الجمعة ١٥ نيسان (أبريل) ٢٠١٦
بقلم عادل سالم

المسامير الخمسة في نعش الصحافة الورقية

تعيش الصحافة الورقية (جرائد ومجلات) هذه الأيام حالة احتضار، فهي عمليا في غرفة الإنعاش، فلا أصحابها قادرون على وقفها حزنا عليها، ولا الطبيب قادر على إعلان موتها خوفا من الذين يكابرون بأنها لم تمت بعد رغم إدراكهم أنهم يعيشون الساعات الأخيرة قبل موتها.

معظم الصحافة العالمية أصلا لم تعد تعتمد على صحفها الورقية ولكن على مواقعها الإلكترونية وإعلاناتها التي تنشرها فيها. وهناك المئات من الصحف والمجلات الورقية في بلاد الغرب التي أصبحت مجرد صحف لطباعة الكوبونات والإعلانات للشركات لتوزيعها لأكبر عدد ممكن من البيوت.

تختلف الصحافة الورقية من جرائد، ومجلات في عالمنا العربي فهي في أغلبها صحف ومجلات تابعة لحكومات، وأحزاب، وشركات تابعة لأمراء الخليج لا تصدر بغرض الربح بل لنشر سياسات وأفكار الممولين لا غير.
وأصبحت توزع معظم أعدادها مجانا، أو ترميها في سلة المهملات، وتناقص عدد قرائها بشكل متسارع يوما بعد يوم.

المشرفون على المطبوعات في العالم العربي لا يعيشون واقع الجيل الجديد، والتطورات الإلكترونية التي غيرت طريقة حياة هذا الجيل والشباب منهم على وجه الخصوص، بحيث جعلتهم يعتمدون بشكل تام على الإلكترنيات في كل شيء بما فيها القراءة.

والذي ساعد على هذا التحول، خمسة مسامير دقت في نعش الصحافة الورقية هي:

المسمار الأول: الفضائيات

عندما انطلقت الفضائيات في العالم قبل أكثر من عشرين سنة لتصل كل بيت تقريبا على مدار الساعة، كان ذلك يعد المسمار الأول في نعش الصحف الورقية.
فالإنسان الذي كان يشتري الصحيفة كل صباح ليطالع أخبار البلد والعالم أصبح يسمعها ويشاهدها بالتفصيل الممل كل ساعة وبشكل مشوق، وقبل أن تطبع في الصحف ويتم نشرها. وصارت أخبار الصحافة الورقية قديمة ولا جديد فيها، ولا متعة.

المسمار الثاني: الشبكة العنكبوتية

انطلاق الشبكة العنكبوتية وخصوصا بعد تطورها، وبعد أن صارت متاحة بشكل واسع في معظم العالم، واليوم في كل العالم. مما وفر مصادر أخرى للمعلومات في كل المجالات، وعلى مدار الساعة.

المسمار الثالث: شبكات التواصل الاجتماعي

انتشار شبكات التواصل الاجتماعي على نحو واسع وبشكل مجاني للجميع ساهم في تناقل الناس للمعلومة، والأخبار إلى آخره. مما جعل كل شيء متاحا وينتقل بسرعة البرق.

المسمار الرابع: الهواتف الذكية

وهو المسمار الأهم، انتشار الهواتف الذكية والآيباد بحيث أصبح كل شخص يحمل في جيبه كل ما ذكر إعلاه أينما ذهب وليس فقط حينما يكون في البيت، أو المكتب. وثمة ملايين من الناس أصبحوا يستخدمون هواتفهم الذكية بدل استخدام أجهزة الحاسوب، ملايين توقفوا عن استخدام الحاسوب بعد انتشار الهواتف الذكية الكبيرة مثل أيفون ستة بلس. باختصار أصبح كل فتى أو فتاة لا يتنازل عن هاتفه حتى لو تنازل عن طعامه.

المسمار الخامس: القارئ الإلكتروني
تم دق معظمه في نعش الصحافة الورقية لكنه ينتظر الضربة الأخيرة لينغرس عميقا في داخل نعش صحافة انتهى عصرها الذي استمر مئات السنين.

لقد شكلت مراحل التطور التكنولوجي في الإعلام والتي ذكرناها أعلاه (المسامير الأربعة) قارئا عصريا جديدا يعتمد على المطالعة الإلكترونية بل صارت الإلكترونيات جزء من حياته اليومية التي لا يمكن الاستغناء عنها، وسواء أعجبنا ذلك أم أغضبنا فهذا الواقع يجب ألا يغمض أعين أصحاب ما تبقى من صحافة ورقية عما يواجهونه.

المواطن اليوم تراه لا يستغني أبدا عن هاتفه الذكي وإذا نسيه في البيت يضطر للعودة لإحضاره، وإذا كنت تجلس في مقهي مثلا أو مطعم ستشاهد معظم الجالسين إما أنهم يدققون في هواتفهم، أو يضعونها أمامهم يراقبون أية رسالة جديدة أو خبر سريع. وعند النوم يضعون هواتفهم الذكية بجانبهم، وإذا استيقظ أحدهم لاستخدام الحمام يتفحص هاتفه الذكي قبل أن يعود للنوم.

إذن نحن أمام عصر جديد علينا استيعابه والكف عن التظاهر بالجهل به، أو التقليل من نتائجه.
وإعادة ترتيب أوراقنا والكف عن طباعة هذه المئات إن لم يكن الآلاف من المجلات والصحف الورقية التي تذهب أغلبها لسلة المهملات.

الكتب لا تختلف عن ذلك كثيرا فهي أيضا في تناقص متسارع، ولكن الفرق بينها وبين المجلات والصحافة أن ملايين الكتب القديمة قبل انتشار الإلكترونيات ما زالت بشكلها الورقي ولم تحول إلى كتاب إلكترونية بعد في العالم العربي بشكل خاص، في حين قطعت أوروبا والولايات المتحدة شوطا كبيرا جدا في هذا المجال. وعندما تحاول شراء كتاب عن طريق شركة أمازون العالمية مثلا ستجد أنهم يعرضون عليك أحد خيارين: نسخة ورقية أو إلكترونية.
في الوقت الذي لا يزال الناشرون العرب يقيمون معارض الكتب الورقية كل شهر في دولة لبيعوا كتبهم مما يحملهم مصاريف كثيرة ترهقهم.

لماذا يجب التحول للإلكترونيات؟

أولا: التكاليف أقل جدا، فعندما تشتري نسخة إلكترونية فهل أقل تكلفة من الورقية.

ثانيا: لا نحتاج لمساحة كبيرة لحفظ أرشيف الكتب، إذ يكفي أن تحفظ بداخل جهازك آلاف الكتب والمجلات، عدا عن أن كثيرا منها لا يحتاج لحفظ فيمكنك متى شئت الدخول للموقع وقراءته هناك.

ثالثا: طبع المزيد من الكتب:

يمكنك لدور النشر ببساطة نسخ ما شاءوا من هذه الكتب والمجلات وتوزيعها لأكبر قدر ممكن من الناس في حين الكتاب الورقي إذا انتهت كميته فعلى دار النشر طباعة نسخ جديدة مكلفة، و إذا استعاره أحد منك عليك الانتظار حتى يعيده إليك.

رابعا:

سهولة الحمل ويمكن للقارئ اليوم أن يقرأه وهو بالباص، وهو بالمطعم، وهو يجلس في البيت إلى آخره، سواء من جهاز الحاسوب، أو الآيباد، أو الهاتف الذكي.

باختصار نحن في زمن التكنولوجيا ونسير بالتدريج نحو انتهاء زمن الورق، حتى في التجارة، ومعاملات البنوك، والمحاكم ففي الدول المتقدمة يجري تحويل كل شيء للمعلومات الرقمية، فقد أصبح الفاكس من الأشياء غير الضرورية للشركات، وكثير منهم لا يستخدمونه اليوم. فالشركات تعرض عليك فواتيرها رقميا، وتطالبك أن تطلب بضاعتك إلكترونيا إما من خلال صفحتها على الشبكة أو من خلال البريد الإلكتروني، البنوك أصبحت تتعامل مع زبائنها إلكترونيا، حتى تذاكر السفر أصبحت إلكترونية وأخيرا فإن كوبونات الدعاية التي كانت توزع مع الصحف أصبحت اليوم ترسل إلكترونيا إلى هاتف الزبون الذكي فيقدمها للموظف المسؤول أثناء التسوق من هاتفه حيث يقوم الموظف بتمريرها على السكانر فيحصل الزبون على الخصم المحدد بالكوبون.

التوجه نحو التخلص من الورق أصبح واقعا لا يمكن القفز عنه وعلى المسؤولين العرب الاستفادة منه لأنه الطريقة الأقرب لمخاطبة الجيل الجديد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى