الأربعاء ٣ آب (أغسطس) ٢٠١٦

النقد العربي الحديث..

محمد إدريس

يعد النقد من أهم الحوافز الدافعة الى إزدهار الإبداع الأدبي والفني، وتطوير أشكاله ومقاصده، وما إزدهر أدب في عصر من العصور إلا وكان النقد مواكباً له في الازدهار، والعكس بالعكس صحيح، الإحساس بجمال النص عند الناقد يختلف عنه عند الانسان العادي، حيث يكتفي الانسان العادي بتذوق الجمال دون أن يتعدى هذه المرحلة، بينما يتذوق الناقد النص ويغوص في أعماقه محللاً ومفسراً ومقيما، يقوم النقد الأدبي الحديث بدور هام في تقييم وتقويم الآداب والفنون، حيث يحلل ويفسر ويقيم ويوجه، متخذاً من المناهج النقدية الحديثة (الأسلوبية، البنيوية، التفكيكية، المنهج النفسي، المنهج الاجتماعي، المنهج التكاملي) نبراسأ وهاديا،

لم يعرف العرب في الجاهلية النقد الأدبي بمعناه المنهجي المعروف اليوم، لكنهم عرفوا النقد بصورته البدائية البسيطة، حيث كان نقدهم يعتمد على التذوق والانطباع الذاتي، كما كان يفعل النابغة الذبياني عندما كان يقيم شعر الخنساء وكعب بن زهير، لكنهم منذ القرن الثاني الهجري وما تلاه، عرفوا النقد بطريقة منهجية دقيقة، وبطريقة متعمقة (فقد عرف العرب مجموعة من المناهج النقدية، فلئن وجدت في النقد الغربي الحديث الأسلوبية والبنيوية والتفكيكية والتكوينية والمنهج النفسي السيكولوجي، ففي النقد العربي القديم وجد المنهج البيئي كما هو الحال عند الأصمعي في (الأصمعيات)، والمنهج الطبقي كما هو لدى ابن سلام الجمحي في كتابه (طبقات فحول الشعراء)، والأسلوبي كما هو لدى الجرجاني، متمثلاً بنظرية النظم في كتابه (دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة)، والمنهج المقارن لدى الآمدي في كتابه ( الموازنة بين الطائيين، البحتري وأبو تمام)، والمنهج الفلسفي لدى حازم القرطاجني في تناوله قضية التخييل والمحاكاة في كتابه (منهاج البلغاء وسراج الأدباء). أما اليوم فنحن نقف بإزاء الكثير من المناهج النقدية الغربية الكثيرة، التي اقتحمت حياتنا، وسيطرت على تصرفاتنا، وسببت لنا صدمة حضارية عنيفة، بحيث وقفنا أمامها حائرين وتائهين، فبعضنا رحب بهذه المناهج، وتحمس لها كثيراً، وعدها فتحا ًمبيناً من فتوحات الفن والأدب، والبعض الآخر وقف منها موقف الحذر، وموقف التشكيك، الذي يخاف على ثقافته وهويته الشرقية من المحو، ومن الاندثار، وعدها موضة جديدة لا تتناسب مع بيئتنا، ولا مع حضارتنا، أما البعض الثالث فقد أمسك بالعصا من الوسط، فقد تمسك بقديمه الأصيل، وفتح أبوابه ونوافذه للغرب، بحيث يأخذ منه كل ما هو جيد، وكل ما هو مفيد،والخلاصة في هذا الموضوع أن نأخذ من الفرقاء الثلاثة أفضل ما عندهم، بحيث نجمع من كل بستان زهرة، ونؤلف باقة نقدية جميلة ومتكاملة، تعمل كمنهج متكامل، يكمل بعضه بعضا، بحيث نأخذ من أجدادنا العرب خير ما توصلوا إليه، وننفتح على المناهج الغربية،، فنأخذ منها ما يناسبنا، وما يفيدنا وينفعنا، ولعل المنهج التكاملي الذي دعا إليه بعض النقاد يكون المنهج الصحيح، الذي يجمع ما بين الأصالة وما بين المعاصرة، ويلبي الكثير من قضايانا النقدية الشائكة، ويستجيب لكثير من أشواق نقادنا الحائرين.

محمد إدريس

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى