلك إلى صعود جماعة "الإخوان المسلمين" إلى السلطة فى مصر قبل بضعة أشهر. وكانت قد أكدت هارون خلال حفل التأبين أن ما تبقى من الجالية سيظل يعيش فى مصر حتى النهاية، وأن هذا العدد ظل فى مصر برغم كل الظروف التى مرت بهم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى