الخميس ٦ نيسان (أبريل) ٢٠١٧
بقلم فاروق مواسي

لا زال (لا) في نفي الفعل الماضي

سألني أكثر من صديق عن (لا) النافية مع الفعل الماضي، وعن صحتها، وذلك في نحو:

لا فعل ذلك، ولا زال الصديق غائبًا.

يُخطّئ زهدي جار الله في (الكتابة الصحيحة، ص 145)، ومحمد العدناني (معجم الأخطاء الشائعة، ص 114) وغيرهما أن نقول في غير الدعاء: لا أكل- بمعنى: ما أكل.

فيجب علينا إذا أردنا نفي الفعل بـ (لا) أن نكرر الأداة، فالصواب في رأيهم أن نقول: لا أكل ولا شرب، لا سمع ولا رأى.

ومع ذلك فقد وردت (لا) منفردة مع الماضي، وذلك في قوله تعالى فلا اقتحم العقبة- البلد، 11، وفي هذه الآية كان نقاش طويل بين اللغويين- أورده محيي الدين الدرويش في (إعراب القرآن الكريم وبيانه- ج8، ص 322) يخلص فيه الدرويش إلى أن (لا) هنا دعائية، مع أنه أورد رأي كل من أبي عبيدة والزجّاج والفرّاء في غير الدعاء، والشرح في رأيهم:

"كأنه قال ووهبنا له [...] فما فعل خيرًا، أي فلم يقتحم العقبة".

"ثم إن إفرادها كان بسبب دلالة الكلام على المعنى، كأنه قال: فلا اقتحم العقبة ولا آمن، وقيل مع ذلك هو جار مجرى الدعاء".

في بحثي الموضوع قرأت من يرى أن (لا) في الماضي هي بمعنى (لم)، فليس التكرير واجبًا في (لم +المضارع)، من هنا فليس التكرير واجبًا في (لا)، ومن لا يكررها لا يعدو الفصيح.

انظر:محمد سليم الجندي: إصلاح الفاسد من لغة الجرائد، ص 115.

من الشواهد النادرة التي وردت في الشعر الجاهلي :

إن تغفر اللهم تغفر جمَّا
وأيُّ عبدٍ لك لا ألمَّا

(من الجدير بالذكر أن النص ورد في حديث شريف- كما يتبين من تصفحنا في كتب الحديث المختلفة.)

رغم ذلك، ففي رأيي أنه إذا كان هناك شاهد أو اثنان، فإنهما لا يكفيان أو لا يقنعان، فهل يسوّغ أحد منا قول قائل: لا نجح؟ لا قال؟

أكثر الشواهد في اللغة تدل على تكرار (لا) عند النفي، كقوله تعالى:

فلا صدّق ولا صلّى- القيامة، 31.

وإلا فالغالب في فهم الجملة أنها للدعاء:

لا فض فوك! لا شلت يمينه! لا نامت أعين الجبناء ...إلخ

وردت (لا) منفردة قبل الفعل الماضي الناسخ، وقد دلّت على دعاء في قول ذي الرُّمّـة:

ألا يا اسلمي يا دارَ ميّ على البِلى
ولا زال منهلاً بجرعائكِ القطرُ

يدعو لديار ميّ بالنعمة والبقاء، وألا يزول المطر في انصبابه على الأرض الرملية.
ومثلها:

فيا راكبَ الوجناء أبتَ مسلّمًا
ولا زلت في ريبِ الحوادث في سِترِ
لا زال مسك وريحانٌ له أرَجٌ
على صداك بصافي اللونِ سلسالِ

إن أفعال الاستمرار الناسخة: ما برح، ما فتئ، ما انفكّ، تكون في المضارع مسبوقة بـ (لا) أو (ما)- حرف نفي، فمن شروط عملها أن يتقدم الأفعال نفيٌ (بالحرف أو الاسم أو الفعل) أو نهي أو دعاء- ظاهرًا أو مقدَّرًا.

نقول: ما يزال الوضع السياسيّ مقلقًا، ولا يزال الطقس باردًا.

أخلص إلى القول إن الفعل الماضي يُسبق غالبًا بـ (لا) إذا كان بمعنى الدعاء، فقولنا: "لا غاب عنا" نعني به التمني ألا يغيب عنا.

* نقول: ما ذهب (وليس "لا ذهب")،

أما في المضارع فننفي غالبًا بـ (لا)= لا يذهبُ، ويصح (ما يذهب- إذا كان النفي في الحال)، والفرق دقيق.

قال سيبويه - - في "الكتاب" (ج 1، ص 537):

"..وإذا قال هو يفعل، أي هو في حالِ فعل، فإنَّ نفيه- ما يفعل.

وإذا قال هو يفعل ولم يكن الفعل واقعاً فنفيه- لا يفعل..."

من خلال متابعتي لاستخدام (ما) مع الفعل المضارع لم أجد هذه الحدود الدقيقة بينها وبين (لا) الغالبة بنسبة كبيرة، فعذرًا لسيبويه،

وأقول إن (لا) هي الأشيع، بسبب احتمال أن تكون (ما) اسمًا موصولاً أو استفهامًا.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى