الثلاثاء ٤ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٦
بقلم فراس حج محمد

في الأربعين ثمّة ما هو جميل كذلك

لا يحسن بالمرء أن ينجب أطفالا بعد الأربعين، ولا أن يقرأ رواية رومانسية بعد هذا العمر، هل الأربعون عمر كالح؟ لماذا هو كذلك؟ لا أريد جوابا. ربما هو أبعد من هذا الوصف. لعله واضح تماما أيضاً.

حبيبتي أيضا تجاوزت الأربعين، فنحن خطونا على ذات السنوات أربعين خطوة قبل أن كتبنا أربعين حرفا، وقبل أن أصارحها بالحب مكثت أربعين يوما. هل فعلا مكثت أربعين يوما؟ لا أدري. ربما كانت أربعين ساعة أو دقيقة حتى.

الأربعون رقم مخيف. يا إلهي أصبحت أربعين عاما! عندما اكتملت أربعينيّتي انتظرت ليتئذ ملك الموت، لم يأت. انتظرته أربعين يوما إضافيا ولم يأت، عرفت أن عمري سيتجاوز الأربعين عاما إذن. من حسن حظي أنه لا أحد من زملائي وزميلاتي أو أصدقائي فارق الحياة وهو أربعون عاما. صديق واحد ودعني وهو في عشرينياته المقهورة، أما ما عدا ذلك فكل زملائي وزميلاتي في المدرسة والجامعة، وأصدقائي ما زالوا يتمتعون بأربعينياتهم المشوّهة.

كم هو مخيف أن يلاحقك شبح الموت. صديق شاعر كان متوقعا ألا يطول عمره، وكان ينتظر مثلي أن يحنّط اسمه على شاهدة قبر تشير إلى أنه فارق ظلام الحياة إلى نور الأبدية المطلق وهو في الأربعين. فخيّب الموت آماله، ولم يأتِ. لكنه لم يعد ينتظر ملك الموت.

إذن سأعيش كلّ أربعينيّتي وأتمتع بها، سأقرأ المزيد من الكتب، وأبحث عن كتب أكثر حكمة، سأكتب العديد من القصص، سأبعث لحبيبتي المزيد من القصائد القصيرة. بعد الأربعين تطورت في الكتابة. صرت ماهرا في الانغماس في كثافتي العمرية، فطاوعتني لغتي المكثفة. حبيبتي الأربعينية تحبّ ذلك مني. صارت تعجبها القصائد أكثر، وتقرأها بشهية أنثى أربعينية تجاوز عمرها حد القلق من ملك الموت. مثلي تماما، صارت ذات لغة شفافة تقطر شعرا وعشقا غير عابئة بالعمر المتراكم بعضه فوقَ بعض.

لعلّ من أشد الأشياء غرابة في حياتي بعد أن تعديت حاجز الموت في الأربعين، أنني صرت ألاحظ هذا العدد كثيرا، في صفحات الكتب التي أقرؤها، فكلما وصلت إلى الصفحة الأربعين، تذكرت أنني حيّ وأمارس أربعينيتي بشهوتي الحادة للقراءة. هذه الشهوة التي قلّمت وحشيّتها في التعامل مع ممارسة الحب في الفراش. فلا أريد المزيد من الماء الدافق، خشية المزيد من الأطفال. أردت أن أكون أكثر حريّة من قبل. ولا أريد لجسدي أو جسد امرأة ما أن يستعبدني. لم أعد أشتهي شيئا من أجساد النساء المنتصبة.

تدفعني الحاجة للتأمل أن ألاحظ العدد أربعين في عدد طلابي الذين أدرّسهم، وفي العدد الذي وصلت إليه عدّاداتُ المركبات التي أستقلّها، وصرت ألتفت إلى أربعينيات معرفية كثيرة، فتعرفت إلى قواعد العشق الأربعين، وانتبهت إلى الأربعين يوما في الصيام، وأربعين يوما للطهارة بعد النفاس الذي توقفت عن إنتاج حالته. وميعاد موسى الأربعينيّ قبل لقاء ربه.

ثمة أربعون سببا داخليا آخر صرت ألاحظها وأنا جالس مع ذاتي، أستغرق مثلا في عدّ النساء اللواتي مررن في حياتي قبل الأربعين. ما أجمله من منظر وأنت مستلق على ظهرك وتعدد خساراتك في فترة ما قبل الأربعين! يا لمحاسن الصدف؛ وقف العدد عند أربعين امرأةً، منهن كرهنني جدا، ومنهن تناسين قصائدي، ومنهن احتقرنني في سن المراهقة، قد تقرأ الآن هذا الاعتراف زميلة مدرسية وتضحك وتتذكر، وربما التهبت ذاكرتها واسترجعت ما كنّ يقلنه عني، ما زلت أحفظ نظراتهن المشمئزة مني ومن ضحكتي المكسورة.

من هؤلاء الأربعينيّات عددا، واحدة فقط أصبحت أمّا لأولادي، لكنها لم تصل مثلي إلى سنّ الأربعين بعدُ، وامرأة أخرى صارت حبيبتي، أربعينية مثلي، لكنها ربيعية. ما زالت تكتب لي كلما هلت الشمس بنورها "صباح الخير". وتجهز لي فنجانَ قهوةٍ افتراضيّاً لنشربه سويّاً، قبل الذهاب إلى العمل. ما زالت تؤمن مثلي أن القصيدة الصالحة للتلاوة هي التي تتألف من أربعين كلمة فقط. وأن الجمال الحقيقي يكمن في أننا وصلنا معا إلى حقيقة واحدة؛ ما أجمل أن تعشق امرأة أربعينية وأنت في الأربعين من عمرك!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى