الاثنين ١٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٦
(114) بنغلاديش؛ دمّر صندوق النقد والبنك الدولي
بقلم حسين سرمك حسن

اقتصادها الزراعي والصناعي واشاع الفقر والمجاعة فيها

ملاحظة

هذه الحلقات مترجمة ومُعدّة عن مقالات ودراسات وكتب لمجموعة من الكتاب والمحللين الأمريكيين والبريطانيين.

(هناك مثال صارخ على إعادة الهيكلة المدمّرة التي فرضها صندوق النقد الدولي ويتعلق بصناعة الجوت الذي ظل واحدا من المصادر الرئيسية للنقد الأجنبي في بنغلاديش وقادرا على المنافسة مع البدائل الصناعية التي تنتجها الشركات المتعددة الجنسيات. طلب صندوق النقد الدولي، كشرط من شروط قروضه غلق ثلث معامل صناعة الجوت في البلاد، وتسريح 35000 عامل، ولم يضع في اعتباره تأثير قرار إعادة هيكلة صناعة الجوت هذا على نحو ثلاثة ملايين من الأسر الريفية (18 مليون نسمة) تعتمد على زراعة الجوت للبقاء على قيد الحياة).

(تم استخدام رفع القيود عن سوق الحبوب أيضا لدعم (تحت ستار "المعونة الغذائية الأمريكية") تصريف فوائض الحبوب الأمريكية. واستُخدمت برامج "الغذاء مقابل العمل" تحت رعاية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID "لتمويل" مشروعات التشغيل على مستوى القرية من خلال تقديم دفعات من الحبوب (بدلا من الأجور النقدية) للفلاحين الفقراء وبالتالي زعزعة استقرار أسواق الحبوب على المستوى المحلي)

(في حين أن مختلف وكالات الإغاثة والجهات المانحة قد أكدت على الدور الضار للعوامل المناخية، فإن تفاقم المجاعة في بنغلاديش كان بسبب سياسات صندوق النقد الدولي. أولاً، إن منع الحكومة من الاستثمار في مجال الزراعة ودرء الفيضانات قد فُرض على الحكومة من قبل الجهات المانحة منذ السبعينات وهو الذي أفضى إلى ركود الزراعة. وثانيا، فإن خفض قيمة العملة الذي جرى تنفيذه بعد فترة وجيزة من فيضانات 1991، تسبّب بزيادة بنسبة 50 في المائة في سعر التجزئة للأرز في السنة التي تلت وقوع الكارثة).

البروفيسور

مايكل شودوفسكي

كتاب "عولمة الفقر، تأثير اصلاحات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي"

المحتوى

(الانقلاب العسكري عام 1975 دبّره كيسنجر والمخابرات الأمريكية وبتأييد من البنك الدولي- إنشاء حكومة موازية تتحكم بالوزارات من البنك والجهات المانحة- إقامة الديمقراطية المزيفة بجهود الجهات المانحة كغطاء سلب ثروات البلاد- "اتحاد المساعدات" يتحكم بميزانية البلاد وتوزيع أموال الدولة- تقويض الاقتصاد الريفي- تدمير صناعة الجوت المنافس للجوت الغربي: تسريح 35000 عامل وتجويع 18 مليون نسمة يعتمدون على زراعته- غمر بنغلاديش بفوائض الحبوب المدعومة للولايات المتحدة- تقويض الاكتفاء الذاتي من الغذاء- تدمير الصناعة المحلية- إعادة تدوير أموال المساعدات- الأبعاد الاجتماعية المدمّرة لبرامج التكيف الهيكلي- مصادر هذه الحلقات)

الانقلاب العسكري عام 1975 دبّره كيسنجر والمخابرات الأمريكية وبتأييد من البنك الدولي

يقول البروفيسور "مايكل شودوفسكي" في مقالته "بنغلاديش تحت وصاية اتحاد المعونات" :
"أدّى الانقلاب العسكري في أغسطس 1975 إلى اغتيال الرئيس مجيب الرحمن وتنصيب المجلس العسكري.
وقد ساعد القائمين بالانقلاب أفرادٌ متنفذون في وكالة مخابرات الأمن الوطني في بنغلاديش ومكتب وكالة المخابرات المركزية في السفارة الأمريكية في دكا (لمزيد من المعلومات عن ذلك راجع الحلقة (42) المجرم كيسنجر أسقط التجربة الديمقراطية في بنغلاديش (1/2 مليون – 3 مليون قتيل) وفي شيلي (3 آلاف قتيل و30 ألف معتقل ومختفٍ).
في الأشهر التي سبقت مؤامرة الاغتيال، كانت وزارة الخارجية الأمريكية قد وضعت بالفعل إطارا لـ "انتقال سياسي مستقر" يجري تنفيذه في بنغلاديش في أعقاب سيطرة الجيش على السلطة. تم تأييد مبادرة واشنطن هذه وبحزم من جانب مؤسسات بريتون وودز (الصندوق والبنك) : فبأقل من سنة قبل اغتيال الشيخ مجيب الرحمن، طالب دائنو بنغلاديش الدوليون بتشكيل "اتحاد أو كونسورتيوم للمساعدات Aid Consortium " يكون تحت وصاية البنك الدولي. وفي حين أن برنامج "التكيف الهيكلي" لم يتم البدء به بعد رسميا، فإن حزمة بنغلاديش الاقتصادية في منتصف السبعينات تضمنت معظم مكوناته الأساسية. وفي كثير من النواحي، كانت بنغلاديش "حالة مختبرية"، فهي البلد الذي يمكن أن يُطبق فيه "الطب الاقتصادي" لصندوق النقد الدولي على أساس تجريبي (قبل أزمة الديون في أوائل الثمانينات). وُضع برنامج للاستقرار الاقتصادي: تخفيض قيمة العملة وتحرير الأسعار الذي ساهم في تفاقم حالة من المجاعة اندلعت في مناطق عديدة من البلاد. في أعقاب الإطاحة بالشيخ مجيب الرحمن واغتياله، تواصلت المساعدات العسكرية الأمريكية لبنغلاديش مشروطة بالتزام البلاد بوصفات صندوق النقد الدولي. برّرت وزارة الخارجية الأمريكية برنامج مساعداتها للنظام العسكري الجديد على أساس أن السياسة الخارجية للحكومة كانت "واقعية وغير منحازة". وكان على الولايات المتحدة دعم عدم الانحياز هذا ومساعدة بنغلاديش في التنمية الاقتصادية.

إنشاء حكومة موازية تتحكم بالوزارات من البنك والجهات المانحة

تخضع بنجلادش لإشراف مستمر من قبل مجتمع المانحين الدوليين منذ تولّي الجنرال ضياء الرحمن الرئاسة في عام 1975 خلال مدة الأحكام العرفية (أنتخب رئيسا عام 1978 ، وبدوره اغتيل في عام 1981) ، وكذلك في عهد الجنرال حسين محمد ارشاد (1980 – 1990)، وكان جهاز الدولة بالكامل تحت سيطرة المؤسسات المالية الدولية و "وكالات المعونة" الدولية بالتواطؤ مع الزمرة المسيطرة على الجيش. منذ افتتاحه، يلتقى "اتحاد المساعدات" سنويا في باريس. وتتم دعوة حكومة دكا عادة لإرسال مراقبين إلى هذا الاجتماع. قام صندوق النقد الدولي بإنشاء مكتب اتصال في الطابق الرابع من البنك المركزي، وكان مستشارو البنك الدولي متواجدين في معظم الوزارات. بنك التنمية الآسيوي الذي تسيطر عليه اليابان لعب أيضاً دورا هاما في صياغة السياسات الاقتصادية الكلية لبنغلاديش. اجتماع عمل شهري كان يُعقد تحت رعاية مكتب البنك الدولي في دكا لتمكين مختلف الجهات والوكالات المانحة من "التنسيق" بكفاءة (خارج وزارات الحكومة االبنغلاديشية ودون علمها بما يجري) لإدارة العناصر الأساسية لسياسة الحكومة الاقتصادية.

في عام 1990، تصاعُد معارضة الدكتاتورية العسكرية وكذلك استقالة الجنرال حسين محمد أرشاد المتهم بالفساد والكسب غير المشروع، أفضي إلى تشكيل حكومة مؤقتة وإجراء انتخابات برلمانية. الانتقال نحو "الديمقراطية البرلمانية" في ظل حكومة السيدة خالدة ضياء، أرملة الرئيس الجنرال ضياء الرحمن، لم يفضي، مع ذلك، إلى تحولات كبيرة في بنية مؤسسات الدولة. وفي كثير من النواحي، تم الحفاظ على المقرّبين من الجنرال إرشاد وتم تعيينهم في مناصب بارزة ورئيسية في الحكومة "المدنية" الجديدة.

إقامة الديمقراطية المزيفة بجهود الجهات المانحة كغطاء لسلب ثروات البلاد

ساهمت الإصلاحات الاقتصادية التي رعاها صندوق النقد الدولي في تعزيز "الاقتصاد الريعي" الذي تسيطر عليه النخب الوطنية ويعتمد إلى حد كبير على التجارة الخارجية وإعادة تدوير أموال المساعدات. مع استعادة "الديمقراطية البرلمانية"، عزّز الأفراد الأقوياء داخل الجيش مصالحهم التجارية. حزب الحكومة؛ الحزب الوطني البنجلاديشي، كان تحت حماية الزمرة المهيمنة على الجيش. مع استعادة الديمقراطية الشكلية في عام 1991، تولّت الشيخة "حسينة واجد" ابنة الرئيس "مجيب الرحمن" الذي تم اغتياله ، وهي من حزب رابطة عوامي، زعامة المعارضة. ومع انشغال الرأي العام وتركيزه على التنافس في البرلمان بين "الأرملة" (المقصود بها خالدة ضياء زوجة الرئيس ضياء الحق الذي اغتيل عام 1981) و"اليتيمة" (المقصود بها الشيخة حسينة التي اغتيل أبوها عام 1975)، كانت تعاملات جماعات السلطة المحلية، بما في ذلك أفراد من الجيش، مع "وكالات المعونة" والجهات المانحة تمر دون أن يلاحظها أحد تقريبا. وكانت الجهات المانحة وتحت اسم "الحكم الرشيد"، قد أصبحت من اشد المدافعين عن واجهة الديمقراطية الزائفة التي تسيطر عليها القوات المسلحة وتتحالف بصورة وثيق مع الحركة الأصولية "جماعة الإسلام". في بعض النواحي، أصبحت البيجوم خالدة ضياء "دمية سياسية" أكثر امتثالا للجهات المانحة من الدكتاتور العسكري المخلوع الجنرال ارشاد.

"اتحاد المساعدات" يتحكم بميزانية البلاد وتوزيع أموال الدولة

سيطر "اتحاد المساعدات" على المالية العامة في بنغلاديش. هذه العملية، ولم تتضمن فقط فرض التقشف المالي والنقدي بل منحت المانحين حق الإشراف المباشر على تخصيص الأموال وتحديد أولويات التنمية.

وحسب قول مستشار البنك الدولي:

نحن لا نريد عقد اتفاق حول الاستثمار في كل مشروع من المشارع، ما نريد هو فرض الانضباط. نحن نفضل قائمة كاملة بالمشاريع لنحدّد اي المشاريع سيتم الاحتفاظ بها وأي المشاريع سوف نتخلى عنها ونحذفها من القائمة. وعلاوة على ذلك، وتحت بنود إدارة الموارد العامة (1992)، حصل البنك الدولي على السيطرة على كامل عملية إعداد ميزانية الدولة بما في ذلك توزيع الإنفاق العام بين الوزارات وهيكل تشغيل النفقات في كل وزارة من الوزارات:

وكما قال مستشار البنك الدولي في دكا : "بالطبع نحن لا يمكن أن نكتب الميزانية بالنسبة لهم! المفاوضات في هذا الصدد معقدة. نحن مع ذلك نريد التأكد من أنهم يمضون في الاتجاه الصحيح (...) خبراؤنا يعملون مع موظفيهم في الوزارات ليبينوا لهم كيفية إعداد الميزانيات.

وقد تحكم "اتحاد المساعدات" أيضا بإصلاحات النظام المصرفي التي نُفّذت في ظل حكومة السيدة خالدة ضياء (صحيفة الديلي ستار قالت أن ثروتها بلغت 200 مليون دولار عام 2009، واتُهمت باختلاس 400000 دولار من أحد الصناديق الخيرية). أصدر البنك الدولي واتحاد المساعدات (أو الحكومة الموازية) أوامره بتسريح العمال وبإغلاق المؤسسات شبه الحكومية. ومنع التقشف المالي الحكومة من تعبئة الموارد الداخلية. وعلاوة على ذلك، وبالنسبة لمعظم مشاريع الاستثمار العام في البلاد فإن "اتحاد المساعدات" طلب أن تُطرح ضمن نظام مناقصات وعطاءات دولية. استولت شركات البناء والهندسة العالمية على عملية تكوين رأس المال المحلي مما أضر بالشركات على المستوى المحلي.

تقويض الاقتصاد الزراعي

اشترط صندوق النقد الدولي أيضا إلغاء الدعم للزراعة، وهي العملية التي ساهمت اعتبارا من بداية الثمانينات في إفلاس المزارع الصغيرة والمتوسطة الحجم. وكانت النتيجة زيادة ملحوظة في عدد المزارعين المعدمين الذين فقدوا اراضيهم وطردوا إلى الأراضي الهامشية المتضررة من الفيضانات المتكررة. وعلاوة على ذلك، فإن تحرير الائتمان الزراعي ساهم ليس فقط في تجزئة حيازات الأرض (والتي كانت أصلا تحت ضغوط كبيرة نتيجة للضغوط الديموغرافية)، ولكن أيضا عزّز الربا التقليدي وصعّد دور مقرض المال في القرية.

ونتيجة لإلغاء القروض الحكومية لصغار المزارعين، فإن أصحاب معدات الري قد عزّزوا موقفهم كطبقة جديدة من ملّاك المياه الريعية. ومع ذلك، فإن هذه التطورات لم تؤدي إلى "تحديث" الزراعة القائم على تكوين طبقة من أغنياء المزارعين أصحاب المشاريع الكبيرة. بعبارة أخرى، أحبط برنامج التكيف الهيكلي تنمية الزراعة الرأسمالية منذ البداية. وبالإضافة إلى إهمال البنية التحتية الزراعية، فإن مؤسسات بريتون وودز (الصندوق والبنك) فرضت تحرير التجارة ورفع القيود عن أسواق الحبوب. ساهمت هذه السياسات في ركود الزراعة الغذائية التي كانت تجهز السوق المحلية.

تدمير صناعة الجوت المنافس للجوت الغربي: تسريح 35000 عامل وتجويع 18 مليون نسمة يعتمدون على زراعته

وهناك مثال صارخ على إعادة الهيكلة المدمّرة التي فرضها صندوق النقد الدولي ويتعلق بصناعة الجوت. فعلى الرغم من انهيار الأسعار العالمية، ظل الجوت واحدا من المصادر الرئيسية للنقد الأجنبي في بنغلاديش وقادرا على المنافسة مع البدائل الصناعية التي تنتجها الشركات المتعددة الجنسيات. منافسة غير مشروعة؟ ... طلب صندوق النقد الدولي، كشرط من شروط قروضه الممنوحة ضمن برامج التعديل الهيكلي غلق ثلث معامل صناعة الجوت في البلاد (بما في ذلك المعامل العامة والخاصة)، وتسريح 35000 عامل. لم يضع صندوق النقد الدولي في اعتباره تأثير قرار إعادة هيكلة صناعة الجوت هذا على نحو ثلاثة ملايين من الأسر الريفية (18 مليون نسمة) تعتمد على زراعة الجوت للبقاء على قيد الحياة.

غمر بنغلاديش بفوائض الحبوب المدعومة للولايات المتحدة

تم استخدام رفع القيود عن سوق الحبوب أيضا لدعم (تحت ستار "المعونة الغذائية الأمريكية") تصريف فوائض الحبوب الأمريكية. واستُخدمت برامج "الغذاء مقابل العمل" تحت رعاية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID "لتمويل" مشروعات التشغيل على مستوى القرية من خلال تقديم دفعات من الحبوب (بدلا من الأجور النقدية) للفلاحين الفقراء وبالتالي زعزعة استقرار أسواق الحبوب على المستوى المحلي (لمزيد من المعلومات عن الدور التخريبي للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID راجع الحلقات 24 و25 و26 من هذه السلسلة).

ومن الجدير بالذكر أن مبيعات حبوب الولايات المتحدة في السوق المحلية خدم غرضين مترابطين. الأول، هو أنها سمحت لحبوب الولايات المتحدة المدعومة بالمنافسة المباشرة مع المواد الغذائية المنتجة محليا مما أضر بتطوّر المنتجين المحليين غير قادرين على منافسة المنتجات الأمريكية المدعومة من الحكومة الأمريكية. والثاني، هو أن مبيعات حبوب الولايات المتحدة استُخدمت في السوق المحلية لتوليد "الأموال المناظرة". وكانت هذه الأخيرة توجّه بدورها إلى مشاريع التنمية التي تسيطر عليها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية؛ أي التي بحكم طبيعتها سترسّخ اعتماد بنجلادش على الحبوب المستوردة. على سبيل المثال، استُخدمت الأموال النظيرة الناتجة من مبيعات الحبوب (تحت القانون رقم 480) في بداية التسعينات لتمويل معهد البحوث الزراعية في بنغلاديش. وفي إطار هذا المشروع، تقرّر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مجالات البحث ذات الأولوية التي سيتم تمويلها في المعهد.

تقويض الاكتفاء الذاتي من الغذاء

هناك أدلة على أن الاكتفاء الذاتي الغذائي في بنغلاديش كان يمكن أن يتحقق من خلال توسيع الأراضي الصالحة للزراعة تحت الري وكذلك من خلال الإصلاح الزراعي الشامل. وعلاوة على ذلك، كشفت دراسة حديثة أن مخاطر الفيضانات يمكن تخفيضها بشكل كبير من خلال تطوير مناسب للبنية التحتية.

ولكن برنامج التكيف الهيكلي يشكل العقبة الرئيسية أمام تحقيق هذه الأهداف. أولا ، عرقل هذا البرنامج تطوير سياسة زراعية مستقلة؛ وثانيا ، وضع وبصورة متعمدة حضراً (من خلال برنامج الاستثمارات العامة تحت إشراف البنك الدولي) على استثمارات الدولة في الزراعة. ركود الزراعة الغذائية "المبرمج" هذا خدم أيضا مصالح منتجي الحبوب في الولايات المتحدة. التقشف المالي الذي فرضه "اتحاد المساعدات" منع تعبئة الموارد المحلية لدعم الاقتصاد الريفي المضطرب.

تدمير الصناعة المحلية

لقد أدت حرب الاستقلال إلى تدمير قطاع الصناعة الذي تطوّر منذ عام 1947 وإلى نزوح جماعي لرجال الأعمال والمهنيين. وعلاوة على ذلك، فإن الأثر الاقتصادي للحرب صار أكثر تدميرا لأن "اتحاد الصناعات" لم يمنح بنغلاديش "فسحة للتنفس" كي تعيد بناء اقتصادها وتنمّي مواردها البشرية.

برنامج التكيف الهيكلي الذي اعتُمد على عدة مراحل منذ عام 1974 سدّد ضربة قاتلة ونهائية إلى القطاع الصناعي في البلاد. فبرنامج الاقتصاد الكلي الذي فرضته مؤسسات بريتون وودز المالية (الصندوق والبنك) ساهم في تقويض الصناعات القائمة، ومنع في الوقت نفسه تطوير مجالات جديدة من النشاط الصناعي الموجهة نحو السوق الداخلية .

وعلاوة على ذلك، فإنه مع نظام زراعي مجزأ وغياب واضح للتصنيع الريفي، فإن فرص العمالة غير الزراعية في ريف بنغلاديش كانت غير موجودة. وكانت الصناعة المعتمدة على المناطق الحضرية، محدودة إلى حد كبير بتصدير منتجات قطاع الملابس الذي يعتمد اعتمادا كبيرا على العمالة الرخيصة القادمة من المناطق الريفية. ووفقا لتصريح الممثل المقيم لصندوق النقد الدولي في دكا، فإن الصناعات القابلة للحياة هي فقط تلك التي تستخدم إمدادات وفيرة من العمالة الرخيصة لقطاع التصدير: فما الذي تريد حمايته في هذا البلد؟ لا يوجد شيء لغرض حمايته. انهم يريدون حماية دائمة ولكن لديهم أساسا ميزة نسبية في الصناعات كثيفة العمالة.

من وجهة نظر صندوق النقد الدولي، كانت صناعة الملابس تشكل المصدر الرئيسي لفرص العمل في المناطق الحضرية. هناك ما يقارب 300000 من عمال صناعة الملابس معظمهم من الفتيات الصغيرات. ستة عشر في المائة من هذه القوة العاملة هم من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و 14. معظم العمال يأتون من المناطق الريفية الفقيرة. (سبعون في المئة من عمال صناعة الملابس هم من الإناث، و 74 في المائة هم من المناطق الريفية، تمثّل عمالة الأطفال على التوالي 16 و 8 في المائة من العاملات والذكور).

الإنتاج في المصانع يتم عن طريق العمل الإضافي الإلزامي والإدارة الاستبدادية: أجور العامل وبضمنها أجور العمل الإضافي لا تزيد على 20 دولار في الشهر. في عام 1992 تم قمع تجمعات عامة لعمال صناعة الملابس بصورة وحشية من قبل قوات الأمن. ووفقا للحكومة، فإن مطالب العمال تشكل تهديدا لميزان المدفوعات.

إعادة تدوير أموال المساعدات

في حين تشارك العديد من منظمات المساعدات غير الحكومية في مشاريع هادفة على مستوى القاعدة الشعبية، فإن العديد من "خطط التخفيف من حدة الفقر" التي يرعاها البنك الدولي تشكّل ، بدلا من مساعدة الفقراء، مصدرا هاما من مصادر الدخل للسياسيين والبيروقراطيين في المناطق الحضرية. ومن خلال مختلف الوكالات المنفذة المحلية القائمة في دكا، أصبحت النخب المحلية سماسرة للتنمية ووسطاء يتصرفون نيابة عن مجتمع المانحين الدوليين . الأموال المخصصة للفقراء في المناطق الريفية صارت تسهم في كثير من الأحيان في إثراء الضباط العسكريين والبيروقراطيين. "أموال المساعدات" هذه يُعاد تدويرها فى استثمارات تجارية وعقارية بما في ذلك بناء المكاتب، والشقق المترفة... الخ

الأبعاد الاجتماعية المدمّرة لبرامج التكيف الهيكلي

بعدد سكان يبلغ أكثر من 130 مليون نسمة، فإن بنغلاديش تُعتبر بين البلدان الأكثر فقرا في العالم. نصيب الفرد من الدخل يعادل 170 دولارا سنويا. النفقات السنوية على الصحة في عام1992 كانت في حدود 1.50 دولار للفرد (يُنفق منها أقل من 25 سنتا للفرد الواحد على الأدوية الأساسية). باستثناء تنظيم الأسرة، اعتُبرت النفقات الاجتماعية في بنغلاديش مُفرطة من قبل البنك الدولي: في 1992-1993، طلب "اتحاد المساعدات" في بنغلاديش من الحكومة تنفيذ المزيد من جولات تخفيضات "التكلفة الفعّالة" في ميزانيات القطاع الاجتماعي. وقد تميز نقص التغذية أيضا بارتفاع معدل انتشار

نقص فيتامين ألف A (الناتج عن نظام غذائي يتكون حصريا من العيش على الحبوب). كثير من الأطفال والكبار وخاصة في المناطق الريفية أُصيبوا بالعمى نتيجة لنقص فيتامين ألف. وثمة حالة من المجاعة المزمنة سادت في عدة مناطق من البلاد.
في عام 1992 ، حثّ اجتماع "اتحاد مساعدات" بنغلاديش في باريس حكومة السيدة خالدة ضياء لتسريع تنفيذ الإصلاحات كوسيلة لـ "مكافحة الفقر". ونصحوا حكومة بنغلاديش (بما يتفق مع خطة عمل لويس بريستون الرئيس الجديد للبنك الدولي) بأن ضمان الدعم المقدم من المانحين سيكون فقط للدول "التي تبذل جهودا جادة في مجال الحد من الفقر".

في عام 1991، توفي 140000 شخص نتيجة الفيضانات التي اجتاحت البلاد (معظمهم من الفلاحين الذين لا يملكون أرضا وسيقوا سابقا إلى المناطق المتضررة من الفيضانات المتكررة كما ذكرنا ذلك). عشرة ملايين شخص (ما يقرب من عشرة في المائة من السكان) صاروا بلا مأوى. ومع ذلك، لم يُثبت في هذه الإحصائيات "الرسمية"، أولئك الذين ماتوا من المجاعة في أعقاب الكارثة. في حين أن مختلف وكالات الإغاثة والجهات المانحة قد أكدت على الدور الضار للعوامل المناخية، فإن تفاقم المجاعة عام 1991 كان بسبب سياسات صندوق النقد الدولي التي تدعم سياسة الاقتصاد الكلي. أولاً، إن منع الحكومة من الاستثمار في مجال الزراعة ودرء الفيضانات قد فُرض على الحكومة من قبل الجهات المانحة منذ السبعينات وهو الذي أفضى إلى ركود الزراعة. وثانيا، فإن خفض قيمة العملة الذي جرى تنفيذه بعد فترة وجيزة من فيضانات 1991، تسبّب بزيادة بنسبة 50 في المائة في سعر التجزئة للأرز في السنة التي تلت وقوع الكارثة. وكانت هذه المجاعة شديدة الخطورة لأن نسبة كبيرة من مواد الإغاثة في حالات الطوارئ التي قدمتها الجهات المانحة قد استولت عليها النخب المتميزة في المدن".

مصادر هذه الحلقات

مصادر هذه السلسلة من الحلقات عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي سوف تُذكر في الحلقة الأخيرة من هذه السلسلة بإذن الله.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى