الأربعاء ٣٠ آذار (مارس) ٢٠١٦
خذلان الطفولة
بقلم جميل السلحوت

في شتاء شهد محمد

صدرت قصّة"خذلان شتاء" للفتاة الكرميّة الواعدة، شهد عبد الرحيم محمد، وقد صدرت القصّة التي صمّمت غلافها رشا السرميطي، وقدّم لها عزيز العصا، وتقع في 53 صفحة من الحجم المتوسط عام 2015 عن المكتبة الشّعبية ناشرون في نابلس.

قبل الحديث عن هذه "السّرديّة" دعونا نتساءل: هل نحن أمام رواية قصيرة، أم قصّة طويلة؟ وهل تحتمل القصّة القصيرة كلّ هذه الأحداث؟ وهل يمتدّ زمن القصّة إلى أكثر من خمسة عشر عاما، فالنّصّ الذي نحن بصدده يحمل في ثناياه مجموعة قصص وحكايات، منها: اقتحام البيوت بطريقة وحشيّة والاعتقال، وتأثير ذلك على نفسيّة الأطفال والكبار، التّحقيق والأحكام الجائرة، زيارة الأسرى ومعاناة ذويهم، زواج الأخ أثناء غياب أخيه وراء القضبان، مرض الأمّ بالسّرطان وخوفها من الموت قبل أن تلتقي بابنها الأسير، استقبال الأسير المحرّر والاحتفاء به، معاناة الأسير المحرّر وعدم تأقلمه مع المجتمع بعد تحريره، زواج الأسير المحرر وفرحته بالانجاب والأبوّة، وعدم اكتمال الفرح بالموت المفاجئ. فهل تحتمل القصّة القصيرة هذه الأحداث كلّها؟ وهذه القصص والحكايات التي ربطتها الكاتبة النّاشئة شهد محمد بخيط متين، تقودني إلى القول أنّنا أمام رواية قصيرة، وليست "قصّة قصيرة" كما جاء على غلاف الكتاب.
والقضيّة الثّانية التي لفتت انتباهي أنّ هذه "السّرديّة" يمكن ادراجها ضمن "أدبيّات الاعتقال والسّجون" وهذا هو مضمون النّص الي بين أيدينا.

أمّا القضيّة الثّالثة اللافتة فهو الكاتبة نفسها، فأن تكتب طفلة نصّا كهذا من حيث الشّكل والمضمون، قبل أن تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها،-النّص كان مكتملا وجاهزا قبل نشره بعامين- فهذا يدعو إلى ضرورة الانتباه لما يتركه الاحتلال وممارساته من سلبيّات على الصّحّة النّفسيّة لأطفالنا، فياسمين شقيقة الأسير حسام، - وأعتقد أنّها الكاتبة نفسها-، تعود بذاكرتها عندما كانت في السّابعة من عمرها يوم اعتقال شقيقها حسام، وتسجّل ذلك بلغة رشيقة متابعة وجود شقيقها في الأسر لمدّة أحد عشر عاما، وما عاناه هو وأسرته خلالها. فهل تحتمل طفلة بهذا العمر هذه المعاناة كلها؟ وهل تدرك طفلة بهذا العمر انعكاسات سنوات الأسر على نفسيّة الأسير المحرّر؟ "قال لي ذات حديث: أشعر بأنّني غريب، وأنّ هذا ليس ما توقّعته قبل خروجي من السّجن"ص51. وهذا بالطّبع يدعو إلى ضرورة إعادة تأهيل الأسرى المحرّرين كي يستطيعوا التّأقلم من جديد مع مجتمعهم. وكذلك انهاء الكاتبة سرديّتها بقولها" الحياة موسميّة الفرح، دائمة الأحزان" ص 53، تصرخ بصوت عال: أن لا مكان للفرح في نفوسنا ما لم ينته الاحتلال.

لقد أجادت الكاتبة الطفلة عندما أوردت المثل القائل " من قلّة الرجال سمّينا الدّيك أبو قاسم" وأورت قصّة هذا المثل الذي يحمل في ثناياه حكمة كبيرة، أقلّ ما يمكن القول عنها أنّ هذه الأمّة ما عاد فيها معتصم.
ويلاحظ أنّ لغة الكاتبة جميلة انسيابيّة حملت في ثنايا التّشويق.

بقي أنّ نقول بأنّ هذه "السّرديّة" تنبئ بأنّ شهد عبد الرحيم محمد ستكون أديبة ذات شأن.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى