الأربعاء ٢٤ أيار (مايو) ٢٠٠٦
بقلم مروة كريديه

" المقدس " في المجتمعات الانسانية

حروب وصراعات

لقد اهتم الفلاسفة والمفكرون منذ القدم بدراسة وتحليل المفاهيم المتعلقة بعالم الخيال ذاك المقدس الذي يقود مجتمع ما , وعلاقة هذا المتخيل بالمجتمعات, وقد عبّر كل واحد منهم عن ذلك بمصطلحات وأعطاها الدلالات الرمزية والمعنوية والأبعاد الاجتماعية بدءًا من أرسطو و كاستورياديس اليوناني الذي تناول موضوع التأسيس الخيالي للمجتمع,مرورًا بالفارابي وابن رشد وابن خلدون وابن عربي وصولا الى كانت وجان بول سارتر وجلبار ديران .

ومع تطور علوم الأنسنة وعلم النفس والدراسات الأنتروبولوجية, توسعت الدراسات, وظهرت العديد من البحوث والدراسات التي تناولت الحياة المجتمعية وعلاقة الإنسان بالإنسان, وعلاقة الإنسان بالمجتمع و....و الكثير من هذه الدراسات جاد وقدم للبشرية رؤية خلاقة ساهمت في الإبداع الحضاري للإنسان .

والباحث يقف اليوم أمام هذا الإنتاج الفكري الضخم, الذي خلّفته الحضارات البشرية بأسرها, لا يستطيع إلا أن يلقي نظرة بانورامية للمشهد الحضاري الإنساني على مرّ العصور , هازئا بالواقع , متحسّرا على دماء تسفك هنا وهناك نتيجة "غباء " بشري سببه" قدسية "الأفكار, و"ذات" منغلقة لا ترى في أي كان مختلف عنها إلا شرّ يجب "صلبه " وحرقه و"سحقه "...فتقف ثائرة تريد حماية " مقدسها " فتمسح الأخضر واليابس !!!!!!

وطالما راودتني أسئلة وجوديّة في صغري, وكنت أسأل نفسي وأنا أسير عائدة من مدرستي في شارع الحمراء ببيروت , كنت أتأمل وجوه البشر تمر أمامي و أراقب حركتهم التي تتكرر يوميا :الباعة , ماسحي الأحذية, كشك الجرائد ومقاهي الأرصفة واطرح على نفسي سؤال مفاده :ماهي العلاقات الرمزية التي تحدد غايات مجتمع ؟؟ وكيف تتجسد عملية خلق المجتمعات وتأسيسها؟؟؟
من الذي يؤسس هذا المجتمع لينتج أفراد متطابقين الى حد ما أو منضبطين ضمن قواعد وشروط هذا المجتمع أو ذاك؟؟؟؟؟

من يقول أن هذا عيب أو محرم؟؟؟؟ من يحدد ما هو مسموح وما هو غير مسموح؟؟؟ من يشرع ومن يسن القوانين الاجتماعية ؟؟؟؟؟؟ ما هو هذا الشبح "المقدس " الذي لا يمكن ان نراه وهو يتدخل في تفاصيل حياتنا اليومية ؟؟؟؟؟
كنت متمردة من داخلي على هذا المجتمع ومن داخلي ارفض التعليم عبر ما يسمى ب"المدارس النظامية" تلك الماكينة التي تحاول أن تعيد إنتاج شروط إنتاج المجتمع السابق لتمنحه أطفالها لقب "اجتماعيين "!!! تعمل على تشويه فطرتهم التي تحوي أسمى معاني السلام والمحبة وتحولهم الى حاقدين على هذه الملة او تلك !!!!!!!

كنت أرفض ما يسمى بالمؤسسات الاجتماعية المنغلقة حتى لو كانت الأسرة !!!تلك المؤسسة التي يمارس فيها الأهل هواية السلطة بحجة التربية وتقمع الرغبات بعنف بحجة التهذيب!!!!! ويتم من خلالها تلقين الشحن الاثني الطائفي والطبقي والعرقي وحتى المذهبي!!!!!بحجة أنهم أبناء " أصول " !!!!
كنت امقت المرجعيات المطلقة التي تستمد الأنظمة الاجتماعية منها الشرعية والقدسية وتعتمدها كمصدر " مقدس" للتشريعات البشرية وسن القوانين الأخلاقية .
كان اللبنانيون وقتها في الثمانينيات, شأنهم شأن المجتمعات العربية والتقليدية الأخرى, قد وضعوا أنفسهم ضمن اثنيات عرقية متنافرة, ومتصارعة هذه المجتمعات التي تأسست على قاعدة الانغلاق التام, والسور العالي, والسياج الكامل,تلك الذات المنغلقة التي تخشى على نفسها ,وتدفن رأسها في مجتمع "ذواتي" يعتبر أن نظرته للعالم هي الوحيدة والفريدة الصحيحة التي تقدم الحلول للبشرية جمعاء وفيها "خلاص" كل الخليقة والبشرية جمعاء!!!

و تحصيل حاصل فإن هذه المجتمعات طاردة لموهوبيها من جهة , و تتمسك بكل فكر يؤسس ويشرع لانغلاقها من جهة أخرى , وبالتالي فهي ترفض كل من تسول له نفسه أن يخرج عن "ناموسها " , وبالتالي فإن فكرة " الوظيفة " في تلك المؤسسات يعني الانصياع التام لقانون تلك " المؤسسة " التي تريد أن تشتري منك فكرك بثمن بخس وتحاول أن تحولك من إنسان "مفكر " الى كورس " يُسَبِّح بحمد " المدير " الفلاني ويُشَرّع له "الغباء " ...

في هذا المجتمع يصبح ما يسمى ب"المثقف " "عاهرًا " وذاك الكائن الذي ينكش وينبش ليجعل من هذا" السياسي" أو ذاك, إنسان "فاضل " ويضع له النظريات التي تساهم في شرعنة وجوده , و"المثقف الأكثر رواجًا هو ذاك الذي يشرع لقدسية أفكار ويحولها الى دوغمائية منغلقة تسيّر الأمم والشعوب ... يضع الأفكار التي تُشرِّع سفك دماء "الآخر " وتنظر له تلك النظرة الرافضة للغير التي تريد أن تبيد الآخر, وان اعترفت به شكليا فهي تريد أن تضعه ضمن إطار ودائرة التصنيف الموجودة في مخيالها الاجتماعي الخاص بها .

وأنا اليوم أتخيل مجتمع مخالف للمعهود الاجتماعي ومغاير للمقبول المجتمعي, وارى نفسي خارج الكرة الأرضية وأنا انتمي إليها, اسبح في كون لا متناهي, أحسّ بالكائنات جميعها انسجم معها وأتناغم مع سيرورتها أبادلها الحب والحنان لا أؤمن بجماعة ولا مجتمع, بل أؤمن و اقبل بكل شيء, واعترف وأحب كل من حولي من الشجر وحتى الحجر , وأقول :إن سبب "كونية" الأفراد لا يعود إلى العقلانية التي يتحلون بها , بل إلى قدرة هؤلاء الأفراد على التخيل الخلاق, تخيل الأمور على صورة أخرى تستطيع أن تفكر بشكل مختلف لذلك فهي تصل الى حلول نوعية .

فلنقف دقيقة صمت عراة أمام أرواحنا .....ونخرج من" ذواتنا الإجتماعية " ..... نعري كل شي... سنرى عندئذ فطرة سويّة عذراء لا تفرق بين الكائنات والموجودات , فطرة كونية تسبح في رحاب كون واسع ....

حروب وصراعات

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى