الجمعة ١٤ نيسان (أبريل) ٢٠١٧
بقلم حسن عبادي

مجنون حيفا

قرأتُ المجموعة القصصية "مجنون حيفا" للكاتبة الفلسطينية د. عبلة الفاري، الصّادرة عن منشورات المركز الفلسطيني للثقافة والاعلام في جنين وتحتوي على 104 صفحات، من الحجم المتوسط.

عبلة طبيبة فلسطينية من مواليد جنين لأسرة لاجئة مُهجّرة من "المنسي" قضاء حيفا، نشرت العديد من القصص والنصوص في الصحافة العربية والأجنبية باللغات العربية والانجليزية والفرنسية.

ضمت المجوعة تسع قصص قصيرة، تحمل كل منها اسما مميَّزًا ولكنه لم يكن موفّقًا ولا يتلاءم مع النص سوى الأخيرة، باسم:عاصفة الظلام، كابوس الامتحان الأول، ابن الشاطئ، قارئة العيون، زائر الليل، نسائم الذكريات، المقابلة رقم عشرين، الطيف ومجنون حيفا. وتتناول قضايا اجتماعية ووطنية وانسانية.

في قصة عاصفة الظلام، يفترس الظلام بطلة القصة وهي تترك كوخها بعد حوار عاصف مع مرآتها، ونتيجة هذا الحوار تحطم مرآتها، لتخرج تاركة كوخها المتواضع حاملة أحزانها وذكرياتها في ليل عاصف لتقع فريسة ألسنة الناس.

في قصة كابوس الامتحان الأول نجد بطل القصة تعيسًا، ويتخيّل لو أنّه كان حمارًا لعاش سعيدًا! ويصل إلى نتيجة " لماذا لا يعيش حمارا ؟

عش عيشة حمار لتكون سعيدًا، فالسعادة من طبع البهائم" فيحرق كتبه ولتذهب الثقافة إلى مزبلة من رماد كي يتحرر من كتبه وثقافته ليستيقظ من نومه على صدى عجلات شاحنة صدمته وهو يتسكع في شوارع أحلامه الكابوسية ويحمد الله على أن كل ما كان لم يزد عن حلم خشية من عاصفة التغيير التي تقلب المفاهيم والقيم رأسًا على عقب.

في قصة ابن الشاطئ نجد بطلها يغرق في علاقة جنسيّة مع أم صديقه منصور فيهرب من حضنها الدافئ إلى بلاد الغربة آملًا بالسعادة ليضيع هناك. لا يجد ذاته فيجوع ويمرض ويتمنى العودة إلى مزابل قريته علّه يجد هناك عظمة يطفئ بها جوعه ككلب ضال، حتى لو كلفته محاولة العودة حياته وعندها سيموت قرير العين لأنه مات وجبينه متجهًا صوب وطنه في طريق العودة، ليصير خبرًا يتصدر صحيفة محلية تنعى مهاجرًا غير شرعيٍّ مجهول الهوية وُجِد ميّتًا في ظروف غامضة. تصويرها لتلك العلاقة "المحرّمة" أخذتني إلى رواية "نرجس العزلة" للروائي باسم خندقجي والكاتبة صونيا خضر وروايتها "باب الأبد".

أما قصة قارئة العيون فبطلتها كادحة ترعى شؤون عائلتها وتوفّر لها لقمة العيش الكريم، امرأة أميّة تقع في حب رجل آخر، لكن القدر يتدخل ليعيدها إلى حضن أسرتها.

في قصة زائر الليل تعيش البطلة قصة حب، لكن يموت حبها عندما تتخرج من الجامعة وتندفع لتُخبر فارس أحلامها بنجاحها فتُفاجأ به يدعوها لحفل زواجه من أخرى فتشاركه حفل زواجه وتهديه باقة ورد ثم ترحل بعيدًا لتختفي من حياته، وفجأة يزورها في الغربة، ومعه طفله الذي ماتت أمه ليتركه وديعة بين يديها لترعاه.

في قصة نسائم الذكريات نواجه طفلة فقدت أمها لتعاني قسوة زوجة الأب فتحتمي بشجرة بلوط تشاركها أسرارها وهمومها فتفقدها حين أُقتُلعت، فتصرخ: "لقد يتّموني مرة أخرى" ثم ينقذها خالها من ذاك الجحيم لتحيى، لأن رغبة الحياة أقوى من نعيق الموت، وكما قال محمود درويش "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".

في قصة المقابلة رقم عشرين تعالج مشكلة اجتماعية ملحّة – البحث عن وظيفة تُسلب ممن يستحقها بفعل المحسوبيات بدلًا عن الكفاءات وكما يصفها الروائي الفلسطيني، ابن قرية بلعا، فادي شحرور في روايته "ضجيج":"أعداد غفيرة من الخريجين يهربون من الوطن لقلة الوظائف التي يحصدها الأشراف وأصحاب المناصب فقط، جذور هذه الظاهرة مستشريه ومتسربة في نسيج مجتمعاتنا النائمة العائمة بالفساد".

في قصة الطيف تعالج الكاتبة مسألة العنوسة وطمع الأهل براتب البنت وخدماتها للأسرة الذكورية ورفض تزويجها لئلا "يضيع" الراتب والإرث غريبًا كما نرى في رواية "الكافرة" لعلي بدر.
قصة مجنون حيفا التي تحمل المجموعة عنوانها تصوّر شخصية الفلسطيني المشرد اللاجئ وشعوره المتواصل بالضياع نتيجة الحنين لمسقط رأسه، حيث فقد الأرض والكرامة ورغيف الخبز. ويداوم المحاولة لتحقيق حلم العودة وحين يصل حيفاه المشتهاة يصدمه سائق مخمور في إحدى شوارع حيفا لتكون نهاية مأساوية لبطلها على يد من شرّده.

يبدو ظاهرًا وجليًّا تأثر الكاتبة بحنا مينه وكتابه "المرأة ذات الثوب الأسود" عبر صفحات المجموعة.
المرأة هي "بطلة" سلبية في المجموعة القصصية، فنراها من خلال أحمر الشفاه وصدرها مَعبرا للرجال (ص 20) ومعلمة لشرب الفودكا (ص 21) و"غانية تنكشف أردافها لأول خيط ضوء من سيارة مصطادين" (ص 22)، وفي قصة "ابن الشاطئ"نرى ام منصور بكل سلبياتها، تغوي صديق ابنها ، وكذلك في قصة "زائر الليل" دورها سلبي ومتخاذل جدا، وفي قصة "المقابلة رقم عشرين "نرى الصورة النمطية الرجعية للمرأة والمفارقة الشكلية والقشور وخاتم القصدير (ص 68) ويذكرني بالمثل الشعبي (لولا الحكّي والمكّي كانت الحالة بتبكّي)، وتتناول موضوع الشرف: هل فعلا "الشرف قد يذهب بلمح البرق؟ لكن كل بِحار الدنيا لا تغسل فاقِدَه لأنه إن سُلِبَ لا يُسْتَرد أبدًا"؟!؟ (ص 25)

كي تكونِ أديبًا عليك أن تكون مثقّفًا، وعبلة نِعمَ المُثقّفة - لكنها أقحمت واستخدمت أسماء الفلاسفة والمشاهير لتستعرض معلوماتها وتشير إلى سعة اطلاعها وثقافتها المتنوعّة دون حاجة إلى ذلك، فنراها تذكر غوته، شوبنهاور، هيجل، نيتشه، فرويد، المتنبي، أبو العلاء، ابن خلدون وعبد الرحمن منيف بتكلّف فاضح لا يخدم النصّ، بل يشير إلى ثقافتها العالية بتصنّع مبتذل، لا غير، وهي بغنى عن ذلك.

في عصر الحفاظ على البيئة والصحة – رجاءً يا د. عبلة - إنصحي أبطالك بالابتعاد عن الدخان والسجائر والفودكا وكؤوس الكونياك كملجأ وملاذ فهي لا تحل مشكلة ولا تفيد، ناهيك عن أضراها وعواقبها!!!.

ولفت انتباهي غيابُ الفنّان صاحب صورة الغلاف فلم تُنصفه عبلة ولم تُعطِه حقَّه، أمر يثير التساؤل: لماذا؟؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى