الثلاثاء ٣١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٧
بقلم صالح أحمد كناعنة

ظلٌّ هنا... وروحٌ هناك

هي الحياة...

لا شيءَ فيها يُشبِهُها، إنها على دَرَجَةٍ مِنَ الوُضوحِ بِحيثُ أنّها لا تَقسو لِتَلين.. ولا تَلينُ لِتَقسو... هي لا تَقصِدُ اختِيارَ ضَحاياها... كما هُم يفعَلون!

لطالَما تَمَنَّيتُ لي بيتًا مَفتوحًا... كُلُّ شيءٍ فيهِ يَتَداخَلُ في أيِّ شيء.. بِتَمازُجٍ عَشوائِيٍّ يَبعَثُ على الألفَةِ والدِّفءِ...

لا أطيقُ الجُدرانَ... تَجعَلُني أبدو ظِلًّا هُنا وجَسَدًا هُناك.. حيثُ لا يَبقى للرّوحِ مَكانٌ... والنَّفسُ تُمارِسُ انشِطارَها بينَ هُنا الذي تَجِدُ، وهُناكَ الذي تَشتاقُ... والحَدُّ أنا!

كَم مِن خَيطٍ أبيَضَ تَسَلَّلَ عَبرَ سَوادِ غَفلَتِنا الذي ألِفناهُ مُنذُ أصبَحَ الوَقتُ مَلهاتَنا.. إذ لَم يَعُدِ لِروحِنا مَوطِئًا فيهِ.. وبِتنا ذاهِلينَ عَن حالِنا، نَبحَثُ عَن لَيلٍ لَهُ رائِحَةٌ تُشبِهُنا... وَكُلُّ ما تَحتاجُهُ أيّامُنا روحَ المَطر.

لَستُ أدري أهِيَ ذاكِرَتي المُثقَلَةُ... أم مَشاعِري المُرتَبِكَةُ... ما يَجعَلُني أتَّصِلُ بِأرواحِ أحبابي! سَواءً حينَ أفرحُ.. وحينَ أحزَنُ! ولا أملِك أن أدرِكَ في أيِّ الحالَينِ تَكونُ أرواحُهُم أكثَرَ شَفافِيَةً... وأكونُ مِنها أقرَب.

حينَ أرقُبُ بِعينِ روحي ما يَفعَلُهُ اختلاطُ المَطَرِ بِروحِ الأرضِ، أُدرِكُ كَم نَحتاجُ إلى فِكرٍ مُبدِعٍ؛ يُخرِجُنا مِنَ العالَمِ المَرئي إلى عالَمٍ يَعيشُ فينا، لا يَملِكُ أحَدٌ مِنَ البَشَرِ غَيرنا أن يَجعَلَهُ مَرئِيًا... أو يَجعَلَنا نَعيشُهُ.

أحِبُّك.. وكلَّما حاوَلتُ أن أكونَ أنتَ... أو أحمِلَكَ عَلى أن تَكونَ أنا... شَعرتُ بالوُجودِ يَنكَمِشُ فَيَتَقَزّمُ.. فأدرِكُ أنَّ الوجودَ هو أنا وأنت... والحبُّ روحُنا.

أغرَبُ ما في الإنسانِ أنَّهُ قد يَعتادُ على الأشياءِ إلى حَدِّ نِسيانِ وُجودِها!
هَل لهذا أنسى نَفسي؟

هل لِهذا يَجعَلُني حُبّي لَكُم أختارُ أن أقتَرِبَ لأحِسَّكُم.. وأبتَعِدَ لأشتاقَكُم.. وأشتاقَكم لأجدَ ما يَستَحِقُّ أن أضَحّيَ مِن أجلِهِ؟

كلُّ ما أفَكِّرُ فيهِ الآنَ.. أنّني يَجِبُ أن أكونَ غَدًا غيرَ ما كُنتُ عليهِ اليومَ... هكذا فقط أضمَنُ أن أبقى أنا الذي يُحِبُّكُم!

لا شيءَ يَتَوَقَّفُ تَمامًا في هذهِ الحياة... وكلُّ ما فيها يَنفُرُ من حالِ الثّبات.. فكُلُّنا نَعودُ مِن حَيثُ ذَهَبنا.. ونَذهَبُ مِن حَيثُ عُدنا.. نحيا لنَموتَ، ونموتُ لنحيا... نَهرُبُ مِن مُرِّ واقِعِنا إلى حلاوَةِ الحُلُم... ثمَّ نكتَشِفُ أنَّ الحُلُمَ عاشَ جَنينًا في رَحِمِ الواقِعِ... وأنَّ الواقِعَ ليسَ سِوى انتِصاراتِ الأحلامِ الخَلّاقَةِ العظيمَةِ..

لِكُلٍّ مِنّا أسطورَتُهُ الخّاصَّةُ... وَكُلُّ مِنّا مَجنونٌ مَفتونٌ بِأسطورَتِهِ، وعَلى طريقَتِهِ الخاصَّةِ... والحَكيمُ فينا.. مَن يَجعَلُ أسطورَتَهُ تَنطَلي عَلى نَفسِهِ فَقط.. ولا يُحاوِلُ أن يَجعَلَها تَنطَلي على الآخَرينَ.. أو أن تَكونَ بَديلًا عَن أساطيرِهِم الخّاصّة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى