تزوجت اثنتين
أحل الإسلام الزواج مثنى وثلاثَ ورباعَ بشرط العدل، وهو أمر ليس باليسير، وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ- النساء 129، لهذا كان التنبيه والأمر الإلهي:
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً- النساء،3.
ظل الحديث عن الزواج بأكثر من واحدة مجالاً للفكاهة في بعض المجالس- من جهة، وموضوعًا للنقاش الجادّ من جهة أخرى بين مؤيد ومعارض، وناوٍ على خير/ شر، وخائف، ومتسائل..
والأمر ليس جديدًا، فقد دعا إليه وحث عليه رجال، بينما حذّر منه آخرون.
غير أن حديثي هنا عن الشعر، وكيف وصف هذا الشاعر القديم الزواج باثنتين، وكيف عارضه الشعراء المحدَثون.
لنبدأ بالقصيدة المشهورة الواردة في أمالي القالي:
"قيل لأعرابي: من لم يتزوج امرأتين لم يذق حلاوة العيش. فتزوج امرأتين،
ثم ندم، فأنشأ يقول:
تَزَوَّجْتُ اثنتينِ لِفَرْطِ جَهْلِيبِمَا يَشْقَى به زَوجُ اثْنتينِفقلتُ أصيرُ بينهما خروفًاأُنَعَّمُ بين أَكْرَمِ نَعْجَتَيْنِفصِرْتُ كَنَعْجَةٍ تُضْحِي وتُمْسِيتُدَاوَلُ بينَ أَخْبَثِ ذِئْبَتَيْنِرِضَا هَذِي يُهَيِّجُ سُخْطَ هَذِيفَمَا أَعْرَى مِنَ احْدَى السُّخْطَتَيْنِوأَلْقَى في المعِيْشَةِ كُلَّ ضُرٍّكَذَاك الضُّرُّ بينَ الضَّرَّتَيْنِلهذي ليلةٌ ولتلكَ أُخْرىعِتَابٌ دَائِمٌ في الليلَتَيْنِفإنْ أَحْبَبْتَ أنْ تَبْقَى كريمًامِنَ الخيراتِ مَمْلُوءَ اليَدَيْنِوتدركَ مُلْكَ ذِي يَزَنٍ وعَمْرٍووذي جَدَنٍ ومُلْكَ الحَارِثَيْنِومُلْكَ المُنْذِرَيْنِ وذِي نُوَاسٍوتُبَّعٍ القَدِيمِ وذِي رُعَيْنِفَعِشْ عَزَبًا فإنْ لم تَسْتَطِعْهُفَضَرْبًا في عِرَاضِ الجَحْفَلَيْنِ
(أبو عليّ القالي: الأمالي ج2، ص 34)
شرح عجز البيت الأخير:
عراض: مصدر عارض الجحفل معارضة وعِراضًا إذا التقيا، يقول تعرّضْ للموت والشهادة كي تستريح.
من معارضة لأبي رُواحة عبد الله بن عيسى الموري:
تزوجْتُ اثنتين لحسْن حظِّيبمـا يسلـو بـه زوجُ اثنتينلهذي ليلـةٌ ولتلك أخرىسـرورٌ حـاصِـلٌ في الليلتينرضا هذي يحسِّنُ فِعْل هذيفأحظـى بالسعـادة مـرتينفعشتُ مدلَّلاً بالودِّ أبقىأنعَّمُ بين ألْـطـف زوجتينفإنْ سافرتُ عدْتُ على هياملأقطِفَ زهـرةً من زهرتينهما سَكَنُ الفؤاد ودِفْءُ عيشيهما نورُ الحيـاة ومِلْءُ عينيفأمْـرُ الله بالإنكاح شرْعٌبما قد طابَ من أصْلٍ ودينِفذلك كلُّـه خير وأبقىوعنـد الله نيـلُ الحُسْنيين
هناك قصائد أخرى في قافية أخرى، وهي لا تتفق مع الرأي القائل بالاكتفاء بواحدة، فيقول ناصر الزهراني:
أترضى أن تعيش وأنت شهممع امرأة تقاسي ما تقاسيإذاحاضت فأنت تحيض معهاوإن نفست فأنت أخوالنفاستزوج باثنتينِ ولا تباليفنحن أُولو التجارب والمراسِ
وهذه معارضة أخرى للشاعر ناجي الحرز:
تزوجت اثنتين لضيق صدريبما يشقى به زوج الوحيدهوقلت لقد "تخمت" لفرط جهليثريدًا لا أملّ من الثريدهفصرت كطائر في كل يومأبوََأ عرش مملكة جديدهرضا هذي ينبّه ود هذيفتجهد في اجتذابي مستزيدهلهذي جولة ولتلك أخرىكذاك تمر أيامي سعيده
وثمة آخر يبدأ قصيدته:
تزوّج باثنتين ولا تباليولا تقنع بواحدةٍ كحالي!
لا يكتفي باثنتين:
هناك من لا يكتفي باثنتين، بل يثق بنفسه وبقدراته أمام أربع.
فلنأت إلى التراث أولاً، ثم إلى معارضة شاعر معاصر:
قال الحجاج:
"لا تكمل النعمة على المرء حتى ينكح أربع نسوة يجتمعن عنده"، فسمعه شاعر من أصحابه- يقال له الضحَاك، فتزوج أربع نسوة، فلم توافقه منهن واحدة، فإذا بواحدة حمقاء رعناء، والثانية متبرّجة، والثالثة فارِك (تبغض زوجها)، والرابعة مذكّرة، فدخل على الحجاج فقال: أصلح الله الأمير، سمعت منك كلامًا أردت أن تتم لي به قرّة عين؛ فبعت جميع ما أملك، حتى تزوجت أربع نسوةٍ، فلم توافقني منهن واحدة، وقد قلت فيهن شعرًا، فاسمع مني، قال: قُل! فقال:
تزوجتُ أبغي قُرّةَ العينِ أربَعافيا ليتَ أنّي لم أكن أتزوَّجُويا ليتني أَعْمَى أصمَّ ولم أكُنْتزوجتُ، بل يا ليت أني مُخَدَّجُفواحدةٌ لا تعرفُ الله ربَّهاولا ما التُّقَى تدري وَلا ما التَّحرُّجُوثانيةٌ ما إن تقرَّ ببيتهامذكّرة مشهورة تتبرَّجُوثالثة حمقاءُ رَعْنَا سخيفةٌفكل الذي تأتي من الأمر أعوجُورابعةٌ مفروكةٌ ذاتُ شِرَّةٍفليستْ بها نفسي مَدَى الدهر تُبْهَجُفهنَّ طِلاقٌ كلُّهُن بوائنُثلاثاً بتاتًا فاشْهَدُوا لا أُلَجلَج
ضحك الحجاج حتى كاد يسقط من سريره، ثم قال له: كم مهورهنّ؟ قال: أربعة آلاف درهم.
فأمر له بثمانية آلاف درهم.
(النص وارد في كتاب القالي: ذيل الأمالي والنوادر، ج3، ص 47، وثمة تغيير في الأبيات في المصادر المختلفة، منها- كتاب ابن عبد البَرّ: بهجة المجالس في أنس المجالس، ج1، ص 181)
هذه الجيمية يعارضها أبو رُواحة الموري، ويبدو أنه شاعر سعودي معاصر:
تزوجتُ من أولى فكانت سعادتيوولَّتْ همومي والذي كان يزعـجفثنَّيتُ بالأخرى فصـرتُ مملَّكاعلى منزلَي عدْلٍ بمـا كنتُ أنهجُفثلَّثتُ بالأخرى فزادت قِوامـتيوزاد اتسـاعُ الملْك والعيش أبهجُفربَّعتُ والتـربيع عيشـة راتـعٍبأنعـم عُـشٍّ للعُـلى يتـدرَّجُ
يمضي الشاعر في قصيدته الطويلة ليدافع عن خطوته، وقد اخترت منها:
فواحـدة كم تتقـي اللهَ ربَّهـاقـد اتصفتْ بالذِّكْـر لله تلهـجوثانيـة جـاءت تجدِّد ما مضىبحُسْـن تبعُّلٍ وفيهـا تغنُّـجوثالثـة تهـوى العلـوم ونشْرَهاوتبقـى بعقْـر الـدار لا تتبرَّجُورابعة أعطتْ كـريم خصـالهـاتؤانسني حقـًا وللصَّـدر تُثلِـجُفهـنَّ حـلالٌ كلُّهـنَّ أطـايبٌبهنَّ يطيبُ العيشُ والقلـب ُيبهجُ
ما شعور المرأة عندما تعلم أن لها ضَرّة؟
من المقطوعات الجميلة التي وردت في كتاب أبي تمّام- (الحماسة ج2، 367)، وقد قالها أحد الحجازيين:
خبَّروها بأنني قد تزوّجـتُ فظلت تُكاتم الغيظ سرّاثم قالت لأختها ولأخرىجزعًا: ليته تزوّج عشراوأشارت إلى نساءٍ لديهاما ترى دونهن للسرِّ سِتراما لقلبي كأنه ليس منيوعظامي أخال فيهن فَتْرامن حديثٍ نما إليَّ فظيعٍخلتُ في القلبِ من تلظّيهِ جمرا
كان أولى أن تكون هناك قصائد لشواعر يبدين آراءهن، ويصفن مشاعرهن في هذا السلوك الرجالي الذكوري، فهل قرأ أحدكم نماذج منها؟
مشاركة منتدى
12 أيار (مايو) 2018, 17:36, بقلم جمال
الحمد لله
موضوع جميل ورائع
كل حسب قناعته وتجربته
والله يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه
وصلى الله وسلم على نبينا محمد تسليما كثيرا
17 حزيران (يونيو) 2018, 04:01, بقلم عادل عياش
من اجملا الحياه
قد يكون هنك جوانب سلبيه ليكن تطعم لذه الحياه والمذاق الصح للعيش
وتعرف الوان السعاده
ودرجه الصبر عندك
وسعت الصدر
والمذاق الافظل
وتتحرر من العبوديه الزائفه
وانشاءالله بينحاول ادي الثالثه
2 نيسان (أبريل) 2019, 20:14
أبو رواحه هو شاعر يمني معاصر
13 تشرين الأول (أكتوبر) 2019, 08:35, بقلم عليلاج
العيب ليس في التعدد وانما العيب في جهل الحكمة في
التعدد لأن الشارع مبني على الحكمة ( ومن يؤتى الحكمة
فقد أوتي خيرا كثيرا )
21 أيلول (سبتمبر) 2020, 11:29, بقلم نذير بوقليل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. موضوع التعدد انا ملهم به وأبحث فيه كثيرا، خثوصا وأنني عشته بتجربة واقعية وليس السامع كالمجرب.
والله ان شريعة الله رحمة منه يبخانه وتعالى ، والموضوع شيق زجيد واخب ااكلم فيه. ولكن لضيق الوقت ابث فيه هذه النفثات على أن نعود اليه للنقاش واانساهمة بخول الله. وآخر كلمة ارحو ان بنظر ااجميع الى حكمة الله في تشريع التعدد الءي لا يعني السهوات والفرج وانما امورا كثير سنعود البها بخوله تعالى.
سلام
2 أيار (مايو) 2021, 05:35, بقلم قاسم خليل ابراهيم
موضوع يستحق القراءة والتأمل فيه فكل واحد له تجربته الخاصة به والظروف المحيطة به وتعدد الزوجات هو تشريع من الله سبحانه ولا يعني ان الانسان متعدد الزيجات بأنه انسان شهواني اناني كما يتوهم بعض الناس فهو رحمة من الله سبحانه ولايخلو من فوائد جمى فالتشريع اتى من الكمال وان حدث خطأ ما فليس في القانون خطأ انما التطبيق خاطىء فالرجل السوي اودع الله فيه من الكمالات من حسن التدبير والتعايش بحكمة وروية وسعة صدر وقادر على المناقلة ...اما من مدح وذم فهو اسير تجربته علينا ان نحسن الاختيار وان يرافق العمل تقوى الله والتوفيق يرافقكم
ان شاء الله تعالى ....
25 حزيران (يونيو) 2023, 08:49
تزوجت اثنتين لفرط جهلي