الاثنين ٢٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٥
بقلم حسين رحيم

الرواية سينمائيا

الرواية بحسب مفهوم سارتر هي علامات والقاريء يفك هذه العلامات وهي المرآة لخيال المؤلف لأنها رؤيا للعالم بعيني طفل وعقل فيلسوف ..ولو عدنا الى الوراء قليلا سنجد إنها فن اصيل وقديم يعتمد الحكاية والروى لكنها تطورت كثيرا حتى اصبحت عبارة عن سرد طويل ولاينتهي من العلامات وألأشياء وألأشارات وألأستعارات والتلميحات تنحى منحى كابوسي أو إشراقي ..لكن هل نستطيع إخضاع هذا الفن ألأبداعي لقانون اللغة السينمائية .هذا القانون الذي يمتلك معطياته وأدواته الخاصة به والتي ليس مثلها آخر. فالسينما بحسب رأي المخرج بول وارن هي تصوير الواقع بالواقع نفسه ..لكننا نجد في الرواية هذا التصوير إنما ليس بالواقع بل بالعلامات والرموز وألأشارات، فعندما يتحدث المؤلف عن الحصان فهو يقصد الجموح وألأصالة والرشاقة ..زالخ ، إنه يعطيك هذه الرموز وألأشارات بكلمات باردة لها أكثر من دالة وأنت بوصفك قارئا تفك رموزها وتستخدم خزين ذاكرتك الصوري لأعطاء شكل وحجم ذلك الحصان وهنا تفتح مسارب وقنوات لصور هذه الذاكرة وذلك بحسب ميول ومهنة ومزاجية وثقافة المتلقي ..فرؤية الرسام للحصان تختلف حتما عن رؤية الحوذي ومقامر مراهنات الخيل والبدوي .. إذن هنالك أكثر من صورة وأكثر من تشكيل له .لأن قاريء الرواية يمارس شكلا من اشكال ألأخراج السينمائي لكن في مخيلته فقط ، أما في السينما عندما يحاول التعبير عن حصان بصورة أو بأخرى فأنه يأتي بحصان حقيقي ،وهذا يحدد كثيرا من الرؤية الخيالية للمتفرج ، لذلك نجد إن إستخدام الرمز في السينما عملية معقدة جدا وليست كاألأدب ...اوكما يقول المخرج ألأيطالي بازوليني ...عندما أرمز لفيل أو تفاحة أو حقيبة فأنني ملزم بأستخدام فيلا حقيقيا وتفاحة حقيقية وحقيبة حقيقية ، أما طريقة التعبير عن ذلك فهذا مسألة اسلوب ويتحدد بحسب مستوى قواعد اللغة السينمائية ، لكن المونتاج والموسيقى واللون يساعد كثيرا على طرح الرمز .

ومن الجدير بالذكر أن المخرج الروسي الكبير ايزنشتاين هو المخرج ألأكثر تأكيدا على عملية المونتاج والذي ابدع فيه وخاصة في (المدرعة بوتمكين) ، إذ يعتقد بأن طبيعة الوجود البشري يعتمد على الجريان والتغيير المستمرين وأن تذبذب الطبيعة ألأزلي هو الحالة الجدلية أي نتيجة تصارع ألأضداد وهذا ما نجده عند الفيلسوف هيراقليطس إذ يقول إن ما يبدو ساكنا أو موحدا في الطبيعة انما هو آلآتي فقط . إذ أن جميع الظواهر الطبيعية هي في حالات مختلفة من الصيرورة .
كان ايزنشتاين يعتقد بأن صراع ألأضداد هذا هو ابو الحركة والتعبير. ووظيفة الفنان هي أن يعطي المشاهد الحساسية تجاه النبض ألأزلي للكون الكبير . فالسينما هي من الناحية الكامنة على ألأقل ، أكثر الفنون شمولا ، لأنها يمكن أن تجمع الصراع البصري البحت للرسم والصراعات الحركية للرقص وصراعات الفعل والشخصية في الدراما والقصص الخيالية وبأضافة العنصر الجديد للسينما مؤخرا وهو الكومبيوتر ..اصبح إحتواء الفن السابع لكل عناصر التشويق والشد وألأبهار .إن هذه ألأضافات الجديدة والنجمة عن عمليات تقنية رفيعة المستوى جسدت وبفعالية خارقة الخيال ألأسطوري وبشكل مذهل وبكل ما يتعلق بالخوارق البشرية والحيوانية والخيال العلمي وما نتج عنها من تلاعب بوظائف الجسد البشري ..فيلما (القناع وآفاتار) ..أو إعادة تشكيل وتكوين الحيوانات المنقرضة كالديناصورات ..فيلم ( الحديقة الجوراسية، بأجزائه الثلاثة ) لسبيلبيرغ أو اعادة صياغة الكوارث الطبيعية بشكل درامي حزين ( فيلم تيتانيك) لجورج كاميرون ، وتداخل ومحايثة الواقع بالحلم /الكابوس وتوازيهما بحيث لايمكن التمييز بينهما ويجعل المتفرج في سؤال طيلة العرض ..اين الواقع ..اين الحلم..فيلم (ماتريكس) للأخوين ووتشاوسكي ..

إن هذه وغيرها من ألأفلام اعادت للسينما نكهتها ألأولى من خلال عنصري ألأدهاش وتحقيق مستحيلات الخيال ، انذاك تلك التي بدأها عباقرة السينما العالمية ، ألأخوة لوميير وجورج ميلييه وكريفث حين كانت السينما بوصفها عنصر ألأبهار وألأدهاش ألأول في ذلك الوقت .ففي البداية كان إعتمادها على ألدب كثيرا ، فجورج ميليه استخدم المواد ألأدبية كأساس للعديد من أفلامه فيما أدعى كريفث إن العديد من تجديداته في السينما كان مأخوذا في الواقع من صفحات ديكنز وهذا ما يؤكده ايزنشتاين في مقالة (ديكنز وكريفث والفيلم اليوم )..فيريينا كيف قدمت روايات ديكنز لكيفث عددا من التقنيات بضمن ذلك ما يقابل ألأختفاء التدريجي والتداخل وتكوين الصورة والتجزئة الى لقطات ، والعدسات الخاصة بالتحوير واهمها مبدأ المونتاج المتوازي حتى إن أيزنشتاين يحول الفصل 21 من رواية اوليفر تويست الى نص تنفيذي ليدل على أحاسيس ديكنز السينمائية ، لكن لابد من القول إننا وفي بدايات ألألفية الثالثة لم تعد لدينا القابلية الذهنية لمتابعة تفصيلات حركة اوليفر تويست في شوارع وازقة لندن ..وقد اشار العديد من المعلقين الى القيمة السينمائية لآكثرلأكثر الشعر والروايات الحديثة من تلك ألأعمال الكلاسيكية مثل (يو أس أي) لدوس باسوس و(عوليس) لجيمس جويس ، والصخب والعنف لوليم فوكنر ومائة عام من العزلة لماركيز، وكما سبق وذكرنا فأن العلاقة بين هذين النمطين يعود الى طفولة السينما تقريبا .
بعد مجيء الصوت الى السينما اصبح الحوار مسؤلية الكاتب الذي يلخص غالية الفعل وهو الذي يبدأ الموضوع الرئيس وبتفصيل كبير احيانا .

وعندما النص السينمائي أكثر تعقيدا ودقة ، وألأهم من ذلك أكثر مشافهة ...انجذب عدد كبير من ألأدباء والروائيين الى هذا الوسط السمعي البصري . جاء وليم فوكنرمدفوعا بالدهشة وألأبهار لكنه سرعان ما أصيب بخيبة ألمل لأصطدامه بشيء اسمه (السيناريوالتنفيذي) الذي حدد الكثير من ادبية النص الذي كان يكتبه . وبعد كتابة عدد من النصوص التجارية الهابطة عاد مخذولا ، وكذلك فعل سكوت فيتزجرالد وغيرهم .

إن صنعة كتابة السيناريو فن صعب لذلك نجد عن العديد من كبار صانعي ألأفلام يكتب نصوصه بنفسه ، من هؤلاء بركمان وكوكتو وايزنشتاين ورنوار . وعلى العموم ان اغلب كبار المخرجين كان له اليد الطولى في كتابة نصوصه ولكنه جلب كتابا آخرين لتوسيع افكاره ومنهم فلليني وتروا وكوروساوا وانطونيوني ..هذا يؤكد حقيقة ان النصوص السينمائيةهي تمهيد للفعل التنفيذي للمخرج المؤلف لذلك نادرا ما توفر قراءة ممتعة لأنها مجرد خريطة أو مؤشر للأنتاج النهائي، النص السينمائي يفقد الكثير بخلاف النص المسرحيالذي يمكن قراءته عادة بمتعة ، حتى النصوص المفعمة بالتفصيلات نادرا ماتقدم لنا احساسا بالميزانسين الفلمي وهو من اهم طرق التعبيرالتي في متناول يد المخرج وهذا يتبين في ألأختياربين اللقطة الكبيرة واللقطة البعيدة وما يخلفانه من ردود فعل سايكولوجي لدى المتلقي ،،،، وهنا لابد من استعراض لبعض ألأعمال الرروائية الكبيرة التي تناولها مخرجون كبار كالحرب والسلام التي اخرجها بوندار شوك وموبي ديك التي اخرجها جون هيوستن عن سيناريو لراي ماكبث، والجريمة والعقاب ورواية العراب اخرجها فرانسيس فورد كوبولا ، كذلك عرش الدم عن ماكبث للمخرج الياباني كيراساوا،

نلاحظ إن هذه النماذج كانت متباينة التأثير على المتلقي ..فالعراب لماريو بوزو لاتخرج عن كونها رواية عادية لكن كوبولا جعل منها فيلما ملحميا عن المافياوكذلك ماكبث شكسبير إذ استطاع كيراساوا تقديم عمل ينتمي اليه من خلال استعارة شكسبير وهذا يؤكد حقيقة إن ألعمال ذات الطابع الذاتي هي الوحيدة التي تنجح في تحويل شكل فني الى شكل فني آخر من خلال من خلال فنان اصيل لايأبه لأي نموذج آخر .

وبعد ..ماذا يحدث... مالذي يشاهده المواطن العادي في أغلب بقاع العالم ، الذي غزته شاشات البلازما العريضة بأنواعها ذات ألأبعاد الثلاثة وhd وغيرها من وسائل ألأبهار والتشويق ..والسباق مازال محموما .انها عودة الى نقطة البداية ولكن بشكل عادي ... فشركات الأنتاج السينمائي في هوليود بأعتبارها سيدة السينما في العالم... على ألأقل لنا نحن القاعدون في مشرق ألأرض ..هذه الشركات تنفق ملايين الدولارات على فلم امده ساعتين لتجعل المتفرج مشدودا الى الشاشة وهو حابس انفاسه ..فأغلب هذه ألأفلام ترتكز على حكاية عادية جدا واحيانا تضيع هذه الحكاية وسط زحمة الاعيب الدجتل والخيال ألأفتراضي .. وحين ينتهي الفيلم لايستطيع المتفرج الحديث عنه لأنه غير حقيقي بطلا وحكاية ..فقد ذهب زمان الذي يجعل المتفرج وهو يخرج من السينما وهو يتخيل نفسه بطل الفيلم ..هذا ألأسقاط الجميل غادر السينما آلآن ، ولم يعد للفن السابع نكهته القديمة تلك وضاع السيناريو ..وفقدت الكاميرا هيبتها وامست طيرا مجنونا يلاحق البطل اينما يذهب ... واصبح المخرج يقضي اغلب وقته امام شاشات الدجتل لصنع واقع وهمي يتحكم فيه ..فأفلام مثل ( الحديقة الجوراسية بأجزائه الثلاثة ونهاية العالم 2012 والمومياء بأجزائه الثلاثة وسجناء العالم السفلي وتيتانك وافلام الزومبي ومصاصي الدماء مثل السياف.. وافلام القاتل المتسلسل ..بألأضافة الى افلام الرعب .كلها تشترك في قصصها العادية جدا ..إن مايميز جميع هذه ألأفلام هي أنها بلا رصيد مستقبلي بمعنى إنها لاتشاهد أكثر من مرة ولايمكن العودة اليها ..لأن المتلقي حين يبحث عن المزيد مما يدهشه ويوهمه بالولوج الى العوالم الغامضة والسحرية فأن جوعه يزداد كلما كانت وسائل إدهاشه اكثر دقة في كذبها واقرب الى الواقعية ـ وهما ـ لذلك ستكون عملية تصاعدية حتى تصل الى اعلى نقطة عندها ستنتفي اليها الحاجة ..وتلغى من قاموس إهتماماته كأي متعة رخيصة أخرى .. لكن هنالك خطورة تكمن في هذا النوع من ألأفلام ذات البعد ألأسطوري / الخيال علمي / الكوارثي .. هي أنها تمرر مفاهيم وقيم بشكل حقائق مسلم بها ضمنها في حصيلتها النهائية إسترخاص ألأنسان جسدا وروحا بوصفه كائنا مستباحا دوما من قبل قوى الشر، المصنوعة في استوديوهات هوليود ألأفتراضية وبشكل متفنن ودقيق حتى يظهر البطل الموعود... حفيد جون واين وسوبرمان والرجل الوطواط ومستر امريكا وفان هلسنغ وطبعا رامبو .. ليقضي على الجميع ويبقى وحده ليبدأ من جديد في عالم كله امل وتفاؤل على أشلاء دماء ألألاف ,,هكذا دونما مبرر .لكن ماهو أخطر من هذا كله وهو مايعرف بحشو الذاكرة الضمنية ..أو ألأدراك بدون وعي.....
subliminal) massag). .وهي تجربة استخدمت في امريكا من قبل احدى شركات الدعاية للترويج لنوع من السكائر.. من خلال التلفزيون وذلك بعرض ألأعلان المطلوب في أجزاء من الثانية ضمن فيلم او اغنية اوتمثيلية دون ان تلاحظ بصريا لتخزن بالذاكرة فتجعل الشخص ينقاد اليها دون ان يعي ذلك ثم استخدمت لغرض الدعاية ألأنتخابية بأن تبث صورة المرشح بهذه الطريقة ضمن برامج التلفزيون ثم انتبهت الحكومات في الغرب الى هذا ألأمر وصدرت قوانين بمنعه .. لكن أزاء هذا الضخ الهائل للأفلام ألأمريكية الى الشرق كم هو الذي خزن في اللاوعي الجمعي للمجتمعات الشرقية المستهلكة ألأكبر للأفلام ألأمريكية

لكن هذا لايمنع من ظهور لبعض ألأفلام بين آونة وأخرى


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى