الاثنين ١٥ أيار (مايو) ٢٠٠٦
بقلم محمد البوزيدي

الزمن خريفا

الزمن خريفا.. كل الأوراق تناثرت، من جذوع النخل إلى لحاء الشجر الحزين، احتمالات رشيد اندثرت، اصطدمت بصخرة السالب المسلوب إلى قعر الواقع داخل مجتمع التحملات والتحالفات.

التبضع أصبح مستحيلا، فهذه الفترة من الزمن هي استراحة المحاربين في فضاء صنع القرار اللعين، حتى الفلاحون الذين جنوا محصولهم من الثمار الجيدة أصبحوا ينتظرون قدوم عاشوراء بعد مضي زمن رمضان الذي تنشط فيه الحركة الإقتصادية وحركة الشاحنات من وإلى مراكش حيث السلع بالأطنان.

كل شيء متوقف حتى إشعار آخر السلف /الخلف/المحصول/ القيمة/ /الشغل، وحتى التوقف توقف، لذلك عالجه رشيد بالوقوف ولو على أعمدة الكهرباء جانب منزله حيث الإتكاء عليها مناسبة لقراءة طلاسم أزقة حزينة، وجس نبض ما تبقى من الساكنة حيث كل إنسان يعيش متوالياته الحياتية، فالجميع يغادر :

إلى متى ؟من يدري؟

لكن ومن حسن حظه أن منزله البسيط يقف على الشارع الرئيسي ومنه يستطلع حيوية الأمكنة التي يقابلها ويجاورها بصره التائه وغير المستقر على حال، من أعلى السطح أو برج المراقبة كما لقبه أحد أصدقائه يقرأ فاتحة النهار ويبلغ التحايا لكل من يحييه من بعيد..يهتز كيانه للمناظر المتتالية من بعيد، طفل صغير يحمل مثل وزنه كتبا في محفظة ممزقة من أطرافها، فتاة جميلة أصر والدها على تحجبها عنوة ضدا على طفولتها البريئة إنها ذات الثمان سنوات ومن الجيل الذي ولد ليلة الهجوم على العراق، فلاح أنهكه الزمن بالقروض المختلفة وبالسنين البئيسة ويحمله حماره الذي فقد جزءا من وزنه الإجمالي لظروف الجفاف، أستاذ بئيس لو تؤد له الدولة راتبه منذ عشرين شهرا ويعرفه العام والخاص بسلفاته المشهورة التي أصبح غير قادر على الوفاء بها، تلاميذ مبتسمون ويقاتلون الزمن التائه في المدارس وسط فضاء لا يغري بمواصلة المسار، فقدان الأمل يخيم على مهجاتهم، يدركون المستقبل جيدا لكن ما العمل؟
إنه يخجل عندما يلتقي بهم ليسألوه عن الجامعة وأبرز التخصصات، لكن رشيد يخفي ويمتص الألم الداخلي بل لا يتردد في تزوير الواقع من اجل شحنهم بالمستقبل القادم، يظهر لهم الآمال مشوقة يحدثهم عن المحاضرات والدكاترة المشهورين وطنيا، الحلقات الطلابية كمدرسة للنقاش والتكوين، وعندما يدرك أنه لم يستطع إقناعهم، يرتدي جبة أخرى فيمنيهم بالطالبات وكيف يتم توزيعهن كالوجبات السريعة..عندها يزداد اقتناعهم بل ويقسم أحدهم على عدم دفع أي ملف لمراكز التكوين أنى تكن مراتبها.

في أعلى منزله ومن برج المراقبة في المساء يواصل مراقبة الطيور التي تحط الترحال على مقربة من الوادي البائس الذي لم يتبق منه سوى بركة ماء تتسابق المخلوقات على السبق إليها، يراقب شرطة المرور وكيف تتلقى العمولات المختلفة العينية منها والنقدية، حاول التفكير في تصويرهم لكن في لحظة صاح وما الهدف ؟من تخفى عليه هذه المسلكيات ؟

يستمتع مع الغروب بعروض الأزياء المفتوحة للعموم في الشارع العام من أناقة المعلمات الزائدة عن الحد، إلى الملابس الضيقة للمراهقات إلى آخر موضات الملابس التي تمرر عبرها إعلانات الشركات المختلفة وصولا لملابس *المجانين*والمتسولين الذين تعج بهم المدينة.
حينما يقف متأملا السماء ونصاعتها الزرقاء، الشمس وإشعاعها الوهاج، الهواء ونسماته العليلة التي تداعب شعره التائه، الجبال البعيدة وانحداراتها.

في لحظة سأل نفسه: هل هذا هو مدلول الحرية الذي قرأعنه الكثير في أدبيات عبد الرحمان منيف..؟؟؟؟

ويتساءل كيف لم ينتبه لهذه اللوحات الفسيفسائية والتشكيلية بل والقزحية من زمان ؟
ولماذا بقي غير مبال بها وبقيمتها المادية والمعنوية
تارة يتذكر أنه بقي واقفا حتى أعياه التعب بل ومل التأمل يحاول التراجع لكن لماذا ؟
وإلى ماذا؟يطلب ورقة ويرسم عليها أحلامه الوردية
في البدء، كان البدء بداية، الشمس تداعبنا والجبال تنادينا والأحلام تراودنا..

والآن.هل هو فعلا آن ؟أم أن الآن آنان ؟من أنا؟وكيف ؟

حلم هو التيهان وأمل مسطرة الغد البعيدة
يا سارق حياتي وخانق زفافي الأولي
أبعد عني وعد إلى حياتي المفقودة
فأنت والحزن حزنان يجزان رقبتي
من حين لآخر يسترجع ذكريات الجامعة، يعيد قراءة مذكراته التي كان بدونها بحرص كبير لعله يكتب سيرة ذاتية، يسحب الصور ليتذكر أيامه البطولية في الجامعة، لأحيانا يبتسم لرواية أصدقاءه لكنه يحزن حين يرى البعض الذين كان لهم معه شجارات كبيرة،مغلفة بايديولوجيا اتضح مع مرور الوقت أن الجميع يوظفها كستار خاص مثل البهلوان في لوحات العرض ، يحاول تمزيقها لكنه يتراجع في آخر لحظة ،فقد أصبحت وثيقة خاصة لديه لاتقدر بثمن .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى