الثلاثاء ٢٣ أيار (مايو) ٢٠١٧
بقلم فاروق مواسي

العقل عند المعري جولة في اللزوميات

العقل هو ضد الجهل وضد الحُمق، وهو التثبّت في الأمور، والتمييز والفهم.

الفعل (عقل) معناه حبس، ويبدو أن معنى العقل مأخوذ منها، فالعقل يحبس النفس عن الهوى، ويقيدها بما هو نافع للإنسان.

يقول (لسان العرب) سمي العقل عقلاً، لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك.

ما أكثر ما ذكر المعري (العقل) في شعره، وكثيرًا ما استشهد هذا الأديب أو ذاك بقول المعري:

كذَب الظنُّ لا إمامَ سوى العقـــ
لِ مشيرًا في صبحه والمساءِ
فإذا ما أطعته جلَب الرحـ
ـمةَ عند المسير والإرساء

قال المعرّي هذا النص مخالفًا أولئك الداعين في عصره لإمام منتظر، فعنده أن صاحب العقل لا يضلّ، وهو يميز الصدق من سواه:

أما العقول فآلت أنه كذِبٌ
والعقل غرسٌ له بالصدق أثمار

العقل كلمة لها علاقة بـ (العِقال) – التقييد بالحجة والمنطق، والمعري اللغوي يربط بينهما:

والعقل في معنى العقال ولفظه
فالخير يعقِد، والسَّفاه يحلّهُ

هكذا إذن فأصحاب الترّهات الدينية كما وصفهم:

تستّروا بأمور في ديانتهم
وإنما دينهمْ دينُ الزناديق
نكذّب العقلَ في تصديق كاذبهم
والعقلُ أولى بتكذيب وتصديق

إذن، فما عليك أيها الإنسان إلا بهذا النصح الذي يُسديه الشاعر:

تفكّر فقد حار هذا الدليلُ
وما يكشفُ النهجَ إلا الفِكرْ

وقال ما هو في معناه:

فليس يُظلم قلب
وفيه للّبِّ جذوه

يقول:

"والعقل أنفس ما حُبيت..."

فكل ما لا يقرّه عقلك فهو قبيح لا تعمل به:

فشاور العقل واترك غيره هَدَرًا
فالعقل خير مشير ضمّه النادي

فتحكيم العقل في كل مسألة من أهم ما دعا إليه المعري، ومع الأسف، فإن تغييب العقل هو الذي يسود في كثير من المسائل، وخاصة الدينية منها:

فلا تقبلن ْ ما يخبرونك ضِلّةً
إذا لم يؤيد ما أتَوك به العقل

فاللب أي العقل هو قطب الرحى:

اللب قطب، والأمور له رحى
فيه تُديَّر كلها وتُدار

أي أن مرجع الأمور كلها إلى العقل، فالرحى هي حجر الطحن، والقطب هو ملتقى الأمور وهو الوتد الذي يدار عليه الحجر.

يمضي المعري ويقول:

والحديث المسموع يوزن بالعقـ
ـل، فيضوى إليه عُرف ونكر

أي إننا بالعقل نرفض ونقبل، "فاقبل إذا ما نهاك العقل أو أمرا"، و "عليك العقلُ فافعل ما رآه جميلا..."

يقول المعري ملخصًا سلوكه في حياته:

نهانيَ عقلي عن أمور كثيرة
وطبعي إليها بالغريزة جاذبي

ويقول:

سأتبع من يدعو إلى الخير جاهدًا
وأرحل عنها ما إمامي سوى عقلي

ما علينا إذن إلا التفكير:

"وما يكشف النهجَ غير الفِكر"، كما ذكرنا أعلاه، فالله وهبنا العقل لنعمل وفقه، ولكن ثمة من يغفل عنه:

تركتِ مصباح عقلٍ ما اهتديتِ به
والله أعطاكِ من نور الحجى قبسا

فالمسترشد بالعقل يرى الطريق القويم، "وكم أمرَ العقل السليم بصالح".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى