الثلاثاء ١٤ تموز (يوليو) ٢٠١٥

كيف ستكون القدس من دون مسيحييها

ندى الحايك خزمو

بيانان وزعا مؤخراً في مدينة القدس، يحملان توقيع ما تسمى الدولة الاسلامية بالعراق والشام.. ويحتويان على تهديد ووعيد لمسيحيي المدينة: "تطهير الأحياء الاسلامية في القدس من "النصارى" خلال شهر رمضان، بدءاً بأحياء بيت حنينا، ثم شعفاط وباقي احياء القدس، وصولاً الى البلدة القديمة... الخ. إما ان يرحلوا عن المدينة او سيكون مصيرهم الذبح مع اشراقة عيد الفطر"...

والبيان الثاني يؤكد على ما جاء في البيان الأول .. ولم يتم الاكتفاء بالبيانات بل خُطت عبارات " الدولة الإسلامية" على الجدران في منطقة بيت حنينا لإعلان تواجد "داعش" في القدس.

هل وصلت "داعش" فعلاً الى القدس أم انه اسلوب من أساليب المخابرات الاسرائيلية لاشعال نار الفتنة بين صفوف ابناء شعبنا كما جاء في تصريحات من نددوا بالبيانين؟! سؤال يطرح نفسه في الشارع الفلسطيني وتحديداً من قبل ابناء شعبنا المسيحيين: هل نخاف على أنفسنا من "داعش" أم نطمئن النفس بأنها مجرد ألاعيب المخابرات الاسرائيلية كما يقال؟!
لنبدأ بالافتراض الأكثر رواجاً لدى معظم من علقوا على البيانين.. وهو ان هذه البيانات وسيلة من وسائل المخابرات الاسرائيلية لدق اسفين بين مكونات المجتمع الفلسطيني.. وهذا احتمال وارد لما عهدناه من استخدام الاحتلال باستمرار لمثل هذه الاساليب لهدف تعزيز الانقسام الديني بعد أن تم تحقيق الانقسام السياسي بين أبناء شعبنا.. وأيضاً للاساءة الى الدين الاسلامي ووصفه بأنه دين قتل وذبح و... الخ.

وان كان هذا الاحتمال هو الصحيح فلماذا في هذا التوقيت بالذات؟ والاجابة هي، انه بعد أن شهد مجتمعنا الفلسطيني مؤخراً وفي هذا الشهر الفضيل، وبخاصة في القدس، من مساعٍ لتعزيز الوحدة الوطنية والدينية المسيحية والاسلامية، فلم يرق هذا الأمر للاحتلال، فعمل على دس مثل هذه البيانات من أجل تفسيخ وحدتنا الدينية، ولنشعر بأن فلسطين والقدس بالذات ليست بمنأى عما يحدث في الدول العربية مثل العراق وسورية، وبأن ما يحدث للمسيحيين في تلك الدول سيصل الى فلسطين.
ولنأتي الى الافتراض الثاني وهو ان "داعش" وصلت فعلاً الى فلسطين، فاذا كان هذا الافتراض هو الصحيح، فان تراخينا في معالجة الأخطاء من جذورها هو السبب لوصول التطرف الديني بين ظهرانينا . ففي كل مرة يتم الاعتداء فيها على المسيحيين نقول نفس الكلام بأن ذلك من عمل المخابرات، ولا نعمل من أجل حماية المسيحيين من هذه الاعتداءات التي تكررت مراراً وتكراراً.. نضرب دائماً على وتر الوحدة الوطنية واللحمة والتآخي بين المسيحيين والمسلمين وبخاصة في القدس.. إذ ان التعايش بين الديانتين في هذه المدينة كان مثالاً يحتذى به، حيث كانت قلوبنا جميعاً على بعضنا البعض، فلا فرق بين مسيحي او مسلم الا بمقدار انتمائه الى وطنه وقدسه.. ولكن ليس في كل مرة كان الاحتلال هو اليد التي حاولت تخريب هذا النسيج الاجتماعي المثالي الذي عشناه على مر سنوات طوال، بل ان للتطرف الديني دوراً كبيراً بهذا الصدد، شئنا أم أبينا تصديق ذلك، وقد بتنا نلمس هذا التطرف بشكل واضح وتمثل في عدة أحداث وحوادث شاهدناها، وصمتنا وسكوتنا وعدم محاولتنا التصدي لهذا التطرف الديني أدى الى فتح الباب على مصراعيه له ليبدأ في تفتيت وحدتنا وتعايشنا وتآخينا الخ..

البعض يقول لننتظر ونرى ماذا سيحدث عند انتهاء شهر رمضان المبارك، وحينها سيظهر هل التهديد حقيقي أم لا.. فهل هذا هو الجواب على التساؤلات؟ وهل يجب أن نكتفي بالافتراض بوقوف الاحتلال وراء هذا التهديد، وننسى الافتراض بحقيقة وصول "داعش" الى القدس كما وصلت قبل ذلك الى غزة؟!وماذا اذا كان التهديد حقيقياً وبدأت "داعش" في تصفية المسيحيين. فهل سننتظر الى ان يحدث هذا ام نعمل على وأد الارهاب في مهده وقبل ان يصل الى أبناء شعبنا؟!
وهنا ننوه بأن المسيحيين متمسكون بأرضهم المقدسة، ولن يخافوا أي تهديد او وعيد، باقون هنا شاء من شاء وأبى من أبى ولن ترهبهم مثل هذه البيانات او كل المحاولات لترحيلهم عن قدسهم ووطنهم.

فكيف سيكون عليه الحال في القدس من دون المسيحيين فيها؟!ففلسطين هي ارض الديانة المسيحية أكثر من أي ديانة اخرى، فهي التي شهدت ميلاد وحياة وموت وقيامة السيد المسيح له المجد، والسياحة المسيحية هي الشيء الوحيد الذي يجعل القدس تصمد أمام مخططات الاحتلال وضرائبه الباهظة التي تهدف الى ضرب اقتصاد المدينة وهجرة سكانها منها. اننا نعتز بالوحدة الوطنية وبالتلاحم المسيحي الاسلامي وبخاصة في القدس، وهنا نذكر بالبطريرك صفرونيوس الذي سلم مفاتيح القيامة لعمر بن الخطاب، والذي بدوره كان حكيماً فرفض اقامة الصلاة في الكنيسة حفاظاً على قدسيتها وهذا مثال كان يجب ان يحتذي به من قبل من يتمسكون بالدين الاسلامي بصورة متطرفة ومغلوطة ولا يحترمون قدسية الاماكن المسيحية وحتى الاسلامية.

يجب ان نواجه هذا التطرف ونضع حداً له، بأن يكون هناك موقف صلب من قبل كبار علماء الدين المسيحيين والمسلمين للتصدي لمثل هذه الظواهر التي تسيء لشعبنا ولا تخدم الا أعداءنا، ويجب أن تكون هناك اجراءات عملية لمنع انتشاره..
أجراس الكنائس تقرع والمآذن تصدح في وقت واحد اعلاناً لوحدة وطنية دينية، نتمنى ان لا تسمح لأي كان أن يدمرها وان يفتت جسدنا الواحد، كما يفعلون في دولنا العربية الأخرى.

ندى الحايك خزمو

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى