الاثنين ٧ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٥
بين إنشائه وإلغائه وإعادة إحيائه

قرار مساواة الصهيونية بالعنصرية

أيوب عثمان

في مقر المنظمة الأممية بنيويورك، نظمت بعثة دولة الاحتلال الصهيوني الشهر الماضي، وتحديداً يوم الأربعاء 11/11/2015، فعالية حضرها ما زاد عن أربعمائة من الدبلوماسيين وأعضاء المنظمات اليهودية.

أقيمت الفعالية بمناسبة ذكرى لا ينفصل - البتة - شكلها عن مضمونها، ذلك أن شكلها ليس إلا وعاءً صلبا وحاملاً قوياً لفكرة أصلب وأقوى عند دولة الاحتلال الصهيونية وأعظم. إنها الذكرى الأربعون للقرار الأممي رقم 3379 الصادر في مثل هذه الأيام عن الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل نحو أربعين عاماً، وتحديداً في 10/11/1975، والقاضي بمساواة الصهيونية بالعنصرية واعتبارها شكلاً من أشكالها.

تلك هي الذكرى في شكلها الحامل لمضمونها وفكرتها التي هي – في الأصل ودونما لف أو غموض أو دوران أو مواربة – إحياء لذكرى الخطاب الذي ألقاه في حينه (قبل أكثر من أربعين عاماً) أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، سفير دولة الاحتلال الصهيوني لدى الأمم المتحدة آنذاك، حاييم هرتسوغ، الذي أصبح فيما بعد رئيساً لدولة الاحتلال، والذي هاجم في حينه مشروع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي قضى بمساواة الصهيونية بالعنصرية واعتبارها شكلاً من أشكالها، مخاطباً الجمعية العمومية بغلظة وتحدٍ واستخفاف وفظاظة بقوله :" إن الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أصدرت هذا القرار هي من ستقوم بإلغائه. إن قراركم هذا خالٍ من أي قيمة معنوية أو قانونية. إنه بالنسبة لنا – نحن الشعب اليهودي – لا يساوي قلامة ظفر..... إنه ليس إلا قصاصة ورق سنمزقها هكذا." وبينما كان ينهي خطابه، كان هرتسوغ يمزق القرار إلى نصفين، تاركاً إياه على المنصة، ثم غادر مستخفاً بالجميع، بينما كان التصفيق يتسع مداه ويتصاعد!

في تلك الاحتفالية التي نظمتها بعثة دولة الاحتلال الصهيوني في مقر الأمم المتحدة الشهر الماضي (11/11/2015)، وصف وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، قرار الأمم المتحدة رقم 3379 الصادر قبل أربعين عاماً، بأنه " قرار شائن مشؤوم لأنه " – كما قال – "منح الدنيا بأسرها ترخيصاً بكراهية دولة إسرائيل"، داعياً الدبلوماسيين والحكومات إلى "بذل أقصى ما يستطيعون من جهد للحؤول دون اختطاف الأمم المتحدة إلى مقاصد خبيثة مرة أخرى"، مؤكداً في الوقت نفسه على "التزام الولايات المتحدة الأمريكية بدولة الاحتلال الصهيوني وأمنها التزاماً حديدياً لا انسلاخ عنه ولا انفكاك منه."

أما الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، فقد امتدح وقفة حاييم هرتسوغ، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو يخاطبها قبل أربعين عاماً، مستنكراً "شرين كبيرين يدهمان العالم : الكراهية والجهل". لقد قال:" ونحن نخلد ذكرى حاييم هرتسوغ ونحتفي بكلماته، فإنني أناشد المجتمع الدولي أن يتمسك على الدوام بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة في التسامح من أجل العيش معاً في أمن وسلام". غير أن ما يلفت الانتباه هو أن من استخلف لرعاية الأمن والسلام ونبذ العنصرية والتمييز العنصري، وهو الأمين العام للأمم المتحدة، ها نحن نراه يمتدح هرتسوغ بقوله :" لفد كان هرتسوغ قادراً على التحدي بقوة دفاعاً عن " الصهيونية" وعن" الحركة اليهودية القومية " تماماً كما فعل في هذا المبنى في العاشر من نوفمبر 1975. وكما نلتقي اليوم لتخليد ذكرى إلغاء القرار 3379، فإن تركيزنا يجب أن ينصب على مظاهر وتجليات الكراهية وعدم التسامح اللذين يشوهان المشهد العالمي.... لنتعاهد اليوم على أن نقف ضد الكراهية والجهل، وأن نبقى أوفياء وصادقين وأمناء لأسس هذه المنظمة ونتمسك بالتزامنا المشترك بالمساواة والكرامة الإنسانية للجميع.... تلك هي القضية التي تحدث عنها حاييم هرتسوغ بكل فصاحة، وهي الرسالة التي ينبغي لنا أن نحمل اليوم عبئها ومسؤوليتها."

أما القرار الأممي رقم 3379 الذي اصدرته قبل أكثر من أربعين عاماً، الأمم المتحدة، معتبرة الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، والذي تحداه حاييم هرتسوغ، كما أسلفنا، في حينه، واستخف بمن أصدروه، مؤكداً لهم أنهم هم الذين سيقومون بإلغائه، فقد نجحت دولة الاحتلال الصهيونية – من خلال سفيرها لدى المنظمة الأممية آنذاك، حاييم هرتسوغ – في تحديه حيث تم إلغاؤه في أواخر عام 1991، وتحديداً في 16/12/1991، أي بعد أكثر من ستة عشر عاماً على إصداره! أما إلغاء ذلك القرار الذي رأت فيه دولة الاحتلال الصهيوني عند صدوره خطراً كبيراً، فقد تم دون كبير جهد أو كثير عناء حيث تمكنت دولة الاحتلال من استثمار الوضع السياسي الذي كان أخذاً في التحول، فتساءل قادتها مستنكرين كيف يصار إلى تسوية سلمية بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال الصهيوني التي وسمها القرار الأممي رقم 3379 بأنها شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، الأمر الذي أدى – بكل يسر ودون عوائق – إلى إبطال القرار 3379 الذي ساوى بين الصهيونية والعنصرية، واعتبرها شكلاً من اشكال العنصرية والتمييز العنصري، مع استبدال ذلك القرار بالقرار 46/86 الذي قضى بأن "الجمعية العامة للأمم المتحدة تنبذ الحكم الذي ورد في قرارها 3379". إذاً، فقد صار واضحاً تماماً أن الفعالية التي أقامتها بعثة الاحتلال الصهيوني في مقر الأمم المتحدة لم تكن إلا احتفالية هدفت إلى إحياء وتخليد ذكرى إلغاء القرار3379، وهو ما يعني إحياء وتخليد ذكرى حاييم هرتسوغ من خلال موقفه الرافض للقرار وإصراره العنيد على مواجهته وإلغائه، وهو ما نجح فيه بكل جدارة واقتدار.

وهكذا، فقد تم إلغاء القرار فيما الفلسطينيون والعرب والمسلمون صامتون ساكنون عاجزون، في الوقت الذي ظلت الصهيونية فيه منشغلة على مدار العام والشهر والأسبوع واليوم والساعة والدقيقة والثانية من أجل إلغائه، وقد تأتى لها ذلك فكان إلغاء القرار هزيمة سياسية كبرى، على المستوى الفلسطيني والعربي والإسلامي، فيما كان نصراً سياسياً كبيراً لعنصرية دولة الاحتلال الصهيوني التي ظلت تضيف مع كل يوم وكل لحظة وموقف إلى عنصريتها الطافحة ألواناً جديدة من العنصرية. وعليه، فإن تساؤلات كثيرة تطرح نفسها، وبإلحاح يتزايد : أليس حظر الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل هو قمة العنصرية والتطهير العرقي والتمييز العنصري والتطرف ضد كتلة قومية وإنسانية كبيرة هي في الأصل سيدة هذه الأرض ومالكة الحق فيها وعليها وكاتبة تاريخها وتاريخ من يعيش فوقها؟! أليس من العنصرية والتمييز العنصري اغتصاب أراضي الفلسطينيين والاستيطان فوقها؟! أليس قمة في العنصرية والتمييز العنصري ذلك الإهمال المتعمد الذي يعيشه سكان نحو 50 قرية بدوية في النقب حيث تكاد تنعدم أدنى مقومات الحياة الآدمية؟! أليس إحراق الفتى أبو خضير حياً وحرق الطفل دوابشة مع عائلته عملاً مستشنعاً ومستبشعاً من أعمال العنصرية والتمييز العنصري والتطهير العرقي؟! أليس قتل الأطفال الفلسطينيين وخطفهم والاعتداء على براءتهم عنصرية؟! وأليس انتهاك دولة الاحتلال للقرار الأممي 1612 الخاص بحماية الأطفال وقت الحروب والنزاعات المسلحة عنصرية؟! وأليس تحلل دولة الاحتلال الصهيوني من التزاماتها الدولية حيث اعتداءاتها المتكررة على قطاع غزة وقتلها المئات من أطفال فلسطين عنصرية؟! وأليس إعدام شبابنا وبناتنا على الهوية والشكل والهندام عنصرية؟! وأليست الإعدامات الميدانية التي تنفذها دولة الاحتلال الصهيونية دون تحقيق عنصرية؟! وأليس عقاب أسر وعائلات منفذي العمليات ضد الاحتلال انتقاماً وعنصرية؟! وأليس محاصرة دولة الاحتلال لشعبنا وعزله وتفكيك أسره وعائلاته بالمستوطنات والتجمعات والكتل الاستيطانية وجدار الفصل العنصري عنصرية؟! وأليس السور الذي تخطط دولة الاحتلال الصهيونية لإقامته، بغية عزل 300 ألف فلسطيني مقدسي عن البلدة القديمة عنصرية؟! أليست محاصرة دولة الاحتلال لشعبنا في بحر غزة وإطلاق النار على صياديه عنصرية؟! وأليس تهويد كل ما هو فلسطيني وعربي وإسلامي في فلسطين عنصرية؟ وأليس محاولات دولة الاحتلال اليائسة - وإن كانت مستميتة - لقتل حق العودة إلى فلسطين التي طرد شعبها بالقوة والبطش منها عنصرية؟! وأليس انتهاك دولة الاحتلال للمنشآت الطبية والتربوية الفلسطينية واستهدافها للمنازل السكنية عنصرية؟! وأليس استمرار دولة الاحتلال في محاصرتها لقطاع غزة عنصرية؟! وأليس عمل دولة الاحتلال الصهيوني على تدهور الأحوال الإنسانية لأهل قطاع غزة وإطباق الحصار عليهم عنصرية؟! وأليس اعتقال دولة الاحتلال للنواب المنتخبين عنصرية؟! وأليس رفض دولة الاحتلال المتواصل لكل الحلول السلمية وتمسكها بخيار واحد هو خيار القوة وفرض الأمر الواقع عنصرية، لا سيما وإن هذا الخيار هو الذي يبقيها دولة تمييز عنصري؟!

وبعد، فإن القرار الأممي الذي قضى في العام 1975 بمساواة الصهيونية بالعنصرية واعتبارها شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري والذي تم في العام 1991 إلغاؤه، يمكن العمل مجدداً من أجل إحيائه وتفعيله وإعادة الاعتبار له، لا سيما وإن دولة الاحتلال الصهيونية ما زالت عنصريتها تتواصل وتتصاعد نحو المزيد والمزيد من العنصرية.

أما آخر الكلام، فألم يجل في خاطر كل من الرئيس عباس، الذي ما زال يؤمن بالمفاوضات (العبثية!!!) وكبير مفاوضيه، عريقات، الذي يؤمن بأن"الحياة مفاوضات"، أن يفكر أن ذلك القرار الأممي الذي قضى قبل أكثر من أربعين عاماً باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، والذي تم قبل أربع وعشرين عاماً إلغاؤه، قد أصبح ممكناً - في هذه الأيام الذي تتصاعد فيها أعمال الاحتلال وتوجهاته ونواياه العنصرية - العمل على إبرازه ووضعه على الواجهة، بغية تفعيله وإحيائه وإعادة الاعتبار له.

أيوب عثمان

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى