الاثنين ٢٧ نيسان (أبريل) ٢٠١٥
بقلم جميل السلحوت

الجهل المقدس والأفراد

ومن عجائب ثقافتنا، وتقديسنا لثقافة الجهل دون أن نشغل عقولنا في تمحيصها، أنّ ذلك لا يقتصر على تقديس مؤلّفات الأقدمين فقط، بل يتعدّاها إلى تقديس الأفراد أيضا. فكلّنا «نقدّس» الآباء والأجداد ولا نرى في حيواتهم ومسيرتهم أيّ شائبة تشوبها. ومغالاتنا في ثقافة التّقديس هذه تمتدّ عبر تاريخنا إلى أيّامنا هذه، وسيرثها أبناؤنا من بعدنا، لأنّنا نربّيهم عليها! لذا فلا عجب أنّ تاريخنا المدوّن كلّه انتصارات ويخلو من الهزائم، مع أنّ الواقع عكس ذلك تماما. وتقديس الأفراد ليس حكرا على الحكّام والمتنفذين فقط، بل يتعدّاه إلى المتنفذين عائليا أيضا! وإلى المتنفذين الحزبيّين بغضّ النّظر عن انتماءاتهم الفكريّة والعقائديّة، وتصل الضدّيّة في ثقافتنا أنّ الأحزاب التي تدعو إلى الديموقراطيّة في مؤسّسات الدّولة تستثني نفسها من ذلك! فرؤساء الأحزاب والتنظيمات، والقيادات المحيطة بهم يبقون خالدين فيها إلى أن يغيّبهم الموت، وكأنّه لا يوجد بين أبناء شعوبهم من يقدر على مواصلة المسيرة! وإذا ما ماتوا فإنّ المخاوف تثار من امكانية انهيار الحزب أو التنظيم، وكأنّ هذه الأحزاب قائمة على أفراد بعينهم! وهذا بالتأكيد امتداد لثقافة العشيرة التي ترى عزّ القبيلة ومنعتها بشيخها فقط! وحتّى شيخ القبييلة إذا ما تذيّل لجهات أجنبيّة تبحث عن مصالحها في البلد، فإنّ أتباعه وورثته لا يخرجون على ذلك النّهج، بل ولا يفكرّون حتّى ببحثه! وتقديس الأفراد المتنفّذين هذا يكون على حساب البلاد والعباد، وهنا يبدو أنّ مفهوم الوطن والمواطنة لم يترسخ في عقولنا بعد...ومن هنا فإنّ ضياع الوطن مقبول أكثر من فقدان "الأخ القائد"! وإذا عدنا قليلا إلى الوراء سنجد على سبيل المثال أنّ الأحزاب التي تعتبر نفسها "طلائعيّة" اعتبرت حرب حزيران عام 1967 انتصارا؛ لأنّ اسرائيل لم تستطع اسقاط "النّظامين التقدّميّين" في مصر وسوريا! وكأنّ احتلال ما تبقي من فلسطين وجوهرتها القدس، وصحراء سيناء المصريّة ومرتفعات الجولان السورية، ووقوع ملايين المواطنين تحت احتلال أهلك البشر والشجر والحجر لا يعني شيئا!

تماما مثلما تمسّكت التّيّارات الدّينيّة بنظام عمر البشير "الاسلامي" مع أنّه مسؤول عن تقسيم السّودان!

من هنا فإنّ الدّعوة إلى تمحيص "المؤلّفات الدّينيّة القديمة" ومحاولات تنقيتها من الخرافة والأساطير والأكاذيب، كما يفعل الدّكتور اسلام بحيري، والمفكر الاسلامي عثمان صالحية في مؤلفه "الدّراية- الفريضة المصيريّة الغائبة في التّراث- الشّفاعة أنموذجا مفصّلا" تلقى معارضة شديدة تصل إلى درجة التّكفير من قبل مقدّسي القديم!

فهل سنبقى على حياد في الحياة المعاصرة متمسّكين بتراث يعجّ بالجهل والخرافة والأكاذيب "جعلنا أضحوكة بين الأمم"؟ وهذا يعني أنّنا لن نخرج من هزائمنا إلى ما شاء الله؟ وسنبقى في احتراب واقتتال داخليّ معتمدين على نصوص تتلفّع بعباءة الدّين والدّين منها براء. أم أنّنا سنعيد حساباتنا من جديد؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى