الصلاة بشرط
هل سمعتم بالشاعر (الإفريقي المتيّم) وبقصيدته عن الصلاة؟
أحمد بن محمد الإفريقي المعروف بالمتيّم عاش في القرن الرابع للهجرة، وهو أحد الأدباء الشعراء له من التصانيف كتاب «الشعراء الندماء»، «كتاب الانتصار المنبي عن فضل المتنبي»، وغير ذلك؛ وله ديوان شعر.
من شعره الذي يدعو إلى الابتسام، ما اشترط به على الله بأنه سيصلي إذا وسّع الله عليه في رزقه:
تلوم على ترك الصلاة حليلتي ... فقلت اغرُبي عن ناظري أنت طالق
فوالله لا صلّيت لله مفلسًا ...يصلّي له الشيخ الجليل وفائقوصاحب جيش المشرقَين الذي لهراديبُ مال حشوُها متضايقلماذا أصلّي أين باعي ومنزليوأين خيولي والحلى والمناطق
وأين عبيدي كالبدور وجـوههم ؟ وأين جواريَّ الحــــسانُ العواتق؟
أصلي ولا فترٌ من الأرض تحتويعليه يميني إننّي لمنافقتركت صلاتي للذين ذكرتـُهمفمن عاب فِعلي فهو أحمق مائقبلى إنْ علَيَّ اللهُ وسّع لم أزلأصلّي له ما لاح في الجوّ بارقفإن صلاة السيىء الحال كلهامخارقُ ليست تحتهن حقائق
الصفدي – "الوافي بالوفيات" (مادة الإفريقي المتيّم)
وابن شاكر الكتبي- "فوات الوفيات"، ص 151.
إليكم قصة أخرى رواها الأصمعي عن الصلاة المشروطة بالرزق:
روى الأصمعي قال:
ضلّت لي إبل، فخرجت في طلبها، وكان البرد شديدًا، فالتجأت إلى حي من أحياء العرب، وإذا بجماعة يصلّون، وبقربهم شيخ ملتفّ بكساء يرتعد من البرد ويُنشد:
أيا رب إن البرد أصبح كالحًاوأنت بحالي يا إلهي أعلمفإن كنت يومًا في جهنم مُدخليففي مثل هذا اليوم طابت جهنم
قال الأصمعي: فتعجبت من فصاحته، فقلت له:
يا شيخ! ما تستحي تقطع الصلاة وأنت شيخ كبير؟
فأنشد يقول:
أيطمع ربي أن أصلّيَ عاريًاويكسوَ غيري كِسوةَ البرد والحَرفوالله لا صليت ما دمت عاريًاعشاءً ولا وقتَ المغيب ولا الفجرِولا الصبحَ إلا يوم شمس دفيئةٍوإن غيّمت فالويلُ للظهر والعصروإن يكسُني ربي قميصًا وجبّةًأصلي له مهما أعيش من العمر
قال:
فأعجبني شعره وفصاحته، فنزعت قميصًا وجبّة كانا عليّ ودفعتهما إليه، وقلت له: البَسهما، وقم فاستقبل القبلة، فصلى جالسًا وجعل يقول:
إليك اعتذاري من صلاتي جالسًاعلى غير طُهر موميًا نحو قبلتيفما لي ببرد الماء يا رب طاقةورجلاي لا تقوى على ثنْي ركبتيولكنني أستغفر الله شاتيًاوأقضيكها يا رب في وجه صَيفتيوإن أنا لم أفعل فأنت محَكَّمبما شئت من صفعي ونتف لحيتي
الأبشيهي- المستطرف في كل فن مستظرف (ص 618- طبعة شركة القدس)
لنا أن نحاور هذا الأعرابي الذي يخاطب ربه كأنه صديقه أو شخصًا سيحاسبه صفعًا ونتف لحية، أو نحاور صاحبنا الأفريقي الذي يبحث عن الثراء، نحاورهما ونجد الفكاهة في خطابيهما رغم اختلاف معهما.
لكننا نبتسم ابتسامة رثاء لقول الشاعر الذي يفضح بعض من وصفهم في المجتمع:
صلَّى وصام لأمر كان ينشده
ومذ حواه فلا صلى ولا صاما
(اليوسي- زهر الأكم في الأمثال والحكم ص 235. وفي روايات متأخرة:
لما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما)
أما صاحبنا المعرّي فكان متشائمًا أكثر:
قالوا فلان جيد لصديقه... لا تكذبوا ما في البرية جيد
فأميرهم نال الإمارة بالخَنا... وتقيّهم بصلاته يتصيد
(المعري- اللزوميات ج1، ص 277.)
ثم إن المعري كان شديد الجنوح في اشتراطه على الله، إذ قال:
إذا كان لا يحظى برزقك عاقــلوترزق مجنونا وترزق أحمقافلا ذنب يارب السماء على امرئرأى منك ما لا يشتهي فتزندقا
(ورد البتان في كتاب ياقوت الحموي- "معجم الأدباء": مادة- أحمد بن عبد الله بن سليمان، وفي "البداية والنهاية" ج 15- لابن كثير- أحداث سنة تسع وأربعين وأربعمائة، حيث يصف مروق المعري وزندقته).