الثلاثاء ٢٠ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٦
بقلم فاروق مواسي

إخلاص الر جل ووفاؤه للمرأة

لا تتناول كتابتي اليوم موضوع الغزل الذي قيل في المرأة، وهو موضوع واسع جدًا، ولكني سأقف على العلاقة الإنسانية اليومية، في هذا السكَن وهذا الود والأنس الجامع بين الرجل والمرأة.

أكتب لأن سائلاً سألني عن أبيات شعرية من قائلها؟

رأيت رجالا يضربون نساءهم ... فشلّت يميني يوم تُضرب زينب
أأضربها من غير ذنب أتت به ... فما العدل مني ضربُ من ليس يذنب

فزينب شمسٌ والنساء كواكب ... إذا طلعت لم يبدُ منهن كوكب

أولاً وجدت هذه الأبيات في كتاب الأبشيهي: (المستطرف، ص 601)

ثم وجدت هذه الأبيات منصوبة أيضًا:

رأيت رجالا يضربون نساءهم ... فشلت يميني يوم أضرب زينبا
أأضربها من غير ذنب أتت به ... فما العدل مني ضربُ من ليس مذنبا
فزينب شمسٌ والنساء كواكب ... إذا طلعت لم تُبقِ منهن كوكبا

(العقد الفريد، ج6، ص 94)

البيت الثالث كما يُلاحظ مستقى من معِين النابغة الذبياني في مدحه للنعمان:

فإنك شمس والملوك كواكب
إذا طلعتْ لم يبدُ منهن كوكبُ

وفي بعض المصادر أضيف بيت رابع على الرويّ المنصوب:

وكلُّ محبٍّ يمنحُ الودَّ إلفَهُ
ويعذرُه يومًا إ ذا هو أذنبا

أما الأبيات فهي لشُرَيح القاضي* وهو من التابعين، وقد ولاه عمر الفاروق القضاء.
وحكاية الأبيات مذكورة في كتاب الأبشيهي: (المستطرف في كل فن مستظرف) باب "في ذكر النساء وصفاتهن"، ص 601.

يقول ابن خَلِّكان أن شُريحًا ضرب زوجه زينب، ثم ندم على ذلك (ابن خَلّكان، وفَـيَات الأعيان، ج2، 462، فقال هذه الأبيات.

وثمة رواية أن أم زينب حاورت شريحًا حول سلوك ابنتها، وطلبت منه أن يضربها بالسوط إن رابه منها شيء، فأنكر عليها هذا الطلب، وقال:

"أشهد أنها ابنتك، فقد كفيتنا الرياضة، وأحسنت الأدب".

ثم قال الأبيات...

وفي (الأغاني) نجد بيتًا إضافيًا هو غزل فيها:

فتاة تزين الحي إن هي حُلّيت
كأن بفيها المسكَ خالط محلبا

(الأغاني، ج17، ص 224- دار الفكر)

لكن ابن عبد ربه (العقد الفريد، ج 6، ص 95) يقول إن شُريحًا قال الأبيات يعرّض بجار له كان يضرب امرأته.

كم حريًّا بنا أن نبحث عن الإيجاب في هذا التراث العظيم، نلتقط منه الدرر، فنزين بها سلوكنا، بدل العنف الذي يشيع ويستبد بين ظهرانَينا. والأولى أن نعمد إلى ما يخص موضوع المرأة ومعاملتها بالحسنى، فنتلو ما ورد في الذكر الحكيم: وعاشروهن بالمعروف- النساء، 19 أو فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان- البقرة، 229، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون - الروم، 21.

ونردد ما ورد في أكثر من حديث "استوصوا بالنساء خيرًا" و "ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم"، و "رفقًا بالقوارير"!

"أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم"، "خيركم خيركم لأهله...".

المرأة الصالحة تبقى في ذهن صاحبها علامة خير وراية معزة، ولذا كانت أبيات شُريح -وهو قاض فقيه- درسًا وعبرة لمن يعتبر.

في الشعر وجدنا للفرزدق أبياتًا قالها حين ندم على تطليق زوجته نوار، فتخيلوا هذا الوصف الذي يتملكه- أنها جَنّته، وأنه كآدم خرج من الجنة فمسّه الضر:

ندمتُ ندامة الكُسَعيّ لما = غدت مني مطلقةً نوارُ
فأصبحت الغداة ألوم نفسي = بأمر ليس لي فيه اختيار
وكانت جَنتي فخرجت منها = كآدم حين أخرجه الضِّرار

مما روي أن أبا بكر الصديق طلب من ابنه عبد الرحمن أن يطلّق زوجته- عاتكة بنت عمرو بن نُفَـيل، وكان يحبها حبًّا شديدًا، ولكنه لم يقدرعلى مخالفة أمر أبيه، فطلقها، فجزع عليها جزعًا شديدًا، وامتنع من الطعام والشراب، فقيل لأبي بكر: أهلكت عبد الرحمن. فمر به يومًا وعبد الرحمن لا يراه وهو مضطجع في الشمس، وكان يقول هذه الأبيات:

فوالله لا أنساك ما ذرَّ شـــــــارق
وما ناح قُمريُّ الحمام المطوّقُ
فلم أر مثلي طلّق اليوم مثلها
ولا مثلها في غير شيء يُطلَّق
لها خلُق عفٌّ ودين ومحتِد
وخلق سويٌّ في الحياء ومنطق

فسمعه أبوه، فرقَّ له، وقال له: راجعها يا بني!

فراجعها، وأقامت عنده حتى قتل عنها يوم الطائف، فقد أصابه سهم فقتله، فجزعت عليه جزعًا شديدًا وقالت ترثيه:

فآليت لا تنفكّ نفسي حزينةً
عليك ولا ينفكُّ جلدي أغبرا

(ن.م ، ص 602).

أخيرًا، فقصة قيس لبنى نموذج للوفاء، وقد كتبها عزيز أباظة مسرحية شعرية، فهي تتحدث عن هذا الوفاء الذي كنّه قيس لزوجه لبنى- التي ألح عليه أبوه بتطليقها لأنها لم تنجب، فانتهت المسرحية بما تنتهي به قصص الحب العذري- موت ثم موت.

* عن شريح بن الحارث القاضي تجد ترجمته في كتاب (المعارف) لابن قتيبة، ص 433.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى