السبت ٤ تموز (يوليو) ٢٠١٥
مسلسلات رمضان تردي القيم
بقلم عادل عامر

وتراجع للذوق العام وطمس الهوية

بعد أيام قليلة من شهر رمضان الكريم، بدأ الهجوم على العديد من المسلسلات وبرامج المقالب، لكن المفاجئ أن في مقدمة الأصوات المهاجمة نقابة المهن التمثيلية ، وذلك بعد تولي الفنان أشرف زكي منصب النقيب. يبدو أن القائمين على بعض الأعمال الدرامية هذا العام لم يجدوا وسيلة تنافسية لتحقيق أعلى نسب مشاهدة وترويج لأعمالهم غير الإثارة اللفظية والحركية، مع وجود حبكة درامية قائمة على المشاهد الساخنة والرقص والعري، غير مراعين حرمة الشهر الكريم أو مشاعر المشاهد العربي، الأمر الذي دفع عدداً كبيراً من متابعي هذه الأعمال لإطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي ضد فنانين وأعمال كاملة مرفوضة “أخلاقياً” لما تحتويه من مضمون.

وأصدرت النقابة ومجلس أعضائها بياناً يهاجمون فيه العديد من البرامج والفنانين والمسلسلات والتي وصفوها ب«الوقحة» ،وليست على قدر المسؤولية. في زمان قد اختلط فيه الجمال بالقبح ..ولم يُعرف للحس الراقي مكان ..زمانٌ قد طغت فيه المادة على الروح وضاع الإنسان مع قطار الحياة المتسارع.

لذلك نقول :- لم يتبقى منه سوى بقايا إنسان يحمل بين جنباته قلبٌ قد فتر حسه وعقلٌ قد نام في سباتٍ عميق سلوكه وأخلاقه .. قيمه وأفكاره تتسم بالمادية والسطحية .. لا بل بالجمود و التقليد وبكى على زمانٍ كان فيه صانعاً للإبداع .. إبداع الكلمة والأدب والعلوم والطب والفنون فكان مكانه في القمم بين الأمم اضمحلت قيمه وسلوكياته .. واختلطت بمزيج غريب لا يتناسب وفطرته .. فاختل الذوق العام ، فأصبح يعيش في صخبٍ فكري وشعوري دعوة نوجهها لكل أصحاب الإبداع والمواهب الفنية والمهتمين بنهضة المجتمع وإصلاحه.

وجاء في البيان: «تعيش مصر مرحلة حرجة من تاريخها، تستوجب منا جميعا التكاتف وتضافر الجهود، للخروج بها من هذا المنعطف التاريخي الخطير. وتعتبر قوى الفن الناعمة هي السلاح الأوفر حظاً في أزمنة السلام، فعن طريقه يمكننا أن نقاوم تشويه الخطابات ،وتردي القيم وتراجع الذوق العام وطمس الهوية.

لذا، تناشد نقابة المهن التمثيلية كل الجهات المنتجة للدراما التلفزيونية بأنواعها والبرامج التلفزيونية بأشكالها أن يكونوا جميعا على مستوى المسؤولية. هناك أعمال فنية وأدبيه عكست طابع الحياة الاجتماعية والنظم الاقتصادية والسياسية في هذه الفترة أو تلك دون أن يكون لهذه الأعمال تدخل أو رؤية نقدية تتفاعل مع واقع الحياة الموجود وإنما مثلت دور نقل وتصوير هذا الواقع كما هو بالشكل الذي أدى أن تصبح هذه الأعمال والنتاجات مادة غنية أثرت الدراسات والبحوث التاريخية بحقائق مهمة كان لها اثر في قطع شوط واسع من الجهد التاريخي المثمر.

* وهناك اتجاهات كانت غايتها التعبير عن المعتقدات بمختلف أنواعها عكست طريقة تفكير الإنسان عبر الحقب الزمنية المختلفة وتفسيره للظواهر والأحداث والوقائع بالشكل الذي يعكس للمتتبع تسلسل تطور الفكر الإنساني وانتقاله من البدائية إلى المراحل اللاحقة وما تخلل هذا التطور من أسباب قادت إلى حدوث مختلف التحولات والتغيرات في نظرة الإنسان وتفاعله مع معطيات الحياة المختلفة.

* في أعمال ونتاجات أخرى نجد تعبيرا عن شعور الإنسان بما حوله من جزئيات وتفاصيل تخص واقع حياته وما يتخللها من لذة وأفراح ورفاهية وسعادة ،وأحزان والآم ،ومعاناة وحرمان وهذه الأعمال والنتاجات كذلك تدلنا على العوامل والأسباب التي أدت إلى نشوء الظروف المختلفة وتأثيرها على معيشة الإنسان وراحته مما يعطينا تفسيرا لطبيعة هذه المرحلة أو تلك من التاريخ الإنساني.

وبالإضافة إلى الاتجاهات المتقدمة هناك أعمال فنيه وأدبيه- وهي موضوع البحث- عالجت ما ينبغي على الإنسان من التزام تجاه القيم والمبادئ الأخلاقية من خلال تجسيد النواحي الايجابية في السلوك الإنساني والتأكيد على دور الإنسان الفاعل في إقامة الحياة على أسس تحفظ للمجتمع هيبته وتحافظ على كيانه من التصدع نتيجة الضعف والوهن الذي قد يصيب النظم الاجتماعية بسبب الحروب والأزمات والظروف المختلفة ،فمما لا شك فيه إن هذه العوامل أحدثت و تحدث شروخات في البنية الاجتماعية وفي العلاقات القائمة بين أفراد المجتمع نتيجة التدافع والتزاحم على تامين متطلبات الحياة بتأثير الظروف العسيرة، الأمر الذي يؤدي إلى انحسار ذلك الترابط والتواصل المعهود بين الأفراد ومن ثم سيادة أوضاع اجتماعية تصطبغ بصبغة الظروف المذكورة.

هذا هو دور الأدب والفن في إعادة ترميم المنظومة الأخلاقية للمجتمع بعد الدمار والضرر الذي يلحقها نتيجة ظروف معينه كالظروف التي مرت بنا ولا زالت تأثيراتها قائمة.

إلى أي حد يقترب أداء الكثير من الأعمال الفنية والأدبية من هذا الدور في ما نشهده اليوم من انفلات إعلامي وتزايد مستمر في وسائل النشر والبث الإذاعي والفضائي؟

إلى أي حد يقترب من أداء ذلك الدور المفترض إن يقوم به كل فنان وأديب بل كل مثقف باعتباره داعية إصلاح وحامل رسالة تخاطب إنسانية الإنسان ومشعل نور يرفد الحياة الاجتماعية بما يجود به من إنتاج وإبداع فهو صاحب وظيفة غايتها نشر الوعي وكل ما له صله لبناء شخصية الإنسان بناء يؤدي إلى إشاعة المفاهيم التربوية والأخلاقية وترسيخ القيم الوطنية في المجتمع ،والمثقف ينطلق في مهمته هذه من حصيلته المعرفية وتجربته الاجتماعية وفقا لتفاعله مع معطيات محيطه الاجتماعي

وبذلك فأن المثقف في كل مجتمع أمام مسؤولية كبيرة وهذه المسؤولية هي المحافظة على مفاهيم سليمة صالحة للتعامل الاجتماعي ومنع المؤثرات الطارئة نتيجة الظروف المختلفة من أن تلحق ضررا في المنظومة السلوكية الصحيحة لأفراد المجتمع ونعود للسؤال المتقدم إلى أي حد يقترب أداء الفنان والأديب اليوم من هذه المهمة ؟

وأضافوا: «تابع الأعضاء ببالغ الأسف بعض المسلسلات الرمضانية التي تعرض مشاهد العري بصورة وقحة، وغير مبررة دراميا، ما يفسد الذوق العام ويخلط الإبداع المتحرر في أذهان الجماهير بالإثارة الرخيصة، ما يشوه جهود الفنانين المتحررين أصحاب الرسالة ،ويساوي بينهم وبين الباحثين عن الشهرة والمال دون مراعاة لأي قيم جمالية أو فكرية أو اجتماعية».

واختتموا بيانهم: «تدعو النقابة أعضاءها لمقاطعة مثل هذه الأعمال وعدم التورط في إفساد الذوق العام وتشويه الخطاب الاجتماعي».

وصدر البيان بعد عرض الحلقات الأولى من برامج رمضان، وظهر في بعضها مشاهد تخللها سباب وشتائم صريحة، ومشاهد رقص وعري بما لا يتناسب مع حرمة الشهر الكريم.

ورغم أنه لم يتجاوز 10 أيام على أول الشهر، وعلى عرض مسلسل الفنان عادل إمام «أستاذ ورئيس قسم»، إلا وظهرت أخبار تؤكد أن نقابة علماء مصر أقامت دعوى قضائية، طالبت فيها بوقف عرض المسلسل فوراً بسبب أن المسلسل أظهر في الحلقة الثانية منه، شخصية دكتور جامعي يدعى «فوزي جمعة»، الذي يجسد دوره عادل إمام، وهو برفقة طلابه ومساعديه في الحزب اليساري الذي يعمل به، وهم يشربون الخمر، ويتعرفون بغانية في أحد الملاهي الليلية. من جهتها، نفت النقابة في بيان لها أنها أقامت أية دعوى قضائية، وكل ما قيل إنهم معترضون على مشهد معين ضمن أحداث المسلسل، وهو غير صحيح بالمرة، وكل ما قيل مجرد شائعات، لا أساس لها من الصحة.

تعد القيم من العناصر الفعالة في مجالات الالتقاء بين الثقافة العربية والنظام الاجتماعي العربي فهي أحد القوا سم المشتركة بينهما وتقوم بدور حيوي مؤثر فيه وتعطي لهذا المجتمع ذاتيته الثقافية المتميزة التي تجعله قادرا على التفاعل والازدهار والنمو الاجتماعي مع النظم الاجتماعية والثقافات الأخرى على النحو السليم. ولكي تكتمل الصورة نوضح ما هو المقصود أولا بالقيم ؟ هناك اختلافات بين علماء الاجتماع في تعريفهم للقيم لدرجة أن وصل الأمر إلى وجود اتجاهات مختلفة حولها فهناك من يعرف القيم بأنها تعني أي موضوع أو حاجة أو رغبة ويستخدم هذا المصطلح في معظم الحالات حين تظهر علاقة تفاعلية بين الحاجات والاتجاهات والرغبات من جهة والموضوعات من جهة أخرى , كما أن مصطلح القيمة يعني دائما في علم الاجتماع والانثروبولوجيا المستويات الثقافية المشتركة التي يحتكم إليها في تقدير الموضوعات والاتجاهات الأخلاقية أو المعرفية

كاتب المقال

الدكتور عادل عامر دكتور في القانون العام ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية وخبير بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والإستراتيجية وعضو المجلس الرئاسي للشئون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى