الأحد ٧ أيار (مايو) ٢٠٠٦
الأبعاد الرمزية للصراع الثقافي
بقلم مروة كريديه

المسلمون و الدنمارك أزمة ثقافية وانعدام الحوار

لعل وسائل الإعلام العالمية لا سيما الإسلامية منها , قد غرقت في الفترة الأخيرة بالمقالات والتحليلات وعبارات الإدانة والشجب إثر "الحدث الدنماركي " الأخير, الذي هزّ الرأي العام الإسلامي في كافة بقاع الأرض دون استثناء .

وتراوحت المواقف الرسمية وغير الرسمية بين مُقاطع, و شاجب, ومدين وساكت... و موقف دنماركي آخر مدافع عن ما يفهمه هو من مصطلح "الحرية " وابعاده الرمزية ...
هذا الموضوع شكَّل بدون شك زلزالا في العالم الإسلامي , ولكن إذا نظرنا برويّة, بعيدا عن الانفعال الذي استبد بنا كمسلمين لا شعوريا ولا إراديا لأنه مسّ بشكل مباشر في بنية المفاهيم العقائدية المقدسة , لوجدنا أنها تدور حول محورين :
الأول: أنها أزمة ثقافية قديمة جدّا وليست وليدة اللحظة , ولكنها جاءت كالقطرة التي فاض بها الكأس , فهي أزمة حضارية عميقة , ولم يعد بالإمكان حصر الصراع ب " الاقتصادي " أو السياسي " أو " النفطي " , بل هو صراع ثقافي بلغ أبعادا رمزية حادّة مؤخرًّا ....

الثاني : أن سببها الرئيس هو انعدام الحوار بين الثقافات والحضارات العالمية, والذي يتحمل مسؤولية فشله كافة أطياف الحضارة الإنسانية , وقد فهمته الإدارة الدنماركية الآن حيث دعت الى حوار فعلي مع المسلمين , فأغلبية الأوربيين لم يبدوا استعدادًا واضحا لتفهم الاختلاف الثقافي والحضاري للشعوب الإسلامية , كما أن الغالبية العظمى من الشعوب الإسلامية ليست مستعدة لفهم الدوافع من وراء الإساءة الى الرموز الثقافية الإسلامية المقدسة .

فهذه الرسوم الكاريكاتورية التي صورت "الرسول " محمد صلى الله عليه وسلم جزءًا من " الإرهاب " المعاصر , و زلّة لسان" بوش " تارة أخرى بوصفه الحرب على العراق بأنها حرب "صليبية " بكل ما يحمله هذا المصطلح من أبعاد رمزية دوغمائية ليعود ويعتذر عندما علم البعد العقائدي الخطير لهذا المصطلح , علاوة على المواقف السياسية التي تطرح على الشعوب بشكل املاءات,والنظرة الفوقية للبعض التي تصف كافّة الحضارات الأخرى والثقافات المختلفة بأنها متخلّفة وبدائية ,كل ذلك يؤدي الى عزل الحضارات الأوروبية والغربية عن التواصل الحقيقي مع حقائق ومفردات الثقافات الأخرى في شتى أقطار العالم .

و الحضارات بطبيعتها لا تعترف بالحدود السياسية التي تنضوي تحتها لأنها تقوم على ديمومة زمنية, في حين أن موازين القوى السياسية منظورها آني لا ينسجم مع المنظور التاريخي .

ولذلك فإن الحضارة المسيطرة "سياسيا" قد لا تجد نفسها مضطرة لهذا النوع من الحوار....الأمر الذي يدفعنا لطرح إشكالية طرحت من قبل بعض المشتغلين في هذا الميدان ألا وهي:هل يكون هناك حوار إذا لم يكن هناك تكافؤ؟
فالحوار يفترض التكافؤ بين أطرافه من حيث المبدأ , وهذا ما دفع بالبعض إلى القول بأنه ينبغي الاعتراف بانعدام الحوار بين الشرق والغرب , وان العلمانية غير مضطرة لان تتنازل للدين الإسلامي وتحاوره ما دامت نجحت في تحويل الدين المسيحي إلى مهمة لا تزيد عن إحدى الخدمات الاجتماعية .
ولكنني اعتقد أن عملية إيجاد التكافؤ المطلق بين أي طرفين عملية مستحيلة, وعدم وجود هذا التكافؤ لا يفسد للحوار قضية, وأن على كافة الشعوب السعي لإيجاد صيغة تواصلية للحوار القائم على التفاعل البناء وطرح الحوار كخيار استراتيجي لها .

وعلى كافة الأطراف التخلي عن " الفوقية " ونزع وهم "النخبوية ", وعلى حكومات الدول الغربية السعي الجدي لإحداث التواصل الفعلي والبناء, إن أرادت أن تحافظ على مصالحها كافة بما فيها الاقتصادية والاجتماعية , وأن تتعامل مع العالم الإسلامي من باب التواصل لا أن تتعامل معه بعقلية المتفوق المستعمر المسيطر , وعليها أن تقدم لشعوبها مفاهيم واضحة عن أبجديات الثقافات الأخرى , وتفتح لهم أفق التحاور الجاد , وعدم المساس بما هو "مقدس " عن غيرهم من الحضارات الأخرى .

وتتحدد ماهية هذه الحضارات جميعا بطبيعة المنجزات الحضارية التي أبدعتها وبالنظرة الثقافية الشاملة التي تؤسسها ,و الذي ينظر اليوم الى المشهد الحواري يجد أن معظم مفكري قد تناولوا موضوع الحضارات من ناحية توصيفية وأهملوا دراسة الأسس البنيوية .
أمام هذا الواقع المأزوم يبقى التواصل والتفاعل الإيجابي خير طريق الآن, وهو التفاعل القائم على تقديم ما هو عملي ودليل على أن الثقافة قابلة لأن تستجيب لحاجات أبناء الثقافات المغايرة , وتقديم الحلول للمشكلات التي تعجز بعض الحضارات في حلها , ولن يحصل ذلك إلا بوضع المشترك بين أبناء هذه الثقافة وأبناء الثقافة الأخرى لتكون بمثابة الجسور التي تؤدي إلى الاندماج الإيجابي المنبني على أساس الخصوصية والاستقلال والفعل والتفاعل .... وان عملية احتواء الصراعات الثقافية والحضارية, ونشدان صيغ إنسانية للقضايا المتنازع عليها هي الأجدر بإنسان هذا العصر أن يتحلى بها .

و اليوم نشعر بالحاجة القصوى لاستخدام كل مناهج العلوم الاجتماعية وإمكانياتها المعرفية من اجل التفكير بالمضامين التاريخية الموضوعية , وبالثقل الجيوبوليتيكي , وبالمثل العليا , وبالآفاق المستقبلية , خصوصا فيما يتعلق بعلاقتنا مع الحضارات الأخرى , ولا بد من التركيز على جدية الطرح وعلميته , وليس الاكتفاء بتلك الخطابات الأيديولوجية التي تهيمن حتى على بعض المفكرين .

ولهذا السبب لا بد أن نعيد التفكير فيها لكي نحل الواقعية محل الصورة الأيديولوجية , و ينبغي أن ننظر إلي الأمور من خلال منظورات لم تعرف من قبل , وذلك لكي نقدم صورة أخرى عن الإسلام والغرب غير الصورة السائدة , فالصورة المتبادلة بين كل من المسلمين والغربيين والتي يمتلكها كل طرف عن الآخر غير صحيحة على الإطلاق , وجاءت الأحداث الأخيرة لتكرسها , يضاف إلي ذلك أن الأمور غائمة ومشوشة إلي حد بعيد ولا يمكن أن نظل إلي ما لا نهاية تحت رحمة التصور الأيديولوجي الذي يتحكم بنا.

فالتيار الإسلامي السائد حاليا يعتبر أن الغرب معاد له بشكل منتظم ودائم...

من جهة أخرى فالإنسان الغربي ينظر بشكل عام إلي المسلمين أنهم غريبين (بالنسبة له ) في عاداتهم وتقاليدهم...
لذلك نجد أن المهاجرين العرب والمسلمين في أوروبا حاليّا ,يعانون من تلك النظرة "الدونية " , الأمر الذي يؤدي الى تصاعد حدة إحساسهم بهويتهم وخصوصيتهم مما يدفع بهم لمزيد من الانغلاق على الذات و يأخذ" البعد الرمزي للمقدس" منحى حاد و يتجلى ذلك بعدة أمور :

  " القرآن " و إهانة المصاحف في المعتقلات الأمريكية
  " النبي " والإساءة له من خلال تلك الرسوم .
  " الحجاب " وازمته في بعض الدول الاوروبية لاسيما فرنسا.

فالنظرة العدائية متبادلة بين الطرفين , والتصورات الماضية شائعة جدا لدى كلا الطرفين وتُشكّل أحكاما مسبقة تمنعنا من رؤية الأمور بوضوح, أي أنها تمنع من تشكيل نظرة حقيقية تاريخية كما تمنع من لقاء حقيقي بين الطرفين .

لذا فان الحاجة ملحّة لمراجعة الأمور نقديا وتصحيح المنظورات واستكشاف الآفاق المحتملة , ولعل الحوار هو الأداة الفاعلة في هذا المضمار وهو أفضل الخيارات المتاحة خصوصا أمام الشعوب الإسلامية في ظل الظروف الراهنة .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى