الثلاثاء ١٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٦
بقلم سعيد مقدم أبو شروق

مندوب النازحين

نزح مع عجوزه بعد اندلاع الحرب، ولم يجلب معه إلا ملابسه العربية التي يرتديها وتومانات قليلة كان قد حصل عليها من بيعه الخضروات في السوق، وسرعان ما نفدت.

ودع المحمرة إلى قرية تبعد عنها ما يقارب المئة والثلاثين كيلو مترا، فارق بيته وما يملك من أثاث بسيطة:
دولاب خشبي قديم، سجادتان متر في مترين، حصير خوصي، وثلاجة رخيصة لم يمض على شرائها إلا بضعة أشهر، ومروحة أرضية.

وسكنا في بيت أحد أقاربهما وأمسا يعيشان على الحصة التموينية التي قررتها الحكومة للنازحين؛ هذا هو شعار الثورة بعد أن أطاحت بحكومة الشاه (ثروة البلد للجميع).

ولكن الحصة لا تسمن ولا تغني من جوع؛ وكأن نيران الحرب أحرقت شعارات الثورة البراقة.

ولا أحد يدري كيف وجدهما ذلك الرجل الذي ترشح للانتخابات ليكون مندوبا لأهل المحمرة وهم مشردون في كل بلد ولد!
ربما بحث عن مآويهم في مراكز مهاجري الحرب، أو تحسس منهم عن طريق المساجد التي أضحت عامرة بعد الثورة،
أو تجسسهم عن طريق جلاوزته الذين هبوا لنصرته.
فهؤلاء المرشحون وفي هذه الأيام لا يصعب عليهم العثور على عناوين الناخبين مهما توعرت طرقها، أو ابتعدت أو حتى لو كانت في أماكن مجهولة...

جرجر الشيخ النازح عجوزه -وقد تقدمت بهما السن وأدركهما الضعف- فمشيا نحو القرية المجاورة ليدليا بصوتيهما للمرشح الذي زار قريتهم أمس.

كانت السماء تهطل بوابلها والطريق توحل، حيث تنغرس رجلاهما إلى الكعبين في الطين.
ولا جدوى من الأحذية، فخلعاهما واستمرا بالمشي حافيين، والزمهرير يقص بعظامهما.
 اسرعي يا امرأة، فقد ينتهي وقت التصويت، وعندها ماذا سوف نفعل؟

لا شك أنهم سيحرموننا من حصتنا التموينية، وبعدها كيف نعيش؟!

بل وسيسجنوننا كما قال المرشح أمس بتهمة ضدية الثورة... أم تظنين أن في قلوبهم رحمة؟!
هكذا خاطب عجوزه وهو يحاول أن يسرع في السير رغم أن قدميه الحافيتين لا تستطيعان التثبت.
اقتلعت العجوز قدمها من الطين ولملمت عباءتها الباهتة وغمغمت:
سيخصص لنا عين نفط ويبوّئنا في قصر!

ثم تابعت وهي تتأوه: هؤلاء نحن، سنبقى على ما كنا؛ يا له من غباء!

سأله المسؤول والنعاس ما انفك ملازما عينيه: من هو مرشحك؟
قال بتعب وتذمر: مرشح المحمرة.
تأفف المسؤول وتابع بثقل: هناك أكثر من مرشح للمحمرة، إلى أيهم تصوّت؟
فأخرج من جيبه الورقة التي أعطاها له مرشح الأمس وأومأ إليها بسبابته وتنهد: إلى هذا.
ومضت الأيام ولم يبرح المندوب طهران طيلة الأربع سنوات، وحجته أن المحمريين ضائعون في كل بلد ولد، أين أجدهم؟!

وهم يعانون من الخصاصة والذل والضياع.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى